الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون خليجية

رغم الاحتفاء الدولي.. “أميرة” يثير الغضب في الأردن وفلسطين

انتقادات لطريقة معالجة قضية "النطف المحررة" والمخرج يؤكد أن سبب طريقة الطرح مناقشة "قضية وجودية"

كيوبوست

بعدما حصد إشادات نقدية وثلاث جوائز في النسخة الأخيرة من مهرجان البندقية، أثار الفيلم الأردني “أميرة” حالة من الجدل في أعقاب عرضه بمهرجان كرامة لحقوق الإنسان في الأردن، وسط غضب من عائلات الأسرى تجاه الفيلم، ومطالبات بمنع عرضه دفعت الهيئة الملكية للأفلام بالأردن إلى سحب ترشحه من تمثيل الأردن في جوائز الأوسكار.

تدور أحداث الفيلم حول قضية النطف المحررة من خلال قصة أسير فلسطيني ينجح في تهريب نطفته إلى زوجته التي تنجب ابنتهما “أميرة”، وعندما يقرِّر تكرار نفس الطريقة مرة أخرى للإنجاب، يكتشف أنه عقيم ولا يُنجب، وأن النطفة التي هربت لزوجته هي لضابط إسرائيلي.

أبطال الفيلم في مهرجان الجونة

انتقادات إلكترونية

وعبر وسم “اسحبوا_فيلم_أميرة” سجل آلاف الفلسطينيين معارضتهم للفيلم، مطالبين بمنعه من العرض ومحاسبة القائمين عليه، بوقتٍ شارك في الوسم عدد كبير من الفلسطينيين، بالداخل والخارج، فيما جرى التغريد بالإنجليزية عبر وسم “Pull_Out_Amira”.

وبعد ساعاتٍ من حملة الانتقادات، أعلنت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام؛ الشريك في إنتاج الفيلم، والجهة الرسمية بالأردن المخول لها تقديم الترشح لجوائز الأوسكار، سحب ترشيحها للفيلم، لكن بيان إعلان سحب ترشح الفيلم تضمن تأكيداً على أن العمل “يسلط الضوء على القضية الفلسطينية ومحنة الأسرى ومقاومتهم وتوقهم لحياة كريمة رغم الاحتلال”.

ملصق دعائي للفيلم
حسين الخطيب

بالرغم من أن نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب لم يشاهد الفيلم، بحسب ما أكَّد لـ”كيوبوست”، فإنه يرى في العمل مخالفة لقوانين العمل النقابي، ومناقشة للموضوع بهدف غير بريء وبفلسفةٍ لا تناسب المجتمع، مشيراً إلى أن الفن يحاكي الواقع ولا ينقله، لكن ما حدث في الفيلم لم يسلط الضوء على الأسير الذي يعتبر محور العمل بشكل رئيسي، ولا نضاله، وبدلاً من أن يتم تسليط الضوء على معاناة الأسرى في السجون الإسرائيلية، جرى طرح الموضوع بشكل غير بريء، ويغضب الأسرى وأسرهم.

يؤكد حسين الخطيب أن الفيلم ليس أردنياً، ولكنه إنتاج مشترك بين عدة دول؛ منها الأردن، مؤكداً أن الهيئة الملكية للأفلام لم تدقق في هذا الموضوع عندما دعمت الفيلم إنتاجياً، لافتاً إلى أن هناك قراراً نقابياً بعدم التطبيع مهما كانت الأسباب، وجميع الفنانين ملتزمون به.

اقرأ أيضًا: هناء العمير لـ”كيوبوست”: السينما السعودية تثير فضول العالم

احتفاء مسبق

محمود الخطيب

الاحتفاء بالفيلم قبل عرضه أمام الجمهور له عدة أسباب، من وجهة نظر الناقد والكاتب الأردني محمود الخطيب الذي يقول لـ”كيوبوست” إن الفيلم عندما روِّج له تركزت الدعاية على كونه يحتفي بقضية الأسرى الفلسطينيين، بالإضافة إلى أن بطلته صبا مبارك معروفة بأدوارها التي تدافع فيها عن القضية الفلسطينية، ولها أعمال عديدة حصدت عنها جوائز من قبل.

وأضاف: عندما عُرض الفيلم للمرة الأولى في الأردن كان هناك اهتمام بالعمل الذي رشح من الأردن قبلها بأيام ليمثلها في الأوسكار، لكن بعد مشاهدته تغير الوضع بشكل كامل؛ لأن الفيلم به تشويه كامل للحقائق بشكل قد يكون غير مقصود لقضية الأسرى في السجون الإسرائيلية.

طارق الشناوي

جرى التعامل مع الفيلم بحساسيةٍ شديدة، بحسب الناقد طارق الشناوي الذي يقول لـ”كيوبوست” إن وقائع عملية تهريب النطف من السجون الإسرائيلية موجودة ومسجلة بالفعل، وهناك فيلم تسجيلي شاهده من قبل تناول هذا الأمر، مشيراً إلى أن المشكلة حدثت بسبب الأجزاء التخيلية التي قدمها المخرج محمد دياب، والإضافات غير الموجودة في الواقع، وهو ما حرص على تأكيده في نهاية الفيلم.

وأضاف أن مسألة تهريب النطف من السجون يُنظر إليها باعتبارها نوعاً من المقاومة، وفي الوقت الذي قوبل فيه الفيلم بترحابٍ شديد عند عرضه في فينيسا، ثم الجونة وقرطاج، فإنه قوبل بحساسية شديدة عند عرضه في الأردن، لافتاً إلى أن حالة الغضب التي حدثت تم التعامل معها بطريقة السعي لإطفاء النيران، وبالتالي تقرر سحب ترشيحه للأوسكار سريعاً.

مشهد من الفيلم

وقالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن الأردن “خضعت” لضغوط الجماعات الفلسطينية المطالبة بمنع عرض الفيلم، بوقتٍ تحدثت فيه عن تحرك مشترك بين وزير الثقافة الفلسطيني، ونظيره الأردني، لمنع الفيلم من العرض داخل وخارج الأردن، فيما نُقلت تصريحات إذاعية للسيدة سناء دقة؛ زوجة الأسير الفلسطيني وليد الدقة، والتي أنجبت عن طريق “النطف المحررة” تحمل انتقادها للفيلم، ومشاركة فنانين عرب فيه، مؤكدة أنها على استعداد لأن تكون قصتها هي وزوجها فيلماً سينمائياً، لكن لا أحد سيرغب في تمويل فيلم يتحدث عن الحقائق من وجهة نظرها.

إبراهيم العريس

يرى الناقد إبراهيم العريس أن الفيلم “متهافت” و”غير متماسك” من الناحية الفنية؛ وهو الانطباع الذي وصله عندما شاهده للمرة الأولى في مهرجان الجونة، مشيراً إلى أن من حق أي بلد أن يسحب الفيلم الذي قام بترشيحه للأوسكار من دون أن يعطي أي مبررات عن أسباب السحب.

وفسرت الهيئة الملكية للأفلام قرارها بسحب ترشح الفيلم بأنه جاء في “ظلّ الجدل الكبير الذي أثاره وتفسيره من طرف البعض بأنه يمسّ بالقضية الفلسطينية، واحتراماً لمشاعر الأسرى وعائلاتهم”.

ينتقد محمود الخطيب موقف الهيئة الملكية للأفلام، ويصفه بـ”الضعيف” بعدما أكدوا أن دورهم يقتصر على ترشيحات الأفلام بعد استلامها من قبل اللجنة، مشيراً إلى أن الهيئة لو كان لديها أسباب حقيقية وفنية واقعية تستطيع من خلالها الدفاع عن موقفها لما تراجعت عن سحب الفيلم من ترشيحات الأوسكار.

اقرأ أيضًا: مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي 78.. نتفليكس تنتصر مرة أخرى

يشير محمود الخطيب إلى أن أميرة عمرها 18 عاماً، وعمر “النطف المحررة” 10 سنوات فقط، حيث تم هذا الموضوع 96 مرة وجرى التأكد منها بنسبة 100% لافتاً إلى أنه بالرغم من الفارق العمري بين بداية “النطف المحررة” وبطلة العمل لكن طرح الأمر بهذه الطريقة يدخل الشك للأسرى وعائلاتهم، وكل من دافعوا عن القضية بالأردن وفلسطين.

وأضاف أن أحداث الفيلم تضمنت “إساءات للأسرى وعائلاتهم” خاصة عندما اكتشفوا أن الأسير عقيم وشكوا في زوجته، وما إذ كانت قد قامت بخيانته أم لا، وهو أمر يسيء للأسرى، مؤكداً أن دفاع المخرج عن العمل باعتباره خيالياً، وبه أحداث ليست واقعية استخدمت داخل القصة، أمر يمكن تقبله في القصص العادية، وليس في القصص المهمة ذات الأبعاد السياسية، ومن هنا يمكن تفهم الانتقادات العنيفة التي وجهت للفيلم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضًا: أفضل 50 فيلماً على “نتفليكس” (1- 2)

ينتقد نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب تبرير أسرة الفيلم بالفارق العمري بين بطلة العمل وأول طفلة أنجبت بهذه الطريقة، مشيراً إلى أنه كان يتمنى أن لا تقع صبا مبارك في هذا الخطأ بالاشتراك في العمل.

وأضاف أن العمل لا يليق بـ”نضال الشعب الفلسطيني”، والخيال الذي استخدمه المخرج لا يمكن أن ينطوي على قضية شديدة الحساسية مثل هذه القضية، لافتاً إلى أن العمل أظهر إسرائيل وكأنها تخترق كل شيء.

أبطال الفيلم في مهرجان فينسيا – أرشيف

حساسية شديدة

وقال موقع فاريتي، المتخصص في أخبار السينما العالمية، إن عائلات الأسرى الفلسطينيين والمنظمات المنخرطة في الدفاع عن حقوقهم ينتقدون الفيلم لكونه ناقش قضية حساسة بشكلٍ “يشوه محنتهم”، مع الإشارة إلى أن الفيلم تم سحبه من قبل المنتجين من مهرجان البحر الأحمر، بعدما كان من المقرر أن يعرض يوم الخميس الماضي.

يقول إبراهيم العريس إنه يرفض منع عرض الفيلم مهما يكن في الوطن العربي؛ لكونه ضد المنع بشكل عام، بالإضافة إلى أن هذا المنع سيصب في النهاية في صالح المنتج الذي ستتوفر له دعاية مجانية تعطيه صورة الضحية أمام الأفراد.

مخرج الفيلم محمد دياب أصدر بياناً أكد فيه تفهم فريق العمل لحساسية قضية “تهريب النطف وقدسية أطفال الحرية”، مشيراً إلى أن هذا الأمر كان السبب في اتخاذهم قراراً بأن قصة الفيلم خيالية، ولا يمكن أن تحدث، والتأكيد على أن كل الأطفال تم التأكد من نسبهم في الوقت الذي تظلُّ فيه طرق التهريب غامضة.

الملصق الدعائي للفيلم

ودافع دياب عن حبكة الفيلم قائلاً إن “اختيار الحبكة الدرامية الخاصة بتغيير النطف جاء ليطرح سؤالاً وجودياً فلسفياً حول جوهر معتقد الانسان وهل سيختار نفس اختياراته لو ولد كشخص آخر”، مشيراً إلى أن الفيلم ينحاز لفلسطين، فالبطلة أميرة تختار أن تكون فلسطينية وتختار أن تنحاز للقضية العادلة.

يؤكد طارق الشناوي أن فيلم “أميرة” لا يسيء إلى الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، لكنه لا يحقق كل الطموح الفلسطيني، مشيراً إلى أن الفيلم ربما كان به حسابات سياسية خاصة في مشهد النهاية، بحيث لا تصل لذروة العاطفة عند المتفرج مرجحاً أن يكون انتقاد الفيلم جاء من الصدمة العاطفية التي تحدثها نهايته.

تمتلك نقابة الفنانين في الأردن صلاحية توقيع عقوباتٍ بحسب حسين الخطيب، تتدرج من لفت النظر إلى الفصل بموجب القانون، حيث يحدد القانون آلية المحاسبة في مثل هذه المواقف، بأن يكون هناك تقرير من ثلاثة أشخاص شاهدوا الفيلم يصل للنقابة التي تقوم بدورها بإحالته إلى لجنة تحقيقٍ تقدِّم توصياتٍ، ويقرِّر بعدها مجلس النقابة قراراته النهائية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات