الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية
رمضان في شرق إفريقيا (1)
الصيام في ساحل التوابل والبهارات و"التقاليد الأصيلة".. جولة في زنجبار وكينيا

كيوبوست- عبد الجليل سليمان
هنا (أنغوجا) عاصمة الجزر الزنجبارية وأكبر مُدنها والتي يُطلق عليها (بستان شرق إفريقيا)؛ حيث تفوح من أجوائها روائح التوابل والنباتات العطرية الرائعة.
يدين سُكان أنغوجا والجزر الأخرى قاطبةً بالإسلام. ويستقبل الزنجباريون شهر رمضان بلهفة وترقب ومحبة، ويدّخرون له ما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات، على رأسها البطاطا والكسافا والمانجو والموز والسكر والزيت والدقيق، وغيرها من المواد التي تُستخدم في صناعة الأطعمة والمشروبات الرمضانية.
اقرأ أيضاً: العصيدة والحلو مر يتسيدان المائدة الرمضانية السودانية
وتتميز المائدة الرمضانية الزنجبارية بالتنوع حيث تنقسم إلى مائدةٍ تقليدية، وأخرى حديثة، وتعتبر (الكسافا) وهي ثمرة تصنع منها العصيدة؛ الطعام التقليدي المفضل الذي لا تكاد تخلو منه مائدة إفطار في الجزيرة، وهي الطعام المفضل لدى السواد الأعظم من سكانها.

كسافا وفانجا فانجا جونجو
يقول أبوبكر حارث، وهو صحفي زنجباري، إن الكسافا تُطهى مع اللحم أو السمك أو الدجاج، ويُضاف إليه جوز الهندي والنارجيل والتوابل والبهارات المتنوعة التي تزخر بها.
ويضيف أن (Ndizi – ندزي) وهي كلمة سواحلية تعني الموز، تُعد مادةً رئيسية في رمضان، وفي كل المواسم، مثلها مثل الكسافا والموهوقو، ويطبخ مع السمك أو اللحم أو الدجاج أو مع ثمرة النارجيل.

ويشرح حارث لـ “كيوبوست” مُفصِّلاً المائدة الرمضانية، بقوله: “للأسماك مكانة خاصة في رمضان، ولا تكاد تخلو مائدة منها”، كما أنّ المائدة الرمضانية الزنجبارية تحتوي على الكثير من أصناف الطعام اليمني والعماني، مثل الفطائر والسمبوسة واللقيمات والطعمية، إلى جانب المنطازي والكتليسي والجباتي.
ومن أهم المشروبات الحاضرة على مائدة إفطار رمضان، اليوجي (نوع من الشوربة)، الشاي بالحليب، التمر، عصائر الفواكه وأهمها؛ البيشن والأفكادو والأناناس والمانجو والجوافة والشمام، إضافة إلى البطيخ والتين الشوكي والنارجيل.
اقرأ أيضاً: “الضرا” أو إفطار الشوارع.. تقليد رمضاني عريق في السودان
وفقاً لحارث؛ ينظم الزنجباريون، قبل أيامٍ قليلة من حلول رمضان، بعد السابع والعشرين من شعبان، مائدة كبيرة في الشوارع أو المتنزهات والحدائق المفتوحة والاستراحات؛ للترحيب بقدوم الشهر المعظم؛ يدعون إليها الجميع وتسمى “فانجا جونجو” وتعريبها “تحطيم الأواني”، وهي عادة قديمة ومتأصلة، وخاصةً بالنسبة لسكان الأرياف.

هُنا مومبسا.. هنا ماليندي
عرفت سواحل شرق إفريقيا، وخاصة المدن المطلة على البحر الأحمر، وخليج عدن والمحيط الهندي، الإسلامَ منذ وقتٍ مبكر، يكاد يكون قبل انتشاره في نواحي الجزيرة العربية نفسها، فمع هجرة الصحابة إلى الحبشة أصبح للإسلام وتداً مغروزاً في الساحل الشرقي، ولم تكن كينيا استثناء عن ذلك، فمدنها الساحلية الكبرى مثل مومبسا وماليندي وغيرهما تتميز بتنوعٍ كبير؛ خليط من العمانيين واليمانيين والشيرازيين والصوماليين والهنود والسكان الأصليين (البانتو والماساي) انصهروا واندمجوا فأصبحوا “سواحليين” كما يُعرّفون عن أنفسهم.
اقرأ أيضاً: “طبول وإنشاد”… أهازيج وإيقاعات السحور في السودان
لا تضاهي احتفالات مسلمي كينيا بحلول الشهر الكريم أي احتفالاتٍ أخرى، فقبل حلوله تكتسي البلدات والقرى والمدن ذات الأغلبية المسلمة بالألوان المفرحة، وتتزين الشوارع بالإضاءة الملونة، وتُقرع الطبول وتنثر الأناشيد والمدائح ويعم الفرح الجميع.

شوما نياما
لا يغلق الكينيون منازلهم طوال الشهر الكريم، تظل مفتوحة أمام الجميع. وتحرص الأسر الكينية، على طهي العديد من الأطباق مثل العصيدة وحساء الخضراوات، واللحم أو السمك والدجاج.
يقول الباحث المهتم بشؤون القرن الإفريقي، إبراهيم حالي، لـ”كيوبوست”، إن طبق “شوما نياما” الذي يحتوي لحوماً بيضاء أو حمراء مشوية على الفحم، مضافاً إلى الأرز والكزبرة الطازجة والليمون والطماطم، هو أحد أبرز الأطباق الرمضانية في كينيا، إلى جانب السمبوسة والمشبك واللقيمات والفطائر المختلفة على الطريقة اليمنية.
ويوضح حالي أن المائدة الرمضانية الكينية لا تخلو من طبق المقبلات الشهير “سوكوما”، وهو عبارة عن لفائف من رقائق القمح محشوة بالطماطم والبصل، إلى جانب الأطباق الأخرى، مثل النيادي والمهوكو.
اقرأ أيضاً: رمضان حزين في السودان… والتقاليد الرمضانية على حافة الانهيار!

طبول السحور
يمثل مسلمو كينيا أقلية بالنسبة للسواد الأعظم من المسيحيين، إلا أنهم الأكثر تمسكاً من بين مسلمي شرق إفريقيا بتنظيم الإفطارات الجماعية وإظهار الفرحة بشهر رمضان والعيد.
وتشهد المساجد ازدحاما غير مسبوق خلال رمضان؛ خاصةً خلال صلاتيّ العشاء والتراويح، ويحرص الجميع على ختم القرآن الكريم أكثر من مرة. كما ينظم الكينيون حلقات جماعية في المساجد بُعيد صلاة التراويح لمناقشة أمور الدنيا والدين على حدٍّ سواء، ويحددون خلال هذه النقاشات مقدار زكاة الفطر، ومصارفها الشرعية، وكيفية توزيعها، ويشكلون لجاناً معلومة للقيام بهذه الأمور.
ولا يزال المسحراتي أحد أبرز الطقوس المستمرة حتى يومنا هذا في كينيا، حيث يقوم “المسحراتية” بجولاتٍ حول أحياء المدن وأسواقها، مهنئين المسلمين بمناسبة حلول الشَّهر الفضيل. ويتجلى دورهم بإيقاظ الصائمين وحثهم على تناول سحورهم من خلال قرع الطبول والدفوف، وترديد الأناشيد الدينية التي تعظِّم الشَّهر الفضيل، وتدعو إلى الصِّيام والقيام.