الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
رئيس الوزراء البريطاني يكتب: نحن بحاجة إلى معالجة الحاضر وليس إعادة كتابة الماضي

كيوبوست – ترجمات
بوريس جونسون
كان من السخف المطلق أن يجتمع عدد كبير من البلطجية اليمينيين المتطرفين والشباب المولع بإثارة المشكلات في لندن، نهاية هذا الأسبوع، في مهمة لحماية تمثال ونستون تشرشل. وكان يجب القبض على عدد كبير من هؤلاء الذين كانوا عنيفين وعدوانيين تجاه الشرطة، فضلاً عن أنهم كانوا عنصريين بامتياز. فلا يوجد شيء يمكنه تبرير سلوكهم.
ومع ذلك، فقد كان من السخف أيضاً، وبصراحة، أن يكون تمثال ونستون تشرشل معرضاً بأية حال إلى خطر الهجوم. وإنه لمن المشين أن يمكن لأي شخص أن يدَّعي حاجة التمثال إلى الحماية؛ بل إنه من المؤسف، وما زال، رؤية التمثال مدفوناً تحت غطائه الواقي.
اقرأ أيضاً: حكومة جونسون تستطيع الآن مكافحة التطرف بحرية
صحيح أنه تمت تغطية التمثال عدة مرات من قبل، تحسباً للمشكلات، بعد التشاور مع مكتب العمدة وهيئة التراث الإنجليزي؛ لأن الشرطة تعتقد أن هذا هو الأكثر أماناً وأبسط شيء يمكن القيام به للحماية. لكن الكثير من الناس سينظرون إلى هذه الصورة ويشعرون بالحيرة. لماذا يُهاجم تشرشل؟ وما الذي وصل إليه العالم عندما يجب حماية أحد أعظم قادة هذا البلد، وربما أعظمهم، من أفعال الجماهير الغاضبة؟

كلنا نفهم عمق الشعور الذي تكشَّف نتيجة قتل جورج فلويد في مينيسوتا. ولا يمكن لأي شخص يهتم بهذا البلد أن يتجاهل آلاف الأشخاص الذين انضموا إلى حركة “حياة السود مهمة” للاحتجاج بشكل سلمي، كما فعل معظمهم، في الأيام القليلة الماضية.
وربما لا تكون هناك جدوى من القول فقط إننا حققنا تقدماً كبيراً في معالجة العنصرية؛ لأن هناك الكثير الذي يتعين علينا القيام به، وسوف نفعل. فقد حان الوقت لتشكيل لجنة حكومية مشتركة للنظر في جميع جوانب عدم المساواة، سواء في التوظيف أو النتائج الأكاديمية وجميع مناحي الحياة الأخرى.
نحن بحاجة إلى معالجة جوهر المشكلة وليس الرموز. نحن بحاجة إلى معالجة الحاضر، وليس محاولة إعادة كتابة الماضي، وهذا يعني أنه لا يمكننا ولا يجب أن نغرق في نقاش لا ينتهي حول أية شخصية تاريخية معروفة ونقية بما فيه الكفاية أو صحيحة سياسياً للبقاء في الوعي العام.
اقرأ أيضاً: لماذا يكون الانتماء للوطن أكثر أهمية وجدوى من الانتماء القومي؟
أين سينتهي هذا؟ هل من المفترض أن نُسقِط كرومويل الذي قتل آلاف الأشخاص في أيرلندا؟ وماذا عن نيلسون وجميع النصب التذكارية الأخرى التي لا حصر لها للماضي الإمبراطوري لهذا البلد؟
ولنأخذ مثلاً حالة أيوب سليمان جالو، الذي تتدلى صورته في الغرفة 15 من معرض الصور الوطني. كان من مواليد غامبيا، وكان معروفاً ومحط إعجاب في لندن في القرن الثامن عشر كمترجم للنصوص العربية. وكان أيضاً في الأصل نخاساً، فهل يعني هذا أنه يجب تطهير المعرض منه؟

وجهة نظري هي أن تاريخنا معقد للغاية، وأن بريطانيا الحديثة هي نتاج مجموعة كبيرة من الأفكار والمعتقدات، التي لا تبدو جميعها جيدة في ضوء أفكار اليوم.
نعم، لقد عبَّر تشرشل عن جميع أنواع وجهات النظر حول مسيرته الهائلة، ونذكر أنه دخل البرلمان تحت حكم الملكة فيكتوريا، وتركه في عهد الملكة إليزابيث، وكلها أمور غير مقبولة تماماً للآذان الحديثة؛ لكنه تغير بشكل عام مع الوقت، حيث غيَّر رأيه في الهند وقدرتها على الاستقلال. وأياً كان ما قاله عن الإسلام في تسعينيات القرن التاسع عشر، فقد بنى أيضاً مسجد ريجنت بارك في أربعينيات القرن العشرين.
اقرأ أيضاً: مراجعة جذرية لنهج مكافحة التطرف في أوروبا
وفوق كل شيء، كما أشار الكثيرون عن حق، أنه من الجنون اتهامه بالعنصرية، فقد وقف بمفرده ضد الطغيان العنصري الذي لولا مقاومته لكان قد طغى على هذا البلد وبقية أوروبا. لقد كان بطلاً، وأتوقع أنني لست وحدي حين أقول إنني سأقاوم بكل ما أوتيت من قوة أية محاولة لإزالة هذا التمثال من ساحة البرلمان. فالأمر خاطئ كل الخطأ أن يتم تدمير الممتلكات العامة بالعنف.
كما أنني متشكك للغاية بشأن الحملة المتزايدة لتعديل المشهد الثقافي بأكمله أو تعديله بالفوتوشوب. وإذا بدأنا في تطهير السجلات وإزالة صور الجميع باستثناء أولئك الذين تتوافق مواقفهم مع مواقفنا، فإننا بذلك ننخرط في كذبة كبيرة هي تشويه لتاريخنا مثلما يفعل بعض الشخصيات العامة التي تحاول بإلحاح أن تجعل نفسها تبدو أفضل عبر إجراء تعديلات على صفحات ويكيبيديا.

ألن يكون من الأفضل والأصدق أن نطلب من أطفالنا فهم السياق ككل، وشرح مزيج الخير والشر في مهنة تشرشل وغيره؟ فبدلاً من تمزيق بعض الرموز، يجب أن نبني رموزاً أخرى، ونحتفل بهؤلاء الذين نعتقد أنهم يستحقون نصباً تذكارياً في هذا الجيل أيضاً. لدينا النحاتون والفنانون البارعون، فلماذا لا يتم تكليفهم بعمل إضافات مناسبة للمناظر الطبيعية وتحسين شكل المدينة؟
على سبيل المثال، هناك الفناء الكبير في وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث، حيث تطل التماثيل الحجرية للمستكشفين والإمبرياليين البريطانيين من النوافذ، ولا تزال هناك مساحات فارغة تحتمل الكثير.
بدلاً من هدم الماضي، لماذا لا نضيف بعض الرجال والنساء؛ معظمهم من مجتمع غير البيض، الذين ساعدوا في بناء الكومنولث وعالمنا الحديث؟ أليس هذا نهجاً أكثر بهجة؟ لأن الرواج الجديد لمبدأ الأيقونية الصحيحة سياسياً ليس فقط محبطاً وغير عادل؛ بل إنه غالباً ما يكون بعيداً عن التاريخ. والأسوأ من كل ذلك، أنه إلهاء تام عن الوجود.
اقرأ أيضاً: ما حقيقة العلاقة بين العنصرية والتطرف؟
إن التجول بين التماثيل المشوهة لا يفعل شيئاً بالنسبة إلى مجتمع غير البيض، وكذلك القيام بحملات ضد هذه الآثار الثقافية أو تلك؛ لأن هناك معارك أكبر وأهم بكثير. ففي السنوات العشر الماضية، شهدنا توسعاً كبيراً لطلاب مجتمع غير البيض في جامعاتنا. وهناك المزيد من الأطفال السود المتفوقين في أكثر المواد صعوبة في المدرسة.
لذلك فالنضال الآن هو تحويل ذلك إلى سرد عالمي؛ أي قصص نجاح لا تمييز. وهذا يعني أخذ النقاط الخطيرة التي أثارها المتظاهرون بجدية. ويعني ذلك معالجة العنصرية والتمييز والقضاء عليهما. وليس إضاعة الوقت في الخلاف الأكاديمي اللطيف حول حياة وآراء كل شخصية تاريخية خلدت حالياً في البرونز أو الحجر.
دعونا نحارب العنصرية؛ لكن نترك تراثنا في سلام حقيقي. وإذا أردنا حقاً تغيير هذا التراث، فهناك وسائل ديمقراطية متاحة في هذا البلد، وبفضل ونستون تشرشل بالمناسبة!
المصدر: التليجراف