الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

رغيف الخبز يؤجج الشعب السوداني .. 3 سيناريوهات تنتظر السودان

كيوبوست

الثورات عدوى، ونجاح إحداها في بلد ما كفيل بانتقالها إلى بلد مجاور يعيش على وقْع أحداث مشابهة. في الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي كانت البداية في تونس ثم مصر وليبيا فسوريا. وبغض النظر عن الوضع الذي تأسَّس في أعقاب تلك الثورات، نظرًا لاختلاف المعطيات في كل منها؛ إلا أن الواقع فيها تغيَّر.

بينما الموجة الثانية من ثورات الربيع العربي كانت الجزائر والسودان بطلَيها الكبيرَين؛ الأولى نجحت في إجبار الرئيس بوتفليقة على عدم الترشُّح للرئاسة، ثم الاستقالة، أما الثانية فتعيش الآن فصلًا مختلفًا من التحركات والاحتجاجات؛ للمطالبة باستقالة الرئيس عمر البشير بعد 30 عامًا في الحكم.. فهل ينجح الشعب في كتابة السطر الأخير له؟

كانت بداية الاحتجاجات الشعبية السلمية السودانية ضد نظام البشير قد اندلعت عندما ارتفع سعر رغيف الخبز من جنيه واحد إلى ثلاثة. خرج الطلاب في 19 ديسمبر عام 2018 في مظاهرات عمَّت أرجاء البلاد، احتجاجًا على هذا الارتفاع، ووصول نسبة التضخم إلى 70%.

واجهت شرطة النظام تلك الاحتجاجات بالقوة؛ مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، فكان دور التحركات السياسية بعد فترة خمول؛ إذ أعلنت الجبهة الوطنية للتغيير في السودان، المكونة من 22 جماعة سياسية، أن نظام البشير لا يستطيع التغلُّب على الأزمة بسبب عزلته السياسية والاقتصادية والدولية، وأنه لا سبيل لتغيير الوضع إلا بإقامة نظام سوداني جديد عبر تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات ديمقراطية تحترم الحريات العامة.

إقرأ أيضًا: من يدفع بالبشير لإكمال 35 عامًا في حكم السودان؟

 البشير رد على هذا الحراك الواسع في المجتمع والحياة السياسية في السودان بقرارات متسارعة؛ ظنًّا منه أنه سوف يعالج الأزمة، ففرض حالة الطوارئ، وأقال حكومة الوفاق الوطني، والحكومات الولائية، وقرر تعيين حكومة “كفاءات وطنية”، بل دعا البرلمان السوداني إلى تأجيل النظر في التعديلات الدستورية المقترحة، كما دعا المعارضة إلى حوار شامل على مسافة واحدة مع الجميع؛ إلا أن الشعب السوداني رفض رد فعل البشير.

النقطة المفصلية التي جعلت الشعب السوداني يستكمل مسيرته لإسقاط النظام هي قرار البشير بتفويض صلاحياته كرئيس لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، لنائبه في الحزب أحمد هارون؛ حيث كان من المتوقع أن يكون (هارون) مرشح الحزب خلال انتخابات 2020.

وهارون هو أحد أبرز ناشطي الحركة الإسلامية ومتهم لدى “الجنائية الدولية” بارتكاب جرائم حرب في دارفور، وكان المدعي العام لـ”الجنائية الدولية” مورينو أوكامبو، وجَّه إليه تهمة ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة في الإقليم.

بدأت المسيرات المليونية لإحياء ذكرى انتفاضة أبريل 1985 التي أطاحت بالرئيس الأسبق جعفر نميري، وكذا الاعتصامات في الشوارع؛ لا سيما أمام مقر وزارة الدفاع السودانية. كانت ضربة موجعة لنظام البشير؛ حيث هتف الجميع بإسقاط البشير ونظامه وحزبه الحاكم. حاولت عناصر من قوات الشرطة الدخول إلى الاعتصام وفضّه بالقوة، ولكن تصدَّت لهم قوات الجيش السوداني، وحدث اشتباك بين الطرفَين بالأسلحة الحيَّة، في أول تحرك من الجيش السوداني في الشارع خلال فترة الاحتجاجات.

ونقلت وكالة “رويترز” عن الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، أن نحو 20 شخصًا قُتلوا وأُصيب العشرات في هجمات نُفذت على اعتصام المحتجين ضد البشير أمام وزارة الدفاع في الخرطوم. وأعلن تجمع المهنيين السودانيين الذي يتصدر الاحتجاجات ضد الرئيس عمر البشير أنها “ثورة حتى النصر الذي نراه قريبًا.. وقريبًا جدًّا”؛ داعيًا كل أقاليم البلاد إلى الدخول في اعتصام مشابه ومتزامن مع اعتصام العاصمة أمام مقرات قيادات الجيش “حتى فجر الخلاص وإزالة الكابوس”.

الصادق المهدي

بينما قالت “الوكالة الروسية” إن ما بين 10 و15 عسكريًّا، منهم ضباط، بزيّهم العسكري وبحوزتهم أسلحتهم، قاموا بالانضمام إلى المتظاهرين قرب نفق جامعة الخرطوم، وإلى جوار مباني القيادة الجوية، وهتفوا بإسقاط النظام.

وفي الوقت نفسه، صرَّح عوض محمد أحمد بن عوف، النائب الأول للرئيس السوداني، وزير الدفاع، بأن هناك جهات تحاول استغلال الأوضاع الراهنة لإحداث شرخ في القوات المسلحة وإحداث الفتنة بين مكونات المنظومة الأمنية بالبلاد، مشددًا على أنه لن يتم السماح بذلك، مهما كلف من عنت وضيق وتضحيات، وأن القوات المسلحة السودانية تقدر أسباب الاحتجاجات، وهي ليست ضد تطلعات وطموحات وأماني المواطنين، ولكنها لن تسمح بانزلاق البلاد نحو الفوضى ولن تتسامح مع أي مظهر من مظاهر الانفلات الأمني.

وزير الدفاع السوداني

إقرأ أيضًا: فيديوهات مسربة: تنكيل قوات “التدخل السريع” بالمواطنين في السودان

دور المرأة السودانية في الحراك الشعبي كان مهمًّا ومؤثرًا؛ الأمر الذي سُلَّطت عليه جميع وسائل الإعلام العالمية، إذ سيطرت صورة الناشطة آلاء صالح، التي ترتدي ثوبًا أبيض (التي أطلق عليها “الكنداكة” وهي الملكة النوبية القديمة التي تركت لأحفادها تاريخ نساء حاربن بقوة دفاعًا عن بلدهن وحقوقهن) خلال الاعتصام المتواصل للسودانيين أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم، مرددة هتافات تطالب بالتغيير وهي تغني “شعبي يريد”، فيردد المتظاهرون وراءها: “ثورة.. ثورة”.

آلاء صالح،التي أطلق عليها لقب “الكنداكة” الملكة النوبية

أما رد الفعل العالمي فلم يختلف عن ردود الأفعال تجاه ثورات الربيع العربي، والتي طالبت من قبل باحترام رغبة الشعوب في الانتقال نحو الديمقراطية؛ ففي بيان مشترك نشرته وكالة “رويترز“، أصدرته بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والنرويج، طالب الثلاثي السلطات السودانية بأن ترد على المحتجين وأن تقدم خطة موثوقة للانتقال السياسي؛ وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ووقف استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين، وإزالة جميع القيود المفروضة على الحريات، ورفع حالة الطوارئ، والسماح بحوار سياسي ذي مصداقية.

وفي تعليقه لـ”كيوبوست”، قال الدكتور أيمن شبانة نائب مدير مركز دراسات النيل بجامعة القاهرة والخبير في الشؤون الإفريقية: “إن النظام السوداني كان يراهن على وهن عزيمة المحتجين، وعلى المساعدات الخارجية من حلفائه، وعلى عدم توافق الدول الإقليمية في شأن ترك البشير للسلطة، ولهذا لم يطرح حلولًا حقيقية للمشكلات التي يعانيها الشعب السوداني، وبدأت انشقاقات داخل الحزب الحاكم السوداني في الضغط الشعبي على نظام البشير، وكان سيناريو الجزائر في ذهن المتظاهرين السلميين فرصة لتغيير هذا النظام، وهنا كان السبب الرئيسي في الانتقال من التظاهر إلى الاعتصام، وهي مرحلة اللا عودة في المطالب”.

وأكد شبانة أن عهد عمر البشير قد ولَّى وانتهى؛ لأن هناك بعد عام انتخابات رئاسية، بينما انتهت فرصة تعديل الدستور حتى يبقى في الحكم أكثر من ذلك، ونحن أمام ثلاثة احتمالات خلال الأيام المقبلة؛ الأول هو فضّ الاعتصام بالقوة، وهو احتمال مستبعد؛ لأن الخسائر البشرية ستكون كبيرة، أما الثاني فهو استقالة البشير وتسليم السلطة إلى مجلس عسكري، وهذا الاحتمال هو الأقرب للتنفيذ، في حين يكمن الاحتمال الثالث في سقوط النظام كله، وهذا الاحتمال يعني أن السودان قد يدخل في فوضى كبيرة؛ بسبب الصراعات المحتملة، والأزمة الاقتصادية الشديدة التي تضربه.

إقرأ أيضًا: الحركة الشعبية في السودان: أكثر من ثورة خبز.

أما عن الدور القطري فأوضح الخبير في الشؤون الإفريقية أن الدوحة لا تستطيع مساعدة السودان في المرحلة الحالية؛ لأنه مهما كانت المساعدات المالية التي يقدمها أمير قطر إلى البشير فإنها لن تُغَيِّر من الواقع شيئًا؛ فهناك اعتصامات في الشارع، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن نظام البشير وقواعده تنتمي فكريًّا إلى جماعة الإخوان المسلمين المدعومة من الدوحة وتركيا؛ فإن الجيش السوداني سوف يرضخ في النهاية للشعب.

 

حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة