الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

د.محمد العيسى لصحيفة “الأحد الفرنسية”: على مسلمي فرنسا احترام القانون

عبَّر الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد عبدالكريم العيسى -في مقابلة خاصة مع الصحيفة الفرنسية- عن دعمه مشروع القانون الفرنسي ضد الانفصالية.. مدافعاً عن مفهوم العلمانية

كيوبوست- ترجمات

محمد عبدالكريم العيسى، هو واحد من اثنين من المتحدثين المعترف بهم عالمياً باسم الإسلام السُّني، جنباً إلى جنب مع شيخ الأزهر في القاهرة. عُرف الرجل الذي يبلغ من العمر الخامسة والخمسين، منذ سنوات، بكلماته الهادفة إلى محاربة مفهوم “صراع الحضارات”. إنه إحدى الشخصيات القليلة في العالم الإسلامي التي زارت “معسكر أوشفيتز” في بولندا، وأعادت الحياة إلى “حوار الأديان”. بالنسبة إليه، يجب على المسلم الفرنسي الخضوع لقوانين الجمهورية أو المغادرة.

نص الحوار:

♦ منذ أكثر من شهر بقليل، اغتيل مدرس التاريخ والجغرافيا صموئيل باتي؛ لأنه عرض لطلابه رسوماً كاريكاتيرية للنبي محمد، ظهرت في مجلة “شارلي إيبدو” الساخرة. ما موقفك من هذا؟

إن اغتيال أستاذ التاريخ والجغرافيا صموئيل باتي، جريمة إرهابية مروعة، ولا يمكن بأية حال من الأحوال لمسلم جدير بهذا الاسم أن يرتكب مثل هذا العمل. وهذا المتطرف الذي ارتكب جريمة القتل لا يمثل الإسلام إطلاقاً؛ بل هو صاحب أيديولوجية إرهابية حرضته على ارتكاب هذه الجريمة.

وفضلاً عن ارتكاب ما لا يمكن إصلاحه بقتل هذا الأستاذ المسكين، فإن هذا الإرهابي أضر بصورة الإسلام؛ نحن مقتنعون في النهاية أن قيمة الأنبياء أكبر بكثير، ولا يمكن أن ينال منها مجرد رسوم، مهما كانت مهينة.

♦ لكن هل يحق للمسلمين الذين يعيشون في فرنسا اعتبار الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى النبي جزءاً من الكفر؟

– يجب أن يكون مفهوماً أنك عندما تسيء إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، فإن ما يقرب من مليار وثمانمئة مليون مسلم يعتقدون أنك تسيء إليهم، وعندما تسيء إلى عيسى (عليه السلام)، فإنك تسيء إلى هذا العدد نفسه من المسلمين وكذلك المسيحيين. للحريات معنى عميق، ولا ينبغي أن يكون هذا الأمر مصدر انقسام.

لقد أجمع جميع العلماء والمفكرين الذين تحدثنا معهم في رابطة العالم الإسلامي على الحق في حرية الرأي والتعبير، إلا أن المبدأ الأساسي هو عدم استخدامها كذريعة للتحريض، أو كراهية بعضنا البعض؛ ففي هذه الحالة يتم تجريد هذه الحريات من معانيها العميقة. العديد من الرسومات والكتابات تراوحت من النقد البسيط إلى السخرية؛ لكن المسلمين لم يعطوها أهمية أكثر من ذلك.

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أننا لا نؤيد الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة بأي شكل من الأشكال؛ فإننا نعارض جميع أشكال العنف. إذا كان لهذه الصحيفة في النهاية الحق في التعبير عن وجهة نظرها، فمن المؤكد أن لدينا نفس الحق في التعبير عن وجهة نظرنا حول هذه الرسوم الكاريكاتيرية. نحن لسنا ضد الحريات، نحن فقط ندعو إلى استخدامها بشكل صحيح، هذه وجهة نظرنا.

العيسى خلال زيارته إلى المعهد الفرنسي للحضارة الإسلامية- وكالات

♦ كيف تفهم السياسة التي أعلنها الرئيس ماكرون لمحاربة ما يسميه “الانفصالية”، وهي شكل من أشكال الكفاح ضد “الطائفية”؟

لقد دعونا دائماً مسلمي فرنسا وكذلك المسلمين المقيمين في فرنسا، إلى احترام الدستور والقوانين والقيم الخاصة بالجمهورية الفرنسية، تماماً كما نتوقع في العالم الإسلامي من الآخرين احترام دساتيرنا وقيمنا. نواصل الدعوة إلى “حوار حضاري وثقافي” بين الأمم والشعوب، ونحذر من مفاهيم “صدام الحضارات”. لقد عزل الانفصاليون أنفسهم في البداية عن المجتمعات الإسلامية، قبل عزل أنفسهم عن المجتمعات الأخرى في فرنسا أو في أي مكان آخر.

اقرأ أيضاً: هل تأخر بيان كبار فقهاء السعودية عن تصنيف الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً؟

لحسن الحظ، لديكم في بلدكم أغلبية كبيرة من المسلمين الذين يحبون فرنسا؛ هذه فرنسا التي ضحى الكثيرون بأنفسهم من أجلها، خصوصاً خلال الحرب العالمية الثانية، وكُتبت أسماؤهم على جدران المسجد الكبير في باريس، كما يوجد الآلاف من مسلمي فرنسا في الجيش والشرطة والدرك. في مقابل هؤلاء المواطنين الشرفاء، لديك أولئك الذين يريدون العيش بمعزل عن مجتمعهم الفرنسي، في وقت يتعين عليهم فيه احترام التماسك في هذا المجتمع. حقيقة، لا أحد يجب أن يبقى في مكان لا يريد أن يعيش فيه.

♦ هل يعني هذا أنك تحترم هذا المفهوم الفريد من نوعه في العالم ربما.. “العلمانية” في فرنسا؟

يحق لفرنسا أن تختار الأفكار والفلسفات الدستورية والقانونية التي يريدها شعبها، بالنسبة إلى البلدان ذات التنوع العرقي الكبير، كما هي الحال بالنسبة إلى فرنسا، يمكن فقط لمفهوم العلمانية أن يحكمها. لا يوجد خيار آخر؛ لأنه يضمن حيادية مؤسسات الجمهورية كما يضمن حرية العبادة لجميع الأديان.

مؤتمر “السلام والتضامن” الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في باريس بالتعاون مع مؤسسة “إسلام فرنسا”- وكالات

♦ ماذا تقول للمسلمين الذين يعيشون في فرنسا حول منع ارتداء الحجاب أو البرقع أو تعدد الزوجات أو الإجراءات التي تهدف إلى ضمان ذهاب الفتيات المسلمات إلى دروس السباحة المختلطة أو زيارة المتاحف؛ حيث يتم عرض “تماثيل عارية”؟

يجب على كل مَن يعيش في أي بلد، في فرنسا أو في أي مكان آخر، احترام قوانينه أو مغادرة هذا البلد. أما إذا كانت هناك إمكانية لمراعاة خصوصيات دينية ما على المستوى الفردي أو الجماعي في تلك التشريعات وفي إطار القانون المنصوص عليه في هذا البلد، فيجب المطالبة بالحقوق من خلال الوسائل القانونية والتشريعية.

♦ يأمل بعض الفلاسفة والمفكرين مثل برنارد هنري ليفي، أو الكتَّاب مثل كامل داود، في ولادة “إسلام التنوير والتسامح”.. ما الصعوبات التي تقف أمام ذلك؟

الإسلام في جوهره هو دين التسامح. وكدليل على ذلك، اجتمع ما يقرب من 1200 مفتٍ و4500 مثقف في مكة في ديسمبر 2018، في مؤتمر دولي نظمته رابطة العالم الإسلامي حول موضوع “خطر التصنيف والاستبعاد”. هذا المؤتمر الذي أتاح وضع “ميثاق مكة” الذي نص على وجوب احترام خصوصيات الدول والقوانين والثقافات، وشدد على أهمية الحوار الإيجابي والبناء مع جميع مكونات المجتمع؛ من أجل خلق تماسك اجتماعي حقيقي بدلاً من الانطلاق بمنطق الصراعات والصدامات الحضارية.

♦ هل تؤيد رغبة الحكومة الفرنسية في أن تكون هناك مؤسسة قادرة على تمثيل المسلمين الذي يعيشون في فرنسا.. مؤسسة تدير “إسلام فرنسا” وتحترم قيم العلمانية والجمهورية؟

يهدف مصطلح “إسلام فرنسا” إلى مراعاة السياق المحلي في قرارات الفقه الإسلامي، وهذا أمر أساسي؛ لأن التسامح هو أحد مبادئ الشريعة الإسلامية والإسلام يدعو إليه.

هناك مؤسسة “إسلام فرنسا” التي يرأسها صديقي غالب بن الشيخ، وهو شخصية فرنسية ملهمة للغاية بالنسبة إليَّ، وكان أحد الحاضرين في مؤتمر مكة الذي ذكرته للتو. في رأيي، هو إحدى الشخصيات الفرنسية المسلمة التي يمكنها أن توحِّد الصف ضد المسلمين الراغبين في عزل أنفسهم داخل المجتمع الفرنسي؛ لقد ساعد في نشر فهم جيد للإسلام وعمل على إظهار وسطية هذا الدين مع الدفاع عن القيم الفرنسية.

لقاء العيسى مع بابا الفاتيكان- وكالات

♦ على مدى عقود، موَّلت دولتك، وغيرها، عبادة المسلمين في فرنسا؛ من خلال إرسال الأئمة أو تدريبهم أو بناء المساجد، هل هذا طبيعي؟

أولاً، اسمحوا لي أن أذكركم أنني أمثل رابطة العالم الإسلامي، وملاحظاتي على هذا الموضوع لا تمثل موقف حكومة المملكة العربية السعودية؛ لكن المملكة ارتأت مؤخراً أن هذه المراكز ودور العبادة يجب أن يديرها المسلمون الذين يعيشون في كل دولة على حدة دون أي تدخل خارجي، وسلمت المملكة رسمياً إدارة المراكز والمساجد إلى المسؤولين المحليين دون إرسال أئمة أو دعاة ودون تدريب أئمة في فرنسا.

وحسب تقرير نشره مجلس الشيوخ الفرنسي عام 2016، بلغ عدد الأئمة في فرنسا الذين قدموا من الخارج 301؛ ولا واحد منهم سعودي أو تدعمه المملكة. لقد سررت عندما علمت بقرار الرئيس الفرنسي إنشاء لجنة وطنية للأئمة في فرنسا، تماماً كما سيكون أمراً بناءً للغاية إذا كان هناك صندوق عالمي لتمويل المساجد والمراكز الدينية.

نحن مقتنعون أن أي تمويل جزئي لهذا المجتمع أو ذاك لن يخدم فكرة الاندماج الوطني؛ على العكس من ذلك يمكن أن يكون سبباً للانفصال على حساب وحدة المجتمع الفرنسي.

♦ ما رد فعل المذهب الوهابي على الإسلام السياسي للإخوان المسلمين أو الجهادية التي يتبناها “القاعدة” أو “داعش”؟

أولاً، لا توجد عقيدة وهابية. ثانياً، في رابطة العالم الإسلامي، وكذلك في المملكة العربية السعودية، نحن ضد أفكار “الإخوان المسلمين”. تم تصنيفهم رسمياً في المملكة على أنهم جماعة إرهابية؛ لأن الإسلام السياسي يحول الإسلام إلى أهداف سياسية متطرفة. علاوة على ذلك، كنا نتمنى أن تتخذ فرنسا خطوة مهمة لتجريم الإسلام السياسي بالقانون، والممثل الوحيد الذي يحمل هذا الفكر الإرهابي والأطراف المنبثقة عنه هو جماعة الإخوان المسلمين؛ لقد كان تأخر فرنسا في منع التمويل الأجنبي لتدريب الأئمة الأجانب مصدراً للمشكلات ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة.

اقرأ أيضاً: جمعية “مسلمي فرنسا”.. ذراع الإخوان المسلمين التي تتحرك بحرية!

♦ ومع ذلك، أليست عقوبة الإعدام من أحكام الشريعة الموجودة في بلدك، وكذلك بتر اليد في حالة السرقة أو الجلد بسبب الزنى؟ كيف يختلف هذا الإسلام عن إسلام “داعش”؟

لا يوجد إجماع دولي حول عقوبة الإعدام؛ لأن هناك دولاً كبيرة تمارسها غير إسلامية؛ مثل الولايات المتحدة أو الصين أو الهند. في فرنسا، قبل عام 1981، كانت لا تزال عقوبة الإعدام تُمارس، وحتى اليوم عدد كبير من الفرنسيين ما زالوا يؤيدون عقوبة الإعدام.

في القرن الثامن عشر، عارض الفيلسوف والكاتب العظيم فولتير، عقوبة الإعدام، بينما أيد مونتسكيو هذه العقوبة في نفس القرن. والنصوص الدينية التي جاءت لإقرار هذه العقوبات تمثل عقيدة أكثر من مليار وثمانمئة مليون مسلم، وعندما تطالب بإلغائها كأنك تطالب بشكل غير مباشر بإلغاء القرآن الكريم.

إن عقوباتنا الجنائية تتناسب مع خطورة الجريمة المرتكبة، والإسلام لا يتساهل مع المجرمين، ومع ذلك فإن الإسلام، حتى في العقوبات المشددة، يسعى إلى بعض المبررات كمفهوم الندم والتوبة؛ لتخفيفها.

المصدر: جورنال دو ديمانش

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة