الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةحوارات

د.عبدالخالق عبدالله: السياسة لغز محير.. والوقت قد حان للتحاور مع إيران

بعد دعوته كأستاذ زائر في جامعة هارفارد.. يتحدث الأكاديمي الإماراتي في حواره مع "كيوبوست" عن الاهتمام العالمي بلحظة الخليج وتجلياتها الراهنة في المنطقة

كيوبوست- أمل صقر♦

اللقاء مع الدكتور عبدالخالق عبدالله هو لقاء مع أحد أكثر الأكاديميين الخليجيين حضوراً وتأثيراً واشتباكاً مع الواقع الخليجي والعربي وقضاياهما المعقدة والصعبة، وذلك عبر الاستفادة القصوى من وسائل التواصل الاجتماعي على النحو الذي جعله أحد أبرز المغردين في فضاء “تويتر”، كما نجح في أن يقتطع لنفسه -بمهارة وبمخاطرة محسوبة- مساحة من الحرية، يؤطرها التزام وفهم دقيق لحساسيات الواقع السياسي والاجتماعي الذي يتحرك فيه.

وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع ما يطرحه من أفكار؛ فالحوار مع الدكتور عبدالخالق عبدالله يحرض على التفكير بالضرورة، وفي الوقت ذاته لا تغيب عن الحوار المسحة الأكاديمية التي تتوخى الانضباط وتتروى كثيراً قبل إصدار الأحكام.

في هذا الحوار مع “كيوبوست”، ينطلق الدكتور عبدالخالق من الواقع العربي والخليجي والقضايا الآنية الملحة، إلى نشاطه الأكاديمي والبحثي، الذي توج مؤخراً بدعوته أستاذاً زائراً في جامعة هارفارد.. وإلى نص الحوار:

*نعرف جيداً انشغالك بمتابعة التطورات اليومية على الساحة، فهل كتاب “حكاية السياسة” هو عودة مجددة إلى المجال الأكاديمي، والتنظير في علم السياسة، أم أن هناك فكرة أخرى أو هدفاً آخر كان وراء إصدار الكتاب؟

 رغم الانشغال بالمستجدات اليومية والحياتية المتسارعة المثيرة للاهتمام؛ فإنني لم أخلع مطلقاً قبعة الأكاديمي من هويتي، وهويتي متسقة، كوني إماراتياً، وثانياً مباشرة كوني أكاديمياً، فلم أنقطع عن الانشغال بالشأن الأكاديمي والنشر العلمي؛ والدليل على ذلك أنه خلال فترة التقاعد صدر لي كتاب “لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر”. ومع التطورات وجدت نفسي بحاجة إلى إصدار طبعة جديدة من “حكاية السياسة” بعد عشر سنوات على طبعته الأولى؛ فالسياسة أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقتٍ مضى، وهي متغلغلة في كل قضايانا الحياتية؛ بما في ذلك الأوبئة والبيئة والموسيقى والرياضة، ووجدت أنه بعد عشر سنوات تغيَّر العالم، والسياسة أصبحت معولمة، وعولمة السياسة تعني أن السياسة في الشرق أصبحت مرتبطة بالغرب، كما أن السياسة في الغرب أصبحت مرتبطة بالشرق، والسياسة هنا مرتبطة بالسياسة هناك. من جانب آخر، شجعني إلحاح بعض الأصدقاء والزملاء والطلبة أن أصدر نسخة جديدة، فالكتاب لم يعد متوفراً في الأسواق. هذه هي بعض الدوافع لإعادة إصدار الكتاب، والذي صدر هذه المرة من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

غلاف كتاب “حكاية السياسة”

*قرأت الكتاب وقد أعادني خمساً وعشرين سنة إلى الوراء، مع بداية دراستي مبادئ علم السياسة في الجامعة، وتذكرت مدى أهمية تلك النوعية من الكتب؛ خصوصاً لطلبة العلوم السياسية، وأعجبني جداً في الكتاب مخاطبته قطاعاً أوسع من القراء.. فهلا حدثتنا عن المستهدفين بالكتاب؟

أسعدني انطباعك عن الكتاب، وملاحظتك ذكية، فقد كُتب الكتاب للقارئ المهتم بالسياسة وليس للطالب المتخصص في السياسة. ومن هذا المنطلق، يحاول الكتاب أن يبسط السياسة ويقدمها بأبسط الدلالات ويوضح معانيها وتجلياتها. والهدف كان بالفعل إيصال السياسة إلى قارئ يتساءل: ما السياسة؟ لماذا السياسة غامضة؟ لماذا تبدو السياسة مكروهة ومنفرة أحياناً؟ وهذا الكتاب في أصله عبارة عن مساق “مدخل إلى السياسة”، وجاءت فكرته من وحي تدريس هذه المادة سنوات طويلة في جامعة الإمارات.

السياسة ما زالت لغزاً محيِّراً، منذ أن تحدث فيها سقراط وأفلاطون وأرسطو قبل خمسة آلاف سنة. ورغم كل الكتب والدراسات والدارسين ما زالت لغزاً غامضاً وتزداد غموضاً يوماً بعد يوم، والكتاب يحاول بأكبر قدر من التبسيط أن يقرب القارئ إلى هذا اللغز. هل نجح؟ هل فشل؟ القارئ هو مَن يحكم على ذلك؛ لكن من المؤكد أن السياسة بالفعل تزداد غموضاً؛ لأنها وُلدت أكثر من ولادة نتيجة التحولات الحياتية والمعيشية، وفي كل فترة اكتسبت بعداً أو أبعاداً جديدة. لقد بدأت بذرة ثم نبتة ثم أصبحت شجيرة، والآن هي شجرة وارفة.. وتوسعت السياسة أيضاً، فبعد أن كانت محلية أصبحت تمتد إلى الصعيد العالمي.

اقرأ أيضاً:  المفكر السعودي عبدالله الغذامي: نسعى في الخليج لتكريس التعددية الثقافية

*كيف ترى المشهد الخليجي في ظل التطورات الحالية؟ ألا تزال اللحظة هي “لحظة الخليج” كما كتبت في كتابك؟

أعتقد أن لحظة الخليج مستمرة إلى اليوم، وهي أكثر حضوراً من أي وقت آخر في الجسم العربي كله، وعلى كل المستويات؛ بمعنى أن ست دول خليجية لها اليوم حضور وتأثير في ست عشرة دولة عربية صغيرة وكبيرة. هذا هو -تقريباً وباختصار- المشهد الخليجي حالياً.  وهذا دور تاريخي كانت تقوم به عواصم أخرى في السابق؛ فمركز الثقل للنظام الإقليمي لا يستقر، وعلى الصعيد العالمي ينتقل المركز حالياً من الغرب إلى الشرق، والخليج هو الجزء الأكثر استقراراً وازدهاراً وربما أكثر تماسكاً من أي إقليم آخر من المغرب والمشرق وحوض النيل. وهذا الاستقرار الخليجي والازدهار الخليجي والتماسك الخليجي وبروز هوية خليجية.. كل هذا جعل هذه المنطقة اليوم مركز الثقل العربي، وجعلها تعيش عصرها الذهبي إن صح التعبير.. كم سيدوم هذا العصر؟ كم ستدوم هذه اللحظة؟ هذا سؤال مفتوح للتاريخ. وفي تقديري قد يمتد ذلك سنوات؛ فنحن نتحدث اليوم عن وطن عربي، ليس فقط مجزأً؛ بل مليء بالدول الكئيبة والمفككة والهشة والفاشلة التي يزداد عددها. والطرف الوحيد الذي ما زال متماسكاً هو الخليج، ليس بسبب نفطه، فلحظة الخليج لا تعني لحظة نفطية؛ بل لحظة ما بعد النفط، وهذه الدول أصبحت اليوم متنوعة وكبيرة ومرتبطة بالعالم الخارجي.. هذا هو -في تقديري- المشهد الخليجي.

غلاف كتاب “لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر”

*تلقيت دعوة من جامعة هارفارد للتدريس لفصل دراسي لمساق حول لحظة الخليج، كيف ترى أهمية هذه الدعوة في ضوء ما تفضلت به حول “لحظة الخليج”؟

بالنسبة إلى جامعة هارفارد هناك مسألتان بحاجة إلى توضيح؛ الأولى لها علاقة بلحظة الخليج، والثانية لها علاقة بمسيرة هذا الأكاديمي الإماراتي. الأهم هو المسألة الأولى، فأن تهتم جامعة مرموقة كهارفارد وهي في قائمة أفضل جامعات الولايات المتحدة والعالم بأطروحة “لحظة الخليج”، فهو دليل وتأكيد على أهمية هذه اللحظة، وأهمية هذه المنطقة بالنسبة إلى المهتمين بالشرق الأوسط والخليج العربي. وأن تطلب هارفارد نسخة مطورة محدثة خاصة بها من كتاب “لحظة الخليج” لنشرها، وتعطي فرصة لأكاديمي من الخليج للتحدث عن هذه “اللحظة الخليجية” في تقديري أمر يتطلب التقدير، ويؤكد أن “لحظة الخليج” قد بلغت أهم جامعات العالم، وأن هناك اعترافاً أكاديمياً بهذا المفهوم، الذي هو اليوم مجال تدريس وبحث خلال الفصل الدراسي بأكمله.

اقرأ أيضاً: الحكواتي أحمد الراشدي: مبادرات القراءة العربية شجَّعت الجيل الجديد على حب القراءة

أما على الصعيد الشخصي فوجود أكاديمي إماراتي في جامعة هارفارد، تتويج لمسيرته بعد أن أنجز ما أنجز ونشر ما نشر وقام بالتدريس لأكثر من 30 سنة. وأن يُدعى مِن قِبل جامعة هارفارد فهذا إنجاز وطني وليس شخصياً فقط. هذا إنجاز للإمارات بقدر ما هو إنجاز لهذا الأكاديمي الإماراتي.

في جامعة هارفارد فرصة لكي يتعرف الإنسان على العقول الأكاديمية المبدعة التي تكتظ بها هذه الجامعة والقادمة من الولايات المتحدة وكل أنحاء العالم. والحقيقة أن غاية كل أكاديمي أن يتلقى مثل هذه الدعوة من هارفارد؛ فهذا حلم وطموح. وقد تحقق بالنسبة إليَّ هذا الجزء؛ لذلك قبلت دعوة هارفارد وأنا سعيد شخصياً، وسعيد أكثر أن أطروحة لحظة الخليج لم تعد مقتصرة على الخليج وعلى الوطن العربي؛ بل بلغت العالمية، وأن الإمارات في سعيها نحو العالمية بلغت أيضاً العالمية في هذا المجال المهم بحضور أكاديمي إماراتي في هذه الجامعة المرموقة.

د. عبدالخالق في جامعة هارفارد

*كيف تقيِّم أداء دول المجلس إزاء الأزمتَين الكبيرتَين اللتين واجههما العالم منذ بداية عام 2020 حتى عام 2022: جائحة كورونا، والحرب الروسية- الأوكرانية؟

عندما نتحدث عن مجلس التعاون، نتحدث عن ست دول يجمعها الحد الأدنى من التعاون والتنسيق السياسي والأمني والعسكري الاقتصادي، وبالتالي لا تزال لكل دولة أجندتها المحلية الوطنية؛ فللكويت أجندتها ولعُمان أجندتها.. وهكذا. لدينا ست أجندات، وهذه الأجندات لا تتفق أحياناً بعضها مع بعض، وهذا مصير أي مشروع اندماجي في العالم، بما في ذلك أكثرها نضوجاً في أوروبا؛ حيث نرى في بعض الأحيان فروقاً بين الموقف الفرنسي والبريطاني في ما يتعلق بروسيا. وفي تقديري لا توجد ست دول على وجه الأرض، وحتماً في الوطن العربي، بينها هذا القدر الكبير من التشابه التاريخي الاجتماعي والسياسي والضرورة الاستراتيجية، بحكم وجود تهديد ضخم في الجوار الجغرافي متمثلاً في إيران، وهذا أيضاً يجعلنا متماسكين؛ إذ يجمعنا القرب الجغرافي والضرورة الاستراتيجية.

نرجع إلى الأزمة الأوكرانية وكورونا.. باختصار شديد، كان أداء دول الخليج الست -وربما في المقدمة الإمارات- أداءً مفاجئاً وباهراً بمقاييس أكثر الدول تقدماً في النظام الصحي، كالدول الإسكندنافية على سبيل المثال. وقد انعكس هذا الأداء في الثقة التي تحظى بها دولة الإمارات، والسعي الحثيث للاستثمار فيها، وخرجنا من معركتنا مع كورونا منتصرين بامتياز.

اقرأ أيضاً: كيف ترى دول الشرق الأوسط مكانتها في النظام الدولي بعد الأزمة الأوكرانية؟

أما الحرب التي ما زالت مستمرة؛ فهي ليست حربنا، هي حرب أوروبية- روسية، والموقف المنطقي السليم أن لا نقحم نفسنا فيها. وبالفعل اتخذنا موقفاً محايداً يُحسب لنا، ومعنا العديد من الدول في العالم.

هذه الحرب قادت، في تقديري، إلى استعادة النفط قيمته الاستراتيجية والمالية، وهذا الكم الهائل من العوائد النفطية زاد من حيوية منطقة الخليج. باختصار شديد، كنا أكبر الرابحين من معركتنا مع كورونا ومن الحرب الأوكرانية، وأتمنى أن تتوقف الحرب في أوكرانيا اليوم قبل الغد

كان أداء دول الخليج الست -وربما في المقدمة الإمارات- أداءً مفاجئاً وباهراً بمقاييس أكثر الدول تقدماً في النظام الصحي

*تمر العلاقات الخليجية- الأمريكية بمنعطف صعب منذ عامَين تقريباً، فهل نحن أمام تغير جوهري محتمل، أم أن الأمر مرتبط بطبيعة الإدارة الأمريكية الحالية، ولن يلبث أن يعود إلى ما كان عليه؟

العلاقة الخليجية- الأمريكية ليست في أفضل حالتها اليوم، وهناك عوامل ثلاثة يمكن أن تفسر ذلك؛ أولها أمريكا كمؤسسة، وثانيها الإدارة الجديدة، وأخيراً التغير في الخليج؛ فخليج القرن الحادي والعشرين يختلف عن خليج القرن العشرين، فهو خليج أكثر استقلالاً بإرادته وقراراته وأجنداته عن الأجندة الأمريكية، ويمارس هذا الدور الاستقلالي الذي لم يكن وارداً قبل ثلاثين أو أربعين سنة بحكم ظروف عديدة.

أمريكا أيضاً تتغير؛ فهي تشهد حالة من الاضطراب والمزاج الانعزالي عن العالم وليس عن الخليج، وتعيد ترتيب أولوياتها؛ فهي منشغلة بالصين بأكثر من أي وقت آخر، وحالياً تنشغل بروسيا عسكرياً وسياسياً أكثر من أي وقت آخر، فبالتالي المنطقة هنا بنفطها لم تعد منطقة حيوية لأمريكا، وعلينا أن نعرف أن هذا مستجد في العلاقة؛ لأن العلاقة كانت قائمة على النفط والأمن، واليوم أمريكا لا تود هذا النفط، فبالتالي قد تفكر في الانسحاب قليلاً، وأي انسحاب ولو شبر يؤثر ويخل بالمعادلة الأمنية. ولو حدث انسحاب ولو بنسبة 1٪ ستبحث دول الخليج عن بديل، وهناك بدائل مثل فرنسا والصين.

فهناك إذن مستجدات عديدة في هذه العلاقة؛ بما في ذلك أنه في حال تعرضت أية دولة في الخليج اليوم إلى غزو كما حدث في الكويت، فلن ترسل أمريكا مئة وستين ألف جندي للدفاع عنها.

اقرأ أيضاً: إعادة ضبط العلاقات الدبلوماسية

*في حال وقعت الولايات المتحدة الاتفاق النووي مع إيران.. ما أهم التغيرات التي يمكن أن تطرأ على المشهد الإقليمي وعلى السلوك الإيراني تجاه العالم العربي؟

الاتفاق النووي أصبح كالسراب نقترب منه شبراً فيبتعد عنا متراً، ولنا قرابة العامين في مفاوضات، ولا أراهن على التوصل إلى الاتفاق النووي بأكثر من 50%. والثابت سواء تم التوصل إلى اتفاق أو لا، هو أن دول الخليج طواقة إلى تخفيف التوترات؛ فإذا قاد هذا الاتفاق بمساوئه التقنية والفنية إلى قدر من الوفاق وتخفيف التوتر في المنطقة فأهلاً به، لأنه هذا التوافق سيكون مفيداً وفي مصلحتنا. الثابت الثاني أنه باتفاق أو من دونه، ستظل إيران مصدر التهديد الأساسي ولن يختفي إن وقعت هذه الاتفاقية أو لم توقع. إيران النووية خطرة وإيران الصاروخية خطرة و”إيران الدرونية”، إن صح التعبير، خطرة. إيران شكلت هلالاً إيرانياً يطوق دول الخليج، ويمتد من العراق إلى اليمن مروراً بالمنطقة.

المنظور الخليجي، اليوم، أنه بعد مواجهة وبعد خصومة استمرت أكثر من عشر سنوات، وكانت دامية كما حدث ويحدث في اليمن، فإن من الأجدى أن نتحاور مع إيران، باتفاق نووي أو دون اتفاق نووي، وهناك قادة ونخبة إيرانية عاقلة تتجاوب مع رغبة دول الخليج في التصالح.

بايدن يرغب في الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي.. ولكن ذلك لن يكون سهلاً- “نيويورك تايمز”

*الأزمات العميقة تضرب دولاً كثيرة في العالم العربي؛ ولكن الأكثر اشتعالاً خلال شهر أغسطس الماضي كان العراق وليبيا، حيث وصل الأمر إلى المواجهة المسلحة وقتال الشوارع، فما التطورات المحتملة فيهما حسب قراءتك للأحداث؟

لكل بلد خصوصيته؛ فالعراق شهد مواجهة دامية لم تستمر سوى يوم أو يومَين على الأكثر، في حين تمتد الاشتباكات في ليبيا منذ عشر سنوات؛ لكنهما يتفقان في وجود نخبة سياسية فاسدة أتت بعد صدام حسين وبعد القذافي، فشلت تماماً في الحكم.

 بالإضافة إلى ذلك ابتُلي العراق وليبيا بميليشيات مسلحة، وأصبحت طرابلس اليوم عاصمة الإرهاب الإسلامي السُّني (إن صح التعبير) وبغداد عاصمة الإرهاب الإسلامي الشيعي. ولم يسلم البلدان من اقتحامات خارجية، فالاقتحام الخارجي الإيراني واضح كل الوضوح في العراق، ولا يمكن لإيران أن تفك حبلها عن الوريد العراقي؛ لأنها تود عراقاً ضعيفاً مذهبياً مجزأً بأقل قدر من الاتصال والتواصل مع محيطه العربي. أما ليبيا فتعاني التدخلات العسكرية التركية.

الآن، أنظر إلى المستقبل بقدر من التفاؤل؛ فلعل هناك مشروعاً وطنياً رأينا بوادره في العراق وفي ليبيا مدعوماً من قِبل دول عربية وخليجية، فهل سينجح مقابل المشروع الإيراني؟

اقرأ أيضاً:  هل أدخلت إيران العراق في حرب أهلية؟

*تتجه جماعة الإخوان المسلمين نحو مزيد من الانقسام والتشرذم والضعف وغياب الفاعلية، فهل يعني ذلك أن خطر الجماعة قد تراجع أم أنها قادرة على استعادة خطورتها وتأثيرها؛ فقد سبق وتعرضت إلى هزات شديدة لكنها عادت للملمة ذاتها؟

تعيش الجماعة أسوأ حالتها منذ ثمانين عاماً، بين انقسام داخلي وتراجع في الدعم الدولي سواء من تركيا أو قطر. تعيش الجماعة للمرة الأولى انقساماً في القيادة، بعدما كانت الانقسامات في قواعدها فقط. وبالتالي، أتوقع أنه خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة لن تقوم لهذه الجماعة قائمة. لكن نعود إلى السؤال الذكي، هذه الجماعة تعرضت إلى ضربات قصمت ظهرها أيام عبدالناصر؛ لكنهم تمكنوا من العودة مرة أخرى. ومن ثم فاحتمال عودتهم احتمال قائم من واقع تجربة هذه الأمة المريرة مع هذه الجماعة، التي تهدف الوصول إلى السلطة والتحكم في موارد الأمة وإعادتها إلى ماضٍ تليد. فبالتالي عودة الجماعة ممكنة وإن كان بعد سنوات ليست قصيرة، ولا يجب أن يغيب هذا الاحتمال عن التفكير الاستراتيجي المستقبلي في دولنا.

*بوصفك مفكِّراً عربياً صاحب تجربة ممتدة.. كيف ترى دور المفكرين والمثقفين في الوقت الحالي؟ وهل فقدوا تأثيرهم الذي كان واضحاً وملموساً خلال مراحل سابقة في تاريخ العالم العربي؟

المثقفون والمفكرون والأكاديميون ليسوا بجسمٍ واحد وإنما أطياف متنوعة؛ بعضهم يمارس دوراً تصالحياً إصلاحياً، وبعضهم يمارس دوراً ثورياً ونخبوياً، ومن الظلم أن نوحدهم تحت قبعة واحدة وتحت إطار واحد، وأكثر من هذا وذاك للمثقف في المغرب دور يختلف عن المثقف في الخليج، ومثقف الخليج همه وهمومه مختلفة عن المثقف في مصر.

المثقفون والمفكرون والأكاديميون ليسوا بجسمٍ واحد وإنما أطياف متنوعة

عدا عن هذا، المثقف العربي من ناحية يسعى لمد الجسور مع السلطات في كل مكان، أحياناً يستطيع أن يبني جسوراً خشبية وأحياناً فضية أو ذهبية. وأعتقد أننا في الوطن العربي قد بنينا أكثر من نوع من هذه الجسور، الأغلب والأعم الجسور الخشبية التي تتحطم ولا بد من إعادة بنائها، بينما الجسور الذهبية قليلة ونادرة عبر التاريخ. وهناك المثقف الذي يطرح أطروحات خارجة عن المألوف والسياق، من هنا فالسلطة تكون أحياناً مسؤولة عن تحطم هذه الجسور وأحياناً يكون المثقف ذاته مسؤولاً.

اقرأ أيضاً: الدكتور عبدالله الغذامي لـ”كيوبوست”: تراجع التشدد في المجتمع أسهم في تراجع الإلحاد

*تقدم دولة الإمارات نموذجاً حقيقياً للنجاح سياسياً واقتصادياً والقدرة على توظيف كل الموارد نحو تحصيل المزيد من القوة والفاعلية، فما أهم العوامل التي ترى أنها وراء هذا النموذج؟

خلال الخمسين سنة الماضية تمكنت الإمارات من إنجاز مكتسبات وطنية حقيقة مذهلة ومدهشة بكل المعايير؛ فالنموذج الإماراتي الاتحادي مدهش واستثنائي وتمكن من الاستمرار. والنموذج الإماراتي التنموي حقق تقدماً في أهم المقاييس والمعايير العالمية. وهناك النموذج الإماراتي المعرفي، الذي تستثمر الإمارات فيه أكثر من غيرها وبسخاء ما بعده سخاء، بعد أن استثمرت خلال خمسين سنة في البنية التحتية.

هناك ثلاثة عوامل أو محركات إن صح التعبير وراء هذا النموذج؛ أولاً: الثقة، فالدولة واثقة من نفسها ونجاحاتها ومن حاضرها ومستقبلها أكثر من أي وقت آخر في التاريخ؛ القيادة واثقة والمواطن واثق والوافد واثق.. هذه الثقة تدفع الإمارات نحو الوصول إلى المريخ وتصل إلى أبعد ما يمكن الوصول إليه. ثانياً: الدور الذي تلعبه الإمارات على الساحة الدولية، ولديها علاقات عميقة على امتداد الوطن العربي ودول العالم ووقعت أكثر من أية دولة خليجية وعربية اتفاقيات التبادل التجاري، ووقعت اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية الشاملة. وأخيراً: لم يكن بإمكان الإمارات أن تصل إلى ما وصلت إليه دون حكمة الأب المؤسس زايد؛ فقد وضع لنا أسساً راسخة لبنيان متين، وجاء من بعده محمدان، فالإمارات ترفرف بجناحَين اثنين؛ جناح محمد بن زايد وجناح محمد بن راشد، فالإمارات اليوم ترفرف بطموحات قائدَين فذَّين لديهما من الحكمة ما كان لدى زايد. نحن نعيش العهد المحمدي في التاريخ الإماراتي المعاصر؛ فلا تستغربوا ما وصلت إليه الإمارات.

تسعى الإمارات لتحقيق رفاهية الإنسان- وكالات

*هل ترى أن النموذج الإماراتي قابل للتطبيق في دول عربية أخرى؟

“النجاح مُعدٍ” بالمعنى الإيجابي وليس المرضي، وهناك مَن يود أن يقتبس دبي أو نموذج الإمارات الاتحادي أو شركات الإمارات (إعمار- طيران الإمارات- الاتحاد…). واستطلاعات الرأي تؤكد أن 70% من الشباب العربي يريد أن يعيش في الإمارات، لا يريد أن يعيش الحلم الأمريكي ولا الحلم الكندي؛ بل يود أن يعيش الحلم الإماراتي.

لكن النجاح يجلب معه الغيرة؛ هناك نموذج إماراتي نعتز به إماراتياً وخليجياً، ولعل العرب ينظرون إلى هذا النموذج كنجاح لهم جميعاً.

*كان “تويتر” إحدى المنصات المهمة التي اعتمد عليها الدكتور عبدالخالق عبدالله في التفاعل مع الأحداث، فكيف ترى تجربتك فيه؟ وماذا أضاف إليك؟ وهل كانت له سلبيات؟

البشرية بكل تأكيد تنتقل تدريجياً من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، والعالم الافتراضي يزداد حضوراً في عالمنا، ومن الصعب لأكاديمي ولناشط أن يكون بعيداً عن هذا العالم. ومن بين كل منصات العالم الافتراضي وجدت نفسي في “تويتر”؛ فهو المنصة الأكثر تسيساً، وزعماء العالم اليوم يتواصلون معاً من خلالها. لكن “تويتر” كأية منصة أخرى تعطيك مساحة وتأخذ منك مساحات، تعطيك قدراً من الهامش وتضيف إليك هوامش كثيرة، ولا شك أن لهذه المنصة متاعبها ومنغصاتها، وقد وجدت نفسي أحياناً في بحر متلاطم، قد لا أكون بهذا القدر من الذكاء في التعامل مع ردود أفعال لا تكون حميدة أحياناً؛ لكن رغم هذا أو ذاك أعبر في هذه المساحة عما كنت أعبر عنه في الصحافة وفي التليفزيون وفي المقابلات، فأنا سعيد بهذه المساحة وشاكر للمتابعين، وأرجو أن أكون عند حسن ظنهم جميعاً.    

اقرأ أيضاً: الإمارات.. الحكم الرشيد مفتاح العبور الآمن

*يمكن وصف تغريداتك في بعض الأحيان بالجرأة وتجاوز السقوف، فهل هي كذلك فعلاً، أم أن هناك مساحة متاحة بالفعل ولا يحاول الآخرون استثمارها؟

منصة “تويتر” تعطي كل إنسان مساحة حرة، تتفوق على نظيرتها كالمقالات والتليفزيونات، وكان من المهم وجود قوانين تنظيمية تجرم أي خروقات في الفضاء الإلكتروني وينبغي احترامها؛ ولكن رغم ذلك لا توجد منصة أكثر حرية من “تويتر”. وغبي مَن لا يستثمر هذه المساحة؛ أنا شخصياً في “تويتر” أحاول أن أتقمص دور المغرد والكاتب المستقل، وأحياناً هذا الدور المستقل يجلب لي المشكلات.

المثقف عندما يدعو إلى الحرية ولا يمارسها يفقد مصداقيته.. فبالتالي أشاغب قليلاً وأشاكس قليلاً وأطرح رأياً. ونحن في الإمارات لدينا سقف من الحرية البعض لا يود أن يلامسه والبعض لديهم من الجرأة أن يلامسه ويبتعد، كحرب العصابات يطلق قذيفة ويختبئ في الغابة ويقتحم ثم يعود، وأحياناً ينجح وأحياناً لا.. البعض يمارس هذه المناكفة والمشاكسة؛ وهي بالمناسبة دور لكل المفكرين في الدنيا، أنهم دائماً مشاغبون ومشاكسون ويرفعون سقفاً ويدفعون الأثمان والبعض يحقق أمنياته والبعض لا، لكن هذا هو دور المفكر المستقل.

*بعيداً عن السياسة.. نريد التوقف قليلاً مع اللمسة الإنسانية والعاطفية التي تضفيها عبر حسابك على “تويتر” بصورك الشخصية مع زوجتك وما تعكسه من تفاهم وحب ومشاركة حقيقية في الهوايات والأنشطة التي تقومان بها معاً، فهل لنا بكلمات حول هذا الملمح الذي يثير الإعجاب؟

أولاً هذه علاقة عمرها أكثر من سبع وثلاثين سنة، في تقديري أنا المحظوظ برفيقة الدرب التي كانت معي في كل هذه الفترات ونعيش اليوم ربما أسعد أوقاتنا خلال كل هذه السنوات؛ فهذه رفيقة الدرب وكم أنا محظوظ ربما أكثر منها بأنها ظلت معي ولازمتني كل هذه السنوات. والآن اتضح لنا أن لدينا اهتمامات مشتركة كثيرة؛ منها الأكاديمي واهتمامات بحب الطبيعة وحب المغامرة، ولدينا صولات وجولات ورحلات ومغامرات نحو القمة والوصول إلى أعلى القمم. وليس خفياً على مَن يتابع حسابي أننا وصلنا إلى أعلى الجبال في إفريقيا وفي آسيا وأوروبا وآخرها كنا في زيارة إلى مرتفعات الإنكا في بيرو على ارتفاع 4215 متراً، ومررنا بتجارب كثيرة؛ وهذه المغامرات تقربنا لأنها تحتوي على لحظات صعبة أحياناً؛ لحظات وجودية وحياتية تحتاج إلى أن تكون بالقرب من رفيق الرحلة.

أعتقد أن هناك شريحة محافظة في مجتمع الإمارات ولها احترامها وتقديرها ومن ضمن أفكارها أن الزوجة لا تخرج ولا تظهر وهكذا؛ ولكن هذا شأنها وأحترم هذا الرأي. نحن نستمتع بحياتنا ونقدم هذه الحياة كنموذج ربما للبعض الذين هم ليسوا هذه الشريحة المحافظة. ومجتمع الإمارات مجتمع تعددي منفتح.

أعدنا ترتيب غرف البيت وتحول إلى جاليري ومراسم

*هل يمكن أن تحدثنا عن تحويل منزل الأسرة إلى ما يشبه الجاليري؟

كان بيتنا الذي كانت الأسرة تلتقي فيه أسبوعياً، ومع الانشغالات لم يعد يستخدم؛ فرأينا أن هذه فرصة ثمينة يمكن بها أن نعيد إلى هذه المدينة التي أعطتنا بعضاً مما نستطيع، وكانت الفكرة أن يتحول إلى مرسم وبيت للإبداع وبيت للفنانين؛ خصوصاً الجيل الشاب، فأعدنا ترتيب غرف البيت وتحول إلى جاليري ومراسم، وأيضاً نشاطات ثقافية أخرى. البيت موجود بمنطقة الممزر في دبي وأصبح اليوم “بيت الممزر” نسبةً إلى منطقة الممزر؛ إحياء لتلك المنطقة وإحياء لهذا البيت وكنوع من تقديم واجب العطاء لمدينة أعطتنا ولم تبخل علينا ولدولة لم تبخل علينا.

♦باحثة سياسية

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

د.أمل صقر

باحثة سياسية

مقالات ذات صلة