الواجهة الرئيسيةمقالات

رسائل محمد بن سلمان في “60 دقيقة”

كيوبوست

كامل الخطي

انتظر العالم تليفزيون “سي بي إس” بفارغ الصبر ليبثّ عليه الحوار التليفزيوني الذي أجرته نورا أودونيل، مع ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، لصالح البرنامج التليفزيوني الشهير “٦٠ دقيقة”. سُجِّل الحوار قبل أيام من بثِّه، وبعد أيام قليلة من تعرُّض بعض منشآت صناعة النفط في المملكة إلى عدوان إيراني بالصواريخ والطائرات المسيَّرة؛ مما نتج عنه انخفاض قدرة المملكة التصديرية لمادة النفط الخام بنسبة ٥٠٪ ونقص إمدادات النفط العالمية بنسبة ٥.٥٪.

إلى جانب كون المملكة العربية السعودية أكبر مُصَدِّر للنفط الخام في العالم، فالمملكة تحتل نسبة ٦٥٪ من إجمالي مساحة شبه الجزيرة العربية، ويوجد على ترابها الحرمان الشريفان، وهي بذلك قبلة قرابة مليارَي مسلم، ومهبط الوحي، ومنطلق رسالة الإسلام إلى البشرية كافة؛ كما أن عرب شبه الجزيرة قد انطلقوا برسالة الإسلام إلى خارج منطقة شبه الجزيرة، وأسسوا الإمبراطورية العربية الإسلامية، وسَطَّر لهم التاريخ صفحات من نور. إذن فالمملكة لها قيمتها المعنوية الفريدة عند العرب والمسلمين قبل أن تكون قوة اقتصادية عالمية بفضل الثروة النفطية التي حباها الله بها. يُضاف إلى العناصر المذكورة، عنصر الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به المملكة؛ فالمملكة تتمتع بموقع جغرافي نموذجي للربط بين مشرق كوكب الأرض ومغربه. كل هذه العناصر متضافرة معها ظروف سياسية راهنة، جعلت العالم أجمع يتطلع إلى بثّ حلقة البرنامج التي استضافت سمو ولي العهد السعودي.

اقرأ أيضًا: الصحف العالمية تهتم بحديث محمد بن سلمان إلى تليفزيون “CBS”

ردود تفصيلية واثقة

لبَّى حضور ولي العهد السعودي آمال محبيه، وبعث فيهم الطمأنينة بحُسن استماعه إلى أسئلة محاورته التي حوت قدرًا وافرًا من الاستفزاز الذي خاب؛ بسبب هدوء ورباطة جأش ولي العهد، ثم ردوده التفصيلية والواثقة على الأسئلة بصرف النظر عن المستفز منها وغير المستفز.

الأمير محمد بن سلمان ومقدمة البرنامج نورا أودونيل أثناء اللقاء

سألت المذيعة ولي العهد إن كان هو مَن أصدر أمر قتل جمال خاشقجي، فأجاب بالنفي، وأضاف أنه يتحمَّل كامل المسؤولية عن الجريمة البشعة؛ فالجريمة ارتُكبت في ولايته، ومرتكبوها يعملون للحكومة السعودية، والضحية مواطن سعودي، وأن عليه كقائد أن يعمل ما يلزم؛ لكي لا يتكرر مثل هذه الجريمة مستقبلًا.

لفت انتباهي في الأسئلة كون بعضها داخلًا في ما عرَّفته “مجموعة الدراسات الأمنية الأمريكية” بـ”عملية المعلومات” في ما يتعلق بجريمة قتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي؛ حيث أشارت المذيعة إلى تقرير صادر عن وكالة المخابرات المركزية يتهم ولي العهد السعودي بصفته الآمر بعملية قتل جمال خاشقجي، وعندما رد عليها ولي العهد بالقول إنه لم ينم إلى علمه أن جهةً رسمية في الولايات المتحدة قد اتهمته بالتورط المباشر في الجريمة. استدركت المذيعة بالقول إن التقرير قد وُزِّع على نطاق ضيق. لكن ولي العهد أجابها بثقة بطلبه الإعلان عن التقرير إذا كان له وجود.

جمال خاشقجي

تكرر ذكر هذا التقرير في عديد من وسائل الإعلام العالمية، وعندما بحثت عن طبيعته، وجدت أن التقرير المذكور تصفه الدوائر الرسمية الأمريكية بـ”التقييم”؛ ما يعني أنه ليس تقريرًا استخباراتيًّا مُدعمًا بالأدلة والبراهين، ولا يعدو كونه قائمًا على الشكوك من قبيل “أيُعقل أن العملية تمت دون علم ولي العهد بها رغم أن بعض المشاركين فيها كانوا ضمن فريق حمايته الشخصية؟”، ومن قبيل “أن المستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني، كان ضمن أفراد الدائرة الضيقة لولي العهد”.

شكوك وألفاظ مكررة

ما زالت الشكوك ذاتها تتردد بذات ألفاظها ومفرداتها التي صيغت منها أول مرَّة، ولم يستجد عليها أمر جديد يستوجب إعادة الحادثة إلى واجهة الأخبار العالمية إلا لاستكمال العمل على تلطيخ سُمعة السعودية وسُمعة ولي عهدها الذي يقود مشروع التغيير الشامل الهادف إلى السير بالمملكة نحو مستقبل يَعِد بالأفضل.

الفنانة السورية أصالة نصري خلال حفلها الأخير بالسعودية

نقل كثير من وسائل الإعلام التقرير الذي نشرته “رويترز” عن المقابلة؛ بما فيها موقع “الجزيرة” الإنجليزية، ولكن “الجزيرة” أضافت حديثًا عديم القيمة قالته خديجة جنكيز، التي عرفها العالم بصفتها خطيبة جمال خاشقجي؛ حيث نقلت “الجزيرة” عن خديجة جنكيز قولها: “إن حديث ولي العهد السعودي مجرد مناورة سياسية، وإنه يريد إرسال رسالة إلى العالم يقول فيها إنه أقوى من الملك”، ونشرت “الجزيرة” أيضًا ضمن تقريرها عن الحلقة كلامًا قاله ضيفها الدائم خليل جهشان؛ حيث قال: “إن حديث ولي العهد جيد على صعيد العلاقات العامة”. لكن كلام جهشان الذي أعقب هذا الكلام لم يتعدَّ الشكوك المتكررة لفظًا ومعنًى التي أشرت إليها في الأعلى.

توصيات تحريضية

لم تغفل وسائل الإعلام عن التذكير بتقرير الناشطة في مجال حقوق الإنسان الفرنسية أغنيس كالامارد، التي تعمل مقررة في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان؛ لأن تقرير كالامارد عبارة عن توصيات تحريضية ضد المملكة العربية السعودية، وضد ولي العهد شخصيًّا؛ فقد أوصت كالامارد، في تقريرها المذكور، بإلغاء قمة العشرين المقرر انعقادها عام ٢٠٢٠ في السعودية، وأوصت بالتحقيق مع ولي العهد؛ بل وحاولت العمل على انتهاك السيادة السعودية باقتراحها تولِّي أجهزة أمن واستخبارات غربية التحقيق في قضية مقتل جمال خاشقجي. اعتمادًا على نفس المنطق الذي اعتمدت عليه أغنيس كالامارد للنيل من المملكة ومن ولي عهد المملكة، يمكن اتهامها بأنها عميلة تركية؛ لأنها سبق أن درست في جامعة بشكنت في تركيا وحصلت منها على درجة الماجستيرعام ١٩٩٥، وهي الفترة الزمنية التي شهدت بداية صعود مشروع حزب العدالة والتنمية في السياسة التركية؛ فخلال الفترة التي درست فيها كالامارد في تركيا، كان رجب طيب أردوغان رئيسًا لبلدية إسطنبول!

اقرأ أيضًا: 10 وسائل إعلام دولية: الحملة ضد الأمير ابن سلمان ستزيده قوة.. لهذه الأسباب.

لم يكن بودِّي إعادة التوقف عند محاولات النيل من سمعة ومكانة المملكة؛ لكن تلك المحاولات تعاود الإطلال برأسها بين فترة وأخرى رغم افتقارها إلى أي جديد، وصدها واجب، والحديث عن الحلف الذي يستهدف السعودية هو ذاته لم يتغيَّر؛ فقوى الإسلام الحركي بكل مذهبياتها، وقطر، وإيران، وتركيا، وقوى الليبرالية الكلاسيكية الغربية، وبعض فلول اليسار واليسار الجديد.. جميعها تسعى جاهدة لتقويض مكانة المملكة وزعزعتها. يجمع بين أطراف هذا الحلف هدف واحد، وقد يختلف أطراف الحلف في الدوافع والمبررات. يُشَكِّل اختلاف الدوافع والمبررات فرصةً لتقويض هذا الحلف والتعامل مع أطرافه؛ كل طرف على حدة، فتقوية المجتمع المدني وترسيخ الهوية الوطنية ونشر قيم التعايش والانفتاح، كفيلة برد غائلة الإسلام الحركي، وهذا ما تعمل عليه المملكة العربية السعودية حاليًّا.

خامنئي وروحاني

كما قال ولي العهد في عدد من التصريحات السابقة لوسائل الإعلام، وأعاد تأكيده في برنامج “٦٠ دقيقة”: “ردع سلوك إيران العدواني مسؤولية العالم؛ لأن استهداف إيران لمنشآت صناعة النفط السعودية استهداف للاقتصاد العالمي، وعلى الولايات المتحدة عقد اتفاق جديد مع إيران يُجَنِّب المنطقة احتمالية حدوث مواجهات عسكرية مفتوحة؛ فالمواجهة العسكرية بين إيران والسعودية ستصيب الاقتصاد العالمي في مقتل، وسيشهد العالم ارتفاعًا في أسعار النفط أعظم مما يمكن تصوره”.

آثار الانفجار في تفجير مصافي بقيق

صقر السعودية

يضع الإعلام الغربي منذ عام ٢٠١٥ ولي العهد السعودي في صورة الرجل الذي أخذ بالسعودية منحًى صقوريًّا، وأنه رجل حرب؛ لكن ولي العهد قال بصراحة إن أولوية الحل السياسي تفوق أولوية الحل العسكري حتى مع إيران، وكذلك الحال مع جماعة الحوثي؛ فقد ذكر الأمير محمد أن السعودية تسعى لإجراء حوار سياسي جاد، وأن نجاح المسعى مرهون بتوقف إيران عن دعم جماعة الحوثي. بكلام آخر: رد ظهور ولي العهد على الذين يروجون صورة عنه تخالف طموحاته وآماله؛ فطموحات الرجل تتمحور حول السلام والبناء والنمو الاقتصادي والارتفاع بجودة الحياة على الأصعدة كافة.

السؤال عن السيدات الموقوفات كان متوقعًا، لكن صراحة ولي العهد ربما لم تكن المذيعة تتوقعها؛ حيث لم يؤكد ولم ينكر تعرُّض بعض الموقوفات إلى سوء معاملة، ووعد بمتابعة الموضوع شخصيًّا، وفي الوقت نفسه قال للمذيعة إن السيدات الموقوفات يخضعن لنظام معمول به ويجب احترامه إلى أن يتم إصلاحه. وأضاف أنه قد لا يتفق مع بعض الأنظمة؛ لكنه حريص على احترامها ما دامت سارية، وأعاد تأكيد ضرورة احترام الأنظمة عندما سألته المذيعة: “ألم يحن الوقت لإطلاق سراح لجين الهذلول؟”؛ إذ أجابها ولي العهد بأن “الأمر ليس بيدي، وإنما بيد سلطة قضائية مستقلة”.

لجين الهذلول

يمكن هنا القول إن نورا أودونيل قد أتت بتصوُّر مسبق بأن رجلًا يتمتع بكل هذه السلطة في ظل نظام حكم ملكي مطلق، ليس عليه سوى أن يصدر أوامره فتُطاع؛ لكنها وجدت واقعًا يخالف تصورها المسبق، فالرجل الذي يشغل المكان الثاني في هرمية السلطة في السعودية، يحيلها إلى الأنظمة ويؤكد لها أن احترام الأنظمة السارية في المملكة، يبدأ منه.

رسائل إلى العالم

في المجمل، أرسل ولي عهد المملكة العربية السعودية سمو الأمير محمد بن سلمان، مجموعة من الرسائل إلى العالم؛ منها أنه رجل نماء وبناء بقدر ما هو رجل حزم وعزم، وأن المملكة ستشهد إصلاحات ستطول الأنظمة المعمول بها، وأن جريمة مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، جريمة بشعة، وسيقدم مَن يثبت ضلوعه في ارتكابها إلى المحاكمة؛ لينال ما يستحقه من عقاب، ولن يستثنى مَن يثبت عليه الذنب مهما كانت رتبته أو درجته أو مكانته. كما وضع ولي العهد العالم بأكمله أمام مسؤوليته عن تأمين سلامة إمدادات النفط، وقال إن على العالم أن يجتمع لردع إيران، مع تفضيل الحل السياسي الرادع على الحل العسكري؛ تقديرًا منه للمصلحة الاقتصادية العالمية.

اقرأ أيضًا: واشنطن تايمز: الدعاية الإيرانية تستهدف الأمير محمد بن سلمان بالشائعات.

ثبات ووقار

أرى أنه رغم وضوح وصراحة إجابات ولي العهد عن كل الأسئلة التي وجِّهت إليه، وكل النقاط التي طُرحت بين يدَيه للتعليق عليها، فاستجاب بكل ثبات ووقار ووضوح، ولم يمتنع أو يتهرب من أي موضوع من الموضوعات التي أُثيرت في حضوره؛ فإن كارهي السعودية سيعودون بذات الموضوعات مرارًا وتكرارًا كل فترة وأخرى، وسيتحيَّن بعضهم الفرصة لكي يأتي بجديد يسائل به المملكة عن شأنها الداخلي؛ لكني أرى أيضًا أن السعودية الواثقة والشفافة والمنفتحة على العالم ستكون دائمًا على الموعد لمواجهة التحديات القديم منها وما قد يُستجد.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة