الواجهة الرئيسيةترجماتتكنولوجياثقافة ومعرفةشؤون دولية
روبوت الدردشة وسباق التكنولوجيا بين الصين والولايات المتحدة

كيوبوست- ترجمات
ريشي لينغار♦
يلقي ريشي لينغار، مراسل مجلة “فورين بوليسي”، في تقريره، الضوءَ على تطبيق روبوت الدردشة الذي أنتجته شركة “OpenAI” الأمريكية، وعاصفة الاهتمام الهائلة التي أثارها في جميع أنحاء العالم. ويقدر عدد مَن جربوا التطبيق خلال شهرَين من إطلاقه بأكثر من 100 مليون شخص. لقد استثمرت شركة “مايكروسوفت” مليارات الدولارات على مدى عدة سنوات؛ لدمج هذه التقنية في محرك البحث “Bing” الخاص بها، كما تعمل شركة “جوجل” على تطوير تطبيق المحادثة الخاص بها والذي أطلقت عليه تسمية “بارد”.
أثار هذا التدافع نحو روبوتات الدردشة اندفاعة مماثلة في قطاع التكنولوجيا في الصين، وأعلنت شركة “بايدو”؛ وهي محرك البحث الرائد في البلاد، نيتها إطلاق روبوتها الخاص المسمى “إرني بوت” خلال شهر مارس، كما صرحت شركات التكنولوجيا الصينية الأخرى؛ مثل “علي بابا” و”جي دي دوت كوم”، عن برامج الدردشة الخاصة بها. كانت الصين قد حددت طموحاتها في مجال التكنولوجيا منذ عام 2017 عندما أعلنت سعيها لأن تكون “مركزاً عالمياً للابتكار” في هذا المجال بحلول عام 2030. وقد أدى هذا الإعلان إلى نشوء منافسة محتدمة، كما أن تعاون العلماء والشركات في الصين والولايات المتحدة وصل في الوقت نفسه إلى حد تأسيس كبرى شركات التكنولوجيا الصينية مصانع لها في وادي السيليكون. ولكن نظراً للخصومة المتزايدة بين البلدَين؛ بدأت مساحة العمل المشترك على تقنيات الذكاء الاصطناعي بالتقلص بسرعة، وأدت القيود التي فرضتها إدارة بايدن على تصدير رقائق أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين، إلى تراجع هذا التعاون بشكل كبير.
اقرأ أيضاً: نعوم تشومسكي: الوعد الكاذب لـ”شات جي بي تي”
يرى جراهام ويبستر، الباحث في مركز السياسة الإلكترونية بجامعة ستانفورد، أنه من الخطأ المبالغة في ربط روبوت الدردشة “ChatGPT” بمصطلحات ومفاهيم وطنية. ويقول: “لا أعتقد أنه ينبغي أن ننظر إلى (ChatGPT) على أنه فوز للولايات المتحدة؛ فالشركة التي طورته هي شركة خاصة لها طموحاتها وقيمها الخاصة التي قد تتوافق أحياناً مع معظم الأمريكيين، وقد تختلف معهم أحياناً أخرى، وهي ببساطة لا تحركها الدوافع والمصلحة الوطنية”.

لكن المسألة الوطنية لا تزال تلعب دوراً كبيراً، وسوف يكون للشركات الصينية حساباتها المختلفة بسبب اللوائح التقنية التي تفرضها بكين على القطاع الخاص وسيطرتها على هذا القطاع. وسوف يتعين على الذكاء الاصطناعي التوليدي أن يلتزم بقواعد الحكومة في ما يتعلق بتأثيره على الأمن القومي. وهنالك أيضاً اختلاف كبير في كيفية تعامل الصين مع مسألة تنظيم عمل شركات الذكاء الاصطناعي، والمسؤولون الحكوميون فيه ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره تقنية مهمة تتطلب إطاراً تنظيمياً للتحكم في الجوانب السلبية التي قد تترتب عليه. لم يُتَح روبوت الدردشة “ChatGPT” في الصين، كما فرضت بكين قيوداً على شركات التكنولوجيا الصينية في ما يتعلق بتقديم خدماتها للجمهور، ولتبرير ذلك تصور الحكومة هذه القيود على أنها جزء من المنافسة الأوسع بين الصين والولايات المتحدة.
اقرأ أيضًا: قاضٍ يثير ضجة بعد استعانته بتطبيق “تشات جي بي تي” في إصدار حكمه
قال مسؤول في السفارة الصينية في واشنطن، إن بكين تركز على إبقاء الذكاء الاصطناعي مفيداً وآمناً. وأضاف: “تلتزم الصين ببناء مجتمع يتمتع بمستقبل مشترك للبشرية في مجال الذكاء الاصطناعي، وبالجهود المبذولة للحفاظ على نهج يركز على ما فيه خير البشر وعلى مبدأ الذكاء الاصطناعي من أجل الخير، وأن يكون آمناً وموثوقاً وقادراً على خدمة التنمية المستدامة وتعزيز رفاهية البشرية جمعاء”.
ومن المفارقات أن روبوت الدردشة الصيني “إرني” قد تم تدريبه على معلومات باللغة الإنجليزية من موقعَي “ويكيبيديا” و”ريديت”، وكلاهما محظور في الصين. يرى بول شار، مؤلف كتاب “ساحات المعركة الأربع- القوة في عصر الذكاء الاصطناعي”، أنه سيكون من الصعب على الشركات الصينية إيجاد طرق لاستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدية دون التحايل على الرقابة الصينية. وبطبيعة الحال؛ فإن الشركات الصينية العاملة في هذا المجال معتادة على تجاوز كل قيود هذه الرقابة. وقال شار: “إن بكين ستستخدم على الأرجح الذكاء الاصطناعي لإنتاج الدعاية الحكومية والأخبار المزيفة بسرعة كبيرة وعلى نطاق واسع يفوق قدرة البشر”.

ولكن الأمر الذي يعيق تطور الذكاء الاصطناعي في الصين أكثر من الرقابة الحكومية؛ هو القيود التي فرضتها الولايات المتحدة والتي قطعت بشكل كامل تقريباً إمكانية وصول رقائق أشباه الموصلات المتطورة والمعدات اللازمة لتصنيعها إلى الشركات الصينية. وسوف تحتاج الصين إلى وقت طويل للتغلب على هذه القيود. ومع أن بعض الشركات الصينية قد قامت بتخزين كميات من هذه الرقائق؛ فإنها بمرور الوقت، إذا لم تتمكن من إيجاد بدائل مناسبة، لن تكون قادرة على تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على الأجهزة المتطورة.
إن المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة عنه تتجاوز في عواقبها المجال الرقمي. والدولة التي تقود الذكاء الاصطناعي ستجني فوائد اقتصادية كبيرة وستكسب تفوقاً في مجال الأمن القومي. وما هو على المحك اليوم ليس فقط مَن يقود الذكاء الاصطناعي؛ بل مَن يضع قواعد وضوابط استخدامه في جميع أنحاء العالم.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يقرأ الأفكار من خلال مسح الدماغ
وقال روبوت المحادثة لمجلة “فورين بوليسي” عندما قامت بتجربته: “استثمرت الصين كثيراً في مجال الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، وهي تتقدم بسرعة في هذا المجال”. وحذر الروبوت أيضاً من “سياسات الصين ومبادراتها الهادفة إلى جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات، وهو أمر يثير مخاوف بشأن إساءة الاستخدام المحتملة وانتهاك الخصوصية”. وأضاف الروبوت: “بشكل عام، تتقدم قدرات الذكاء الاصطناعي في الصين بسرعة، وتقترب البلاد من أن تصبح لاعباً رئيسياً في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، من الضروري للصين أن تقوم بمعالجة المخاوف المتعلقة بالخصوصية والتأكد من تطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه بطريقة مسؤولة”.
♦مراسل مجلة “فورين بوليسي”
المصدر: فورين بوليسي