الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
رئاسيات الجزائر تكشف عن “طمع” الإخوان
بين المشاركة والرفض ومغازلة السلطة الفعلية

كيوبوست – الجزائر
يتابع الشعب الجزائري التسابق على الترشُّح للانتخابات الرئاسية، المقررة في 12 ديسمبر المقبل، باستغراب كبير جراء ارتفاع عدد الشخصيات المقبلة على تسلُّم استمارات الترشُّح يومًا بعد يوم، غير أن انفراد رئيس حركة البناء عبد القادر بن قرينة، المحسوب على تيار الإخوان، كأول شخصية تعبر عن رغبتها في قيادة الجزائر، شد انتباه الطبقة السياسية؛ خصوصًا التيار الإسلامي كما المتابعين.
اقرأ أيضًا: تركيا والجزائر والتأشيرات.. أزمة دبلوماسية تلوح في الأفق
قضت الانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقررة في 12 ديسمبر المقبل، على أحلام “الإخوان” في الوصول إلى السلطة تحت غطاء واحد، بعد أن كشف التسابق على كرسي الرئاسة عن تهلهل التيار وتشتته “دون رجعة”؛ حيث أحدث انفراد رئيس حركة البناء بالسباق وسحبه استمارات الترشح “زلزالًا” داخل البيت المتصدع للإخوان، كانت حصيلته رفض حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي محسوب على الإخوان في البلاد، ترشيح رئيسه عبد الرزاق مقري، وهو التصرف نفسه الذي لجأ إليه الغريم، حزب جبهة العدالة والتنمية، بامتناع زعيمه عبد الله جاب الله، عن الترشُّح. وبينما أبقى مقري الباب مفتوحًا أمام خيارات أخرى على اعتبار أنه لم يقاطع، أغلقه جاب الله نهائيًّا وعيَّنه على الانتخابات المحلية والبرلمانية.
"نحترم كل الآراء التي تنادي بالمشاركة أو مقاطعة الانتخابات، لكن حركة مجتمع السلم غير معنية ولن تقدم مرشحها".
Posted by عبد الرزاق مقري Abderrazak Makri on Tuesday, 1 October 2019
ويؤكد المستشار السابق بوزارة الشؤون الدينية الجزائرية والباحث في الحركات الإسلامية، عدة فلاحي، في حديث خصَّ به “كيوبوست”، أن إسلاميي الجزائر لا يزالون تحت صدمة التجربة الفاشلة في مصر والمرتبكة في تونس، ولهذا هم يتخبطون وتائهون، وبدرجة أكبر حركة مجتمع السلم (أكبر حزب يمثل الإخوان)، التي ضيَّعت بوصلتها، بخلاف جبهة العدالة والتنمية وزعيمها جاب الله، الذي بقي في نفس الخطاب والخيارات. وأمام هذا الوضع المعقد والشائك يريدون أن يخرجوا بأقل الخسائر، وعدم المغامرة في الانتخابات الرئاسية التي لا يزال يعارضها الحراك بقوة ويسودها الغموض والضبابية، مشيرًا إلى أن رهان الإسلاميين أصبح على الانتخابات المحلية والبرلمانية؛ حتى يعودوا بقوة إلى الشارع مرة أخرى، وتكون لهم القدرة على إزعاج السلطة أو الضغط عليها؛ من أجل تقاسم بعض المناصب.

ورد فلاحي على سؤال “كيوبوست” بخصوص تنافس عبد الله جاب الله وعبد الرزاق مقري على التقرب من السلطة الفعلية، قائلًا: “لا أعتقد أن جاب الله يتقن فن التفاوض، وحزبه لم يستقم عوده بعد، وهو يتشدد في مطالبه؛ ليكسب في التشريعيات ويشتد عوده، وهذا هدفه وغايته، أما مقري ومع المشهد السياسي المعقد الذي أربكه وحزبه وكذا تغيُّر قواعد اللعبة، فترك الباب مفتوحًا للمناورة إلى آخر شوط من الانتخابات الرئاسية. وفي الوقت نفسه عيَّنه على التشريعيات والمحليات”، مضيفًا: “هم هكذا طماعون، وسيبقون إخوانًا في الله في المساجد، وأعداءً في الله في السياسة، إلى أن يأتي رجل تتوفَّر فيه المواصفات والمقاييس التي تؤهله لقيادة تيار الإسلام السياسي بالجزائر، لكن أعتقد أن هذا الموعد لا يزال بعيدًا”.
اقرأ أيضًا: “التآمر القطري” على الجزائريين يخرج إلى العلن.. لماذا يريد نظام الحمدين إشعال الجزائر؟!
وخلص المستشار السابق بوزارة الشؤون الدينية إلى أن ابن قرينة، يريد الانتقام من إخوانه بحركة مجتمع السلم التي انشق عنها، ويعرض نفسه كبديل، في ظل تخبط مقري وتردده، بينما جاب الله يعلم أن القطار فاته، فزهد في الرئاسيات ولجأ إلى التصعيد ضد مخرجات الأزمة. أما حركتا النهضة والإصلاح فهما بحاجة إلى نهضة وإصلاح؛ وبالتالي هما في حكم الميت.
اقرأ أيضًا: إخوان الجزائر في رحلة عقد الصفقات مع السلطة
وقال أكبر حزب إخواني في الجزائر، بعد اجتماع مجلس الشورى الخاص به، إنه يترقب الوضع قبل الإقدام على خطوة دعم مرشح من المعارضة أو منح أنصار الحركة حرية التصويت على مَن يرونه مناسبًا. بينما أوضحت مصادر من داخل الحركة، في تصريحات أدلت بها إلى “كيوبوست”، أن هناك طرفًا بقيادة الرئيس عبد الرزاق مقري، يميل إلى خيار “شخصية توافقية” مع المؤسسة العسكرية، وقد بدأ العمل على هذا الخيار من خلال الترويج لحديث حول عدم توفر شروط تنظيم الانتخابات؛ مثل الشفافية وتلبية مطالب الحراك الشعبي، في سعي مفضوح للضغط عبر اللعب على أوتار الشارع.
وانتهج عبد الله جاب الله، نفس مسار غريمه عبد الرزاق مقري، وسعى لاستعطاف الحراك والضغط على السلطة، حين اعتبر أن خيار حزبه تخندقوا مع مطالب الشعب، وقال إن المتظاهرين الذين خرجوا بالملايين إلى الشوارع كانوا واضحين بترديدهم شعار “ارحلوا”؛ ما يعني أنهم لا يريدون استمرار النظام القائم، مع المطالبة باسترجاع حقهم الشرعي في السلطة، متابعًا بأن الشارع يعيش “ثورة” حقيقية لا يمكن اختزالها في “مجرد أزمة متمثلة في شغور منصب رئيس الجمهورية”، وحلها يكون بالذهاب إلى انتخابات رئاسية، موضحًا أنه “ضمن الأسماء الموجودة حاليًّا لا نجد مَن يستحق الثقة؛ لكن على الرغم من ذلك؛ فإننا لا نعلم كيف سيكون موقفنا في حال وقوع مستجدات”.

في المقابل، وفي “مراوغة” مفضوحة، أوضح عبد القادر بن قرينة، خلال إعلان ترشحه، أن غايته إحداث القطيعة مع الاستبداد والفساد، وإعادة الثقة بين الشعب ومؤسسات دولته، في حين ترشح لانتخابات النظام الفاسد الاستبدادي، كانت مقررة في 18 أبريل الماضي، والتي تسببت في اندلاع الحركة الاحتجاجية المتواصلة منذ 22 فبراير.
وواصل ابن قرينة محاولته استعطاف الشارع ومغازلة الجيش، بأن الجزائر ظلت واقفة قويةً رغم سنوات السطو ونهب ملايين الدولارات، ورغم انتهاك السيادة وسيطرة الاستبداد والفساد، مشيرًا إلى أن توفر الإرادة السياسية لإنجاح الانتخابات الرئاسية وإجرائها في كنف الاستقرار والمشاركة الشعبية الواسعة، والتنافس النظيف، وضمان كل شروط الشفافية والنزاهة، وحياد مؤسسات الدولة، وأداء سلطة الانتخابات مهامها الكاملة في الإشراف والرقابة.. كلها عوامل ستكون كفيلةً بخلق بيئة سياسية تسمح بتجربة ديمقراطية جديرة بقيادة البلد نحو الاستقرار السياسي والاجتماعي، والتوجه إلى تحقيق رهان التنمية وبناء اقتصاد قوي يلبِّي احتياجات الشعب ويضمن حياة الكرامة للمواطنين.
اقرأ أيضًا: الزعامة والمصالح والخطاب المزدوج: رصاصات قد تقضي على إخوان الجزائر

من جهته، لفت البرلماني خوجة الأرقم، في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”، إلى وجود تدافع حول مَن الأحق في تمثيل الإخوان بين حركة مجتمع السلم وحركة البناء، على اعتبار أن حزب مقري يرى نفسه أكثر تأهيلًا لذلك، متابعًا بأن “التدافع يوحي بتنافس على التموقع وتحقيق مصالح؛ خصوصًا أن حركة مجتمع السلم كانت لها تجربة سابقة لاقت انتقادات واسعة بداخلها، وأدت إلى انشقاقات”، مشيرًا إلى وجود معطى آخر لعله من المفيد استحضاره في هذا الخصوص؛ فقد برز في حركة مجتمع السلم توجهان: الأول يرى في استمرار العلاقة مع السلطة إضرارًا بالحزب، بينما يرى توجه آخر ضرورة استمرار هذه العلاقة، موضحًا أن فكرة التوافق فكرة جديدة قديمة، تتبناها جماعة مقري منذ 7 سنوات على الأقل.