الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
دولت فهمي… مناضلة مصرية قتلها “شرف” العائلة!

كيوبوست- مدى شلبك
من أشد مفارقات التاريخ القريب، أن نسمع عن مناضلةٍ مصرية، كرّستْ حياتها للدفاع عن شرف بلدها، المنتهك من الاحتلال الإنجليزي، بينما تلقى مصيرها المأساوي على يد عائلتها تحت مسمى “شرف” آخر لم يكن بحسبانها، وهي تشهد أمام المحكمة لتنقذ مناضلاً من الإعدام، وتدين نفسها!
نحكي عن المناضلة المصرية “دولت فهمي” أو “عذراء الحرية” كما أُطلق عليها، فهي -وإلى جانب كونها عملت في الجهاز السري لثورة عام 1919م ضد الإنجليز، وبالتالي فلم تتصدر المشهد، رغم تضحيتها بحياتها- امرأةٌ في زمان ومكان لا يعترفان بالأبطال إلا إذا كانوا رجالاً!
دولت في الجهاز السري
في مقتبلِ عمرها، انتقلت دولت التي وُلدت بقرية “أبو عزيز” في محافظة المنيا لعائلةٍ عريقة تُعنى بالعلم والثقافة، إلى القاهرة للعمل في السلك التعليمي، وهناك تولّت منصب ناظرة مدرسة الأقباط للبنات، إلا أن عملاً سرياً استحوذ على جهودها، فقد انخرطت بالجهاز السري لثورة عام 1919م، ومن مهامه تحفيز الجماهير من جهة، عبر توزيع المنشورات والتوعية، والإضرابات، وجمع التبرعات، وترهيب سلطة الانتداب، عبر اغتيال جنود إنجليز أو من يتعاون معهم، وإرسال رسائل تهديد لهم.
اقرأ أيضاً: 7 نساء تركن بصمةً فاعلة في الوسط العربي… هل إحداهن من دولتك؟
ومن ضمن المتعاونين مع الانتداب البريطاني، بعد نفي الزعيم الوطني سعد زغلول ورفاقه، واندلاع شرارة الثورة، والذي تقرر تصفيته من قبل الجهاز السري، كان “محمد شفيق باشا” لأنه وافق على تعيينه وزيراً للأشغال، الأمر الذي اُعتبر خيانةً لقرار الثورة بمقاطعة الإنجليز. كان المكلّف بعملية الاغتيال الطالب الجامعي وعضو الجهاز السري “عبد القادر شحاتة الجن”، الذي ألقى قنبلة على سيارة شفيق إلا أن المحاولة باءت بالفشل، فهرب الجن من موقع العملية، لكن تم القبض عليه لاحقاً.
ومن تلك اللحظة ارتبط مصير دولت فهمي بالجن، فخلال التحقيق معه، وصلت الجن رسالة من الجهاز السري توصيه بعدم الاعتراف بتنفيذه للعملية، وبمكان مبيته، لأنّ الناظرة في مدرسة الهلال الأحمر سوف تشهد بأنه عشيقها، وكان يبيت في منزلها ليلة الحادثة، وتلك الزميلة كانت دولت غبريال فهمي. استمسكت دولت بشهادتها، مقاومةً ضغوطات الإنجليز وتهديداتهم وإغراءاتهم لتغيير أقوالها، فهي بشهادتها غير المتوقّعة أنقذت الجهاز السري للثورة، كما أنقذت الجن من الإعدام، ولكنها بالمقابل، أقدمت على خطوة تمسّ سمعتها كما هو متعارف عليه في مجتمع محافظ، والأخطر أن تلك الخطوة من الممكن أن تودي بحياتها تحت مسمى “الشرف”، وهذا ما حدث في عام 1920.
مقتلها
بفضل شهادة دولت خُفِّف الحكم بحق الجن من الإعدام إلى المؤبد مع الأشغال الشاقة، بسبب إدانته بأعمال مقاومة أخرى كان نفذها سابقاً، وحينما تولى “سعد زغلول” رئاسة الحكومة سنة 1924م، أي بعد أربع سنوات من اعتقال الجن، أفرج عن جميع المعتقلين بتهم مقاومة الانتداب، وكان من بينهم الجن، الذي نوى أن يتزوج دولت الفتاة التي أنقذته من حبل المشنقة، واضعة سمعتها في مرمى النار، فبدأ برحلة بحث مضنية، فقد سأل عنها من كانوا يعرفونها، وفي المدرسة التي كانت ناظرتها، ولم يجد أي خبر عنها، كما توجه إلى قريتها، وهناك أنكرها الجميع، حتى علم أن أهلها قتلوها بعد شهادتها، انتصاراً لشرف العائلة!
السهرة التلفزيونية “دولت فهمي التي لا يعرفها أحد”
وحدثت الجريمة بعد أن أخبر كاتب يعمل في النيابة من قرية دولت، عائلتها، بأن لديها عشيقاً وكان يبيت في منزلها، وبعد أن تأكدوا من شهادتها المذيّلة بتوقيعها، استدرجوها إلى القرية زاعمين أن خالتها قد توفيت، وعليها أن تذهب معهم لتعزي بها، وعند وصولهم القرية أخذوها للمقبرة لتزور قبر خالتها وهناك قتلوها غدراً.
دولت في الفن والأدب
ومع أن دولت لم تنل حقها نظراً للدور الذي لعبته بإنقاذ الجن من الإعدام الوشيك، فإن تجربتها الوطنية سُردت عبر عدة أعمال أدبية وفنية، أبرزها قصة كتبها المؤلف المصري الراحل “مصطفى أمين” بعنوان “دولت فهمي التي لا يعرفها أحد”.
اقرأ أيضًا: رحيل نوال السعداوي.. رائدة الدفاع عن حقوق المرأة
كما عُرضت قصتها في سهرةٍ تلفزيونية حملت نفس عنوان الكتاب، وقامت بتأدية دورها الممثلة المصرية سوسن بدر، ومؤخراً عُرض فيلم “كيرة والجن” في دور السينما، وحقق إيراداتٍ عالية، والفيلم يتطرق لقصة دولت، وتؤدي شخصيتها الممثلة هند صبري، علماً بأنه يحمل اسم الشخصيتين الرئيسيتين به؛ فالجن نسبة لعبدالقادر شحاتة الجن.

أما كيرة؛ فهو “أحمد عبد الحي كيرة” طالب طب مصري كان يبلغ من العمر 28 عاماً، أصدرت المخابرات البريطانية منشوراً تطالب فيه بالقبض عليه حياً أو ميتاً، بعد أن علمت أنه يصنع متفجراتٍ لصالح الجهاز السري للثورة، من خلال مواد كان يجلبها من معامل مدرسة الطب، إلا أن كيرة تمكن من الهروب إلى إسطنبول، وهناك جرى قتله من قبل ثلاثة عملاء للإنجليز، ومثّلوا بجثته.