الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
رمال الصحراء تُغرق العلاقات المغربية- الإيرانية في “بحر القطيعة”

المغرب- حسن الأشرف
عادت اتهامات بلدان عربية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بالتدخل في شؤونها وقيامها بتسليح مجموعات تشكل خطراً على أمن واستقرار هذه الدول، إلى واجهة الحدث في المشهد السياسي والدبلوماسي العربي، بعد أن أقر مجلس جامعة الدول العربية، على مستوى وزراء الخارجية، قراراً اتخذته اللجنة الوزارية العربية الرباعية المكلفة بمتابعة تطورات الأزمة مع إيران، المكونة من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، يرفض قيام إيران وحليفها “حزب الله” بتسليح عناصر انفصالية تهدد أمن واستقرار المغرب.
واتهمت اللجنة الرباعية العربية، في بيان صدر الخميس 10 مارس الجاري، إيران بإثارة “فوضى وعدم استقرار في المنطقة بشكل يهدد الأمن القومي العربي”، واعتماد سلوك “مزعزع للاستقرار”، كما وجهت انتقادات إلى برنامجيها النووي والصاروخي.
اقرأ أيضاً: تفاصيل جديدة: ما وراء قطع المغرب علاقاته بإيران
كرونولوجيا القطيعة الدبلوماسية
وتجددت الاتهامات الموجهة إلى إيران بالتدخل في شؤون المغرب؛ خصوصاً دعم وتسليح انفصاليين، ما يشكل خطراً على أمن المملكة، بعد أن وجهت الرباط إلى طهران ذات الاتهامات في مايو 2018، بررت بها قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدَين، وإغلاق السفارة وطرد السفير؛ وذلك بسبب ملف الصحراء المغربية.
واتهم المغرب حينها إيران بشكل صريح بكونها تدعم جبهة البوليساريو، التي تطالب بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة، من خلال قيام ميليشيات “حزب الله” اللبناني، التابع لطهران، بتدريب عناصر من الجبهة، وتسليمهم أسلحة وصواريخ “أرض جو” من طراز “سام 9″، و”سام 11″، و”ستريلا”.
ووفق “الخارجية” المغربية، فإن مسؤولاً كبيراً في “حزب الله” في سفارة إيران بالجزائر، كان ينسق (بعلم وموافقة طهران) مع مسؤولين في جبهة البوليساريو، لتشكيل قيادة عسكرية، كما سبق لمسؤولين في “حزب الله” أن زاروا مخيمات تندوف (مقر البوليساريو) سنة 2016؛ حيث التقوا هناك قياديين في جبهة البوليساريو.

وقبل هذه القطيعة الدبلوماسية بين البلدَين، مرت العلاقات الثنائية بمراحل الجزر فيها أكثر من المد، والاتهامات أكثر من التفاهم والتعاون، ولم تستقر على وئام إلا نادراً؛ خصوصاً خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، حيث كانت تلك العلاقات دافئة؛ خصوصاً في عهد العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني والشاه محمد رضا بهلوي.
“شهر العسل” بين الرباط وطهران سرعان ما انتهى بعد مجيء الخميني وثورة سنة 1979 التي أسقطت نظام الشاه؛ إذ “انتقم” نظام الخميني من استقبال المغرب بهلوي، بتوجيه الإعلام الرسمي الإيراني نحو دعم أطروحة جبهة البوليساريو، وتم افتتاح “مكتب الجبهة” في طهران، لتتوتر العلاقات الثنائية بشكل لافت، وقرر المغرب قطع العلاقات مع إيران في 30 يناير سنة 1981.
اقرأ أيضاً: عميلة سرية جزائرية وراء قطع العلاقات الإيرانية المغربية
وبعد 10 سنوات كاملة، عاد “دفء حذر” إلى العلاقات الباردة بين المغرب وإيران، من خلال قرار استئناف العلاقات سنة 1991، لكن سرعان مرة أخرى ما تم قطعها في 6 مارس 2009، بعد قرار الرباط دعم مملكة البحرين ضد إيران، ثم في عام 2014 اتفق البلدان على تطبيع العلاقات وتبادل السفراء؛ لكن بحلول مايو 2018 عادت القطيعة من جديد باتهام الرباط لطهران بدعم الانفصاليين بالصحراء.
أدلة ثابتة تورط إيران
يقول الدكتور محمد نشطاوي، الأستاذ بجامعة مراكش مدير مجموعة البحث حول القانون الدولي لحقوق الإنسان، في هذا الصدد: إن المغرب عندما قرر قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران في فاتح مايو 2018، فهو لم يكن متسرعاً أو دون سبب قوي؛ بل كان بناء على معطيات وأدلة تثبت الروابط الوثيقة بين “حزب الله” الشيعي اللبناني -خصوصاً فرعه العسكري- وجبهة البوليساريو الانفصالية.

وواصل نشطاوي، في حديث مع “كيوبوست”: إنه عندما تمت مواجهة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، بكل تلك المعطيات، لم ينكر الأمر، بل تذرع بأن طهران لا تتحكم في جميع أنشطة “حزب الله”؛ لا سيما عندما تم إطلاعه من قِبل وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، على أسماء الدبلوماسيين الإيرانيين في الجزائر العاصمة، المتورطين في التواطؤ مع البوليساريو.
ويكمل الخبير بأن “بدايات هذه العلاقة المشبوهة كانت في نوفمبر 2016 عندما ظهرت في بيروت، تحت رعاية (حزب الله)، لجنة دعم لما يُسمى “الشعب الصحراوي”، ثم تلتها بعد أربعة أشهر من ذلك عملية اعتقال في مطار الدار البيضاء، في عملية عبور بين كوناكري وبيروت، لأحد الممولين الرائدين لـ(حزب الله)، وهو رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، والذي تم ترحيله إلى الولايات المتحدة؛ بسبب مذكرة بحث صادرة في حقه من قِبل السلطات الأمريكية، وهو ما اعتبره (حزب الله) إعلان حرب”.
اقرأ أيضاً: الدور الخفي لإيران في المغرب العربي
وخلال النصف الثاني من شهر مايو، يتابع نشطاوي، تم رصد قيادات من “البوليساريو” في المعقل الشيعي من بيروت الغربية؛ خصوصاً من مصطفى محمد الأمين، ممثل الجبهة في الشرق الأوسط، والمستشار الإعلامي لحريطاني ولد لحسن، مع مسؤولي العمليات الخارجية في “حزب الله”، كما تم رصد وفدَين من الفرع المسلح لـ”حزب الله” في يونيو، وغشت من سنة 2017 في مخيمات تندوف؛ لتدريب مقاتلي “حزب الله” على حرب العصابات في المدن.
وفي أوائل أبريل 2018، وعلى هامش اجتماع عُقد بين المديرين التنفيذيين للجنة “حزب الله” العسكرية، وتلك المسؤولة عن المناطق السبع لمعسكرات تندوف، تم تسليم صواريخ سام 7 و9 و11، وكذلك قاذفات الصواريخ إلى البوليساريو؛ لكن الدليل الذي أقنع المسؤولين المغاربة بتورط إيران في هذه العمليات، تمثل في تورط المسؤول الثاني في السفارة الإيرانية في الجزائر، أمير موسوي، المستشار الثقافي الرسمي، والعضو المهم من “فيلق باسداران” أي (حرس الثورة الإسلامية).

وخلص نشطاوي إلى أن “الرغبة في الانتقام من تسليم قاسم تاج الدين، و(معاقبة) دولة تعتبر رائدة في نشر إسلام معتدل ووسطي، ومحاربة نفوذها على انتشاره في المنطقة، شكلت أحد أهم الأهداف السياسية والجيوسياسية لدعم إيران انفصاليي جبهة البوليساريو ضد استقرار وأمن المغرب”.
علاقات راكدة
من جهته، يقول الدكتور أحمد موسى، أستاذ اللغة الفارسية والباحث المتخصص في الدراسات الإيرانية، إن العلاقات المغربية- الإيرانية شهدت مساراً متذبذباً منذ إطاحة الثورة الإسلامية بنظام الشاه محمد رضا، عام 1979؛ حيث دخلت الدولتان مرحلة القطيعة، واتخذ المغرب، آنذاك، موقفاً اتسم بالجمود تجاه “إيران الثورة”، وتأزمت العلاقة بين البلدين وشابها جفاء عمَّر طويلاً، وهي التي كانت قبل الثورة متميزة، وكانت تربط الراحل الحسن الثاني، بالشاه الإيراني، علاقة صداقة وطيدة.

ويضيف موسى، في حديث مع “كيوبوست”، أنه رغم كون قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1991، شكَّل منعطفاً مهماً في تاريخ العلاقات الثنائية؛ بحيث دشَّنت الدولتان مرحلة جديدة من الانفتاح، بسبب حدوث متغيرات على الساحة الدولية والإقليمية والمحلية؛ فإن هذه العلاقات ظلت تراوح مكانها، ولم ترتقِ إلى ما هو أحسن أو تنعكس بالإيجاب على الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.
ويشرح الباحث سبب هذا المعطى بكون “هذه العلاقات كانت تفتقد أدنى مقومات الاستمرار والرقي؛ نظراً لوقوف كلٍّ من البلدَين على طرفَي نقيض من الآخر في الكثير من القضايا والملفات الإقليمية والدولية؛ ويأتي على رأس ذلك المشروع الإيراني المدمِّر في المنطقة العربية، والمواقف الإيرانية المعادية لجوارها في الخليج العربي؛ لا سيما ضلوع نظام طهران في تقويض الاستقرار وزعزعة الأمن في الكثير من البلدان العربية”.
اقرأ أيضاً: هل ستكون الجزائر بوابة إيران لبسط نفوذها في المغرب العربي؟
ووَفق موسى، “استئناف المغرب علاقاته مع إيران في عام 2015 في عهد الرئيس أحمدي نجاد، بعد قطيعة أخرى دامت ست سنوات، كان خطوة تعبِّر عن حسن نية المغرب واستعداده لطيّ صفحة الماضي”، مبرزاً أن “نجاح هذه الخطوة كان رهيناً بمدى التزام إيران بالإطار الواضح والخطوط الحمراء التي رسمها المغرب، وفي مقدمتها قضية وحدته الترابية وأمنه الروحي”.
وزاد المتحدث بأن خبث نيَّات طهران ثبت بالفعل حين تورطت، عبر يدها وأداتها، “حزب الله”، في تدريب ميليشيا البوليساريو وتزويدها بالسلاح، في سعي منها إلى استهداف أمن المغرب واستقراره، حسب بيان وزارة الخارجية المغربية، في عام 2018؛ ولذلك لم يتوانَ المغرب وبادر إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران.

ويرى موسى أن رفض مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية قيام إيران بتسليح عناصر انفصالية تهدد أمن واستقرار المغرب، يعكس تضامناً عربياً قوياً مع المغرب، كما يندد بشدة بسلوك إيران المزعزع لاستقرار المغرب وبلدان أخرى.
وذهب الخبير إلى أن “المغرب بات في مرمى مكائد (الحرس الثوري)، وأصبحت عناصر (حزب الله) على تخوم المغرب، وبالتالي من المستبعد أن تستعيد العلاقات الثنائية رمقها وتعود إلى سابق عهدها؛ لأن العلاقات بين الدول تُبنى على حسن النية والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وكل هذه الشروط مفقودة في راهن العلاقات المغربية- الإيرانية؛ لذلك علينا أن ننتظر طويلاً حدوث متغيرات كبيرة كفيلة بتحريك المياه الراكدة”.