الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

رحيل فاروق الفيشاوي.. جزء آخر من الزمن الجميل يرحل

بدأ التمثيل بدور "أحمد عرابي" على المسرح.. وأنهى مسيرته بشخصية "الدوق جلوستر" في "الملك لير"

كيوبوست

لم تكن رحلة مرض الفنان فاروق الفيشاوي (5 فبراير 1949- 25 يوليو 2019) مع السرطان سهلة، أقل من عام فصل بين اكتشافه الإصابة بالمرض اللعين الذي استقبله بابتسامة وقرر مقاومته حتى النفس الأخير بحياته والأزمة الصحية التي أودت بحياته في ساعة مبكرة من فجر اليوم.

عاش الفيشاوي حياته بشكل اعتيادي مع جرعات العلاج، متنقلًا بين ممارسة الرياضة والوقوف على خشبة المسرح؛ حيث شارك في العرض المسرحي “الملك لير” قبل أن يعتذر عنه قبل أسبوعين فقط بسبب اشتداد المرض ودخوله المستشفى لتلقِّي العلاج.

 “مَن لم يمُت بالسرطان مات بغيره، الموت علينا حق”، جملة قالها الفيشاوي خلال ظهوره مع الإعلامية منى الشاذلي في برنامج “معكم”.. فضَّل فاروق الفيشاوي أن يصارح الجمهور بطبيعة مرضه عقب أيام فقط من معرفته، فاجأ الحضور في حفل افتتاح النسخة الأخيرة من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر المتوسط بإعلان إصابته بالسرطان عقب تسلُّم تكريم عن مسيرته الفنية، إعلان عبَّر فيه عن قوته الشخصية في مواجهة المرض، وإصراره على العلاج.

شاهد: لحظة إعلان فاروق الفيشاوي عن مرضه

خلال حفل تكريمه في مهرجان الإسكندرية بدورته الماضية- أرشيف

لم يسمح الفيشاوي للمرض أن يبعده عن المسرح؛ فكان يوجد في البروفات اليومية لمسرحية “الملك لير” خلال فترة التحضير؛ ليعمل أكثر من 10 ساعات متواصلة في بروفات دور “الدوق جلوستر”، التي حصد عنها إشادات نقدية عديدة.

ولد فاروق الفيشاوي لأسرة صعيدية، وتحديدًا من مركز مطاي بمحافظة المنيا، فوالده مهندس زراعي، ووالدته كانت ربة منزل، وكان عمره 3 سنوات فقط عندما قررت الأسرة الانتقال إلى القاهرة لتقيم بحي شبرا، ليعيش طفولته متنقلًا بين المنيا والقاهرة التي درس في مدارسها.

لم يكن بعائلة الفيشاوي أي اتجاهات فنية، فتربَّى وسط 5 أشقاء هو سادسهم، بفارق عمري كبير بينهم؛ لدرجة أن سبوع فاروق الفيشاوي كان في نفس يوم إنجاب زوجة أخيه الأكبر الحاج رشاد، لابنته هدى، بينما تولَّى الحاج رشاد تربيته بعد وفاة والده وهو في عمر الحادية عشرة بجانب والدته التي ترتبط به بشدة.

مع رفيقة عمره.. سمية الألفي

اهتم فاروق الفيشاوي بالمسرح المدرسي منذ طفولته، وكانت أول أدواره شخصية الزعيم أحمد عرابي، كان وقتها في الصف الرابع الابتدائي طفلًا قصيرًا ولا يكاد يظهر على المسرح، لدرجة أن أسرته جاءت لتشاهده وحاولت البحث عن أية علامة لكي تراه؛ بسبب ضآلة جسده.

التحق الفيشاوي بكلية الآداب جامعة عين شمس؛ بهدف التخصص في اللغة الإنجليزية؛ لكنه تأخَّر في التسجيل لمدة أسبوعين، ليجد قسم اللغة الإنجليزية أغلق أبوابه؛ ما اضطره إلى الالتحاق بقسم لغات شرقية ويتخصص في اللغة التركية.

مع أحمد الفيشاوي وسمية الألفي

رغم الجراءة التي يراها البعض صفةً لازمت الفيشاوي؛ فإنه عاش طفولته منطويًا على نفسه وخجولًا إلى حد كبير؛ بل وإلى حد الانطواء، ولم تفارقه تلك الصفة إلا في المرحلة الثانوية، فمنذ طفولته بين أفراد أسرته كان مشبعًا بالحنان والحب والرعاية والدفء الأسري الذي كان يصله من والده ووالدته وأخواته؛ مما دفعه إلى النجاح والسعادة في حياته الدراسية والعملية.

ما يتذكره فاروق عن والده هو تدليله له باعتباره أصغر الأولاد؛ فكان مدللًا تدليلًا سبَّب له مشكلات في حياته، فكان يلبِّى له أي طلبات في الدنيا، حتى والدته وشقيقاته استمررن بعد رحيله في تدليله؛ مما تسبب له في مشكلة يقول عنها: “أنا مثلًا لا أفتح الثلاجة لأشرب كوب ماء، أما أن أعمل شاي فهذا من رابع المستحيلات، والغريب أن تلك الأشياء أتعبتني ولم تتعب مَن يحيطون بي؛ لأنهم كانوا يؤدون ذلك بكل حب ودون أن أطلب”.

اقرأ أيضًا: رحيل عزت أبو عوف.. “ميموزا” الطبيب الذي فضَّل الموسيقى على الطب

استمرت هواية الفيشاوي بالتمثيل خلال مراحل التعليم؛ لكنه لم يكن مستقرًّا على قرار بشأن مستقبله، إلى أن التحق بالجامعة، واقترب أكثر من مرحلة النضج الفكري والنفسي، وأصبح عضوًا في فريق المسرح من أول يوم في السنة الثانية بالكلية؛ حيث شارك مع الكلية في مسرحية “المصيدة” التي شاهدها الفنان عبد الرحيم الزرقاني عضو لجنة التحكيم، وبعد انتهاء العرض طلب منه الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، قائلًا له: “أنت لا تصلح لشيء آخر في هذه الدنيا غير التمثيل”.

مع عادل إمام في لقطة من فيام المشبوه

كانت هذه المقولة سبب اتجاه الفيشاوي إلى التمثيل، وقرر الالتحاق فعلًا بمعهد الفنون المسرحية، وكانت القوانين، آنذاك، تسمح للطالب بالجمع بين دراستَين؛ لهذا لم يترك الجامعة تمامًا، فقد كان متخوفًا إلى حد ما من مستقبل الفن.

اجتاز الفيشاوي اختبار القبول بالمعهد من أول مرة، وقدم مشهدَين؛ الأول من مسرحية “الفرافير” ليوسف إدريس، والثاني من إحدى مسرحيات صموئيل بيكيت بمعاونة أحد أصدقائه من هواة الإخراج المسرحي.

مع يحيى الفخراني في مسرحية الملك لير

بمرور الوقت، بدأ اهتمامه يقل بالجامعة؛ حيث تركز كل تفكيره واندماجه في المعهد وفي قراءة تاريخ المسرحَين المصري والعالمي، بحيث أصبحت هذه الثقافة كل اهتماماته، وقدَّم عدة اعتذارات عن امتحانات الجامعة؛ حتي تركها نهائيًّا وتفرَّغ لدراسة الفن.

تفهَّمت عائلته الموقف ولم تعترض على قراره، فعلى الرغم من أن والده توفي وهو في الحادية عشرة من عمره؛ فإن والدته ربَّته هو وإخوته على الحرية في اتخاذ القرار وتحمل مسؤوليته ما دام القرار سليمًا، وتحرك داخل هذا الإطار من الحرية، وكان مقتنعًا تمام الاقتناع بالخطوة المهمة التي غيَّرت مسار حياته بالكامل.

تخرَّج الفيشاوي في معهد الفنون المسرحية عام 1975، وبعد التخرج أُصيب بإحباط شديد، وعاش فترة معاناة قاسية بحثًا عمن يمد يد العون إليه. وفي النهاية اضطر إلى قبول الظهور في إعلان؛ حتى ينتبه أي مخرج إليه، ودون جدوى أيضًا، إلى أن جاء الحظ وقدم دور الشيطان في مسرحية “قابيل وهابيل”، ومنها اكتشفه نور الدمرداش وقدَّمه في مسلسل “على باب زويلة”.

مع أحمد الفيشاوي طفلا و سمية الألفي

أول عمل مسرحي قدَّمه كمحترف كان مسرحية “الحب بعد المداولة” على مسرح الطليعة، بينما كانت البطولة الأولى مسرحية على خشبة المسرح القومي هي “طائر البحر” التي قدمها مع عبد الرحيم الزرقاني، والتي تعثَّر خروجها إلى النور ثلاث سنوات، لينطلق عرضها عام 1979.

في طفولته عاش فاروق الفيشاوي حبًّا أفلاطونيًّا مع زميلة له بمدرسة البنات المجاورة لمدرسته في شبرا، وقتها كان لا يزال عمره 12 عامًا؛ لكن هذه القصة انتهت بعدما علم بانتحار صديق صديقه ثروت بعدما تركته حبيبته؛ فكانت أول صدمة يتعرض لها في حياته وكان قراره راجعًا إلى كون الفتاة التي سبب انتحار زميلهم هي شقيقة الفتاة التي يحبها، فلم يقبل أن يستمر حبّه لها.

تركت هذه القصة أثرًا مؤلمًا في حياة الفيشاوي العاطفية، حتى بعدما تخطى مرحلة المراهقة؛ فكان يطارده طيف الحادثة ويقلب عليه الأحزان، لذلك كانت علاقاته التالية عادية بلا عواطف ملتهبة، إلى أن عاش قصة حبه مع زوجته الأولى الفنانة سمية الألفي، التي قال عنها: “عشت أجمل أيام عمرنا سواء قبل الزواج أو بعده، وعلى مدى عمر هذا الحب لم يخمد الحب في قلبي لحظة واحدة، وأحفظ لها جميل الكفاح والوقوف بجانبي منذ بداية الطريق”.

يرى الفيشاوي أن خيبة الأمل الكبرى التي تعرَّض لها كانت اعتراض النقاد على دوره في فيلم “الباطنية” رغم تقدير الجمهور، ورغم أداء الدور بشكل جيد من الناحية الفنية، في الوقت الذي كانت الإشادة فيه من نصيب باقي أبطال الفيلم، بينما أفضل خبر سمعه كان الفوز بجائزة أفضل ممثل من جمعية كتاب ونقاد السينما عن دوره في فيلم “المشبوه” الذي شارك فيه مع عادل إمام وسعاد حسني.

عن مدى اهتمامه بصحته قبل اكتشاف إصابته بالمرض اللعين، يقول الفيشاوي في كتاب “أوراق شخصية” الصادر بمناسبة تكريمه من مهرجان الإسكندرية: “للأسف نحن نهمل صحتنا إذا شعرنا بألم في جسدنا، وبالتالي يتفاقم الألم، ونرجع نقول يا ريتنا عرفنا دواء لهذا الألم قبل ما يتفاقم ولم نعُد نتحمَّل”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات