الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

دولة الجهاديين في إفريقيا.. حلمٌ يتحقق أم سراب صعب المنال؟!

إفريقيا أضحت بيئة خصبة لاستقطاب جماعات العنف والتطرف وبخاصة تلك العابرة للحدود والقارات

كيوبوست- عبد الجليل سليمان

في عام 2021، أفاقت الأمم المتحدة والدول الغربية من غفوتها، فانتبهت إلى ما أسمتها بالتهديدات الجديّة لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، وهي فرعٌ من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQIM)، كانت حينها قد مدّت ظلال أنشطتها الإرهابية، متجاوزة مالي والنيجر وبوركينا فاسو وساحل العاج، إلى غانا وتوغو وبنين، فكيف انتهى المطاف الدموي الرهيب لهذه الجماعة بعد 15 عاماً من بذر نواتها الأولى على أرض الجزائر؛ إلى ما يقرب من 1300 ميل جنوباً، لتشكل الآن تهديداً خطيراً على الأمن القومي لجميع دول غرب إفريقيا الساحلية؟

خلال عقود طويلة، ومسيرة مضنية ومُتأرجحة، تمكّن تنظيما القاعدة، والدولة الإسلامية (داعش)، والجماعات المرتبطة بهما مثل؛ بوكو حرام وغيرها من الحركات المتطرفة، من استثمار هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية، واستغلال الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، لينفذوا إلى شمال إفريقيا ويكتسبوا مواطئ أقدام جديد في عمق الصحراء والساحل الإفريقيين، ويمثلوا تهديداً مُتقدماً للأمن الإقليمي والدولي في مساحاتٍ جغرافية شاسعة، فيما كان المجتمع الدولي مشغولاً عن نفسه في العراق وأفغانستان، قبل أن يخرج منهما بخُفيّ حُنين.

اقرأ أيضاً: تفجيرات نيجيريا.. صراعٌ ديني أم استحقاقٌ انتخابي دموي؟

صعود وتوسُّع وتمكُّن الحركات الجهادية المتطرفة في شمال إفريقيا والساحل، بلغ أن حلَّ بعضها مكان الحكومات الهشة والضعيفة، كما في مالي والنيجر، فصارت تحكم مساحات مُقدّرة منها، وتفرض سلطتها القاهرة على سكانها رغم أنوفهم، كما أصبحت قادرة على التكيُّف مع الديناميكيات المتغيرة، واختراع نسخ جديدة منها تتواءم مع الأوضاع المستجدة، لذلك فمن الصعوبة بمكان هزيمتها بالقوة العسكرية القاهرة، لقد تأخر الأمر كثيراً، وربما صار يتطلب دفع الحركات الجهادية نحو الحوار والاندماج، وفتح خطوط التواصل، مع الاحتفاظ بخيار القوة، كما يرى كثير من المراقبين.

اقرأ أيضاً: النيجر.. يد ممدودة للسلم وأخرى تضرب من حديد

لا شك أن الناظر إلى جغرافيا التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، سيرى بوضوح مدى انتشارها، حيث يسهل التنقل عبر الحدود بين الدول لعدم وجود عوائق طبيعية أو تضاريس قاسية، وللتداخل الديمغرافي الكثيف بين الدول، فضلاً على تردى الأوضاع الاقتصادية، وهشاشة وضعف القوات الأمنية، وفساد الحكومات والتدخل الأجنبي الكبير في شؤون الدول الإفريقية، الأمر الذي كرّس حالة من الغُبن والحنق ضد الحكومات الوطنية، لكن هذا لا يؤشر إلى نوايا تلك التنظيمات إلى تأسيس دولة إرهابية موحدة في المنطقة، لأنها تعلم استحالة ذلك، لكني -والحديث لا يزال لعُمر- لا أستبعد أن يكون لدى بعضها خطط للاستيلاء على الحكم، والسيطرة على بعض الدول الأكثر هشاشة، مثل مالي والنيجر، ربما.

دورية لحركة “الشباب الصومالية” جنوب العاصمة مقديشو- رويترز

سيادة القاعدة

إلى ذلك، أشار تقرير للكاتب كاليب فايس، تحت عنوان “جدل التفاوض والعسكرة: تكتيكات تمدد “القاعدة” من المغرب العربي إلى غرب إفريقيا“، عرضه مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يوليو الجاري، إلى إمكانية استغلال تنظيم القاعدة ما أطلق عليها هشاشة الجغرافيا السياسية لمنطقة الساحل والصحراء، لتحقيق هذا القدر من التوسع في دول المنطقة، وذلك من خلال خمس آليات، بدءاً من خلق علاقات صداقة مع المجموعات المسلحة التي تعمل في خضم الصراع الدائر في المنطقة، ودمج أنفسهم في المجتمعات التي يوجد فيها المسلحون، واستغلال مظالم المجتمعات لكسب تعاطفها، ومواجهة المعارضة الداخلية أو الخارجية لها بشكلٍ سلبي أو عدواني، والتطلع إلى تخليق مجتمعات جديدة بمجرد ترسيخ قاعدتها، حيث أدى الاندماج الاجتماعي المتزايد داخل منطقة الساحل إلى ضخ مزيد من المجندين المحليين في تنظيم القاعدة؛ ومكّن من إنشاء كتائب محلية عديدة في أواخر هذا العقد، وبداية الألفية الجديدة.

اقرأ أيضاً: بعد الانسحاب الفرنسي.. كيف ستبدو خارطة الإرهاب في مالي والساحل؟

ومع اندلاع تمرد الطوارق، يقول التقرير، انتهز تنظيم القاعدة الفرصة لزيادة الاندماج في شمال مالي، حيث دعم الطوارق بالسلاح للاستيلاء على نصف البلاد في منتصف عام 2012، وبحلول عام 2017 -وفقاً للتقرير نفسه- بلغ التنظيم ذروته باندماج جماعات أنصار الدين، ومجموعاتها الفرعية، والجناح الصحراوي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والمرابطين، في جماعةٍ واحدة تحت اسم “نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM) التي استطاعت ترسيخ نفسها في المجتمعات المحلية، بشكلٍ أعمق.

د.منير أديب

من جهته، اعتبر الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، أن إفريقيا أصبحت الآن بيئة خصبة لاستقطاب جماعات العنف والتطرف، بخاصة عابرة الحدود والقارات، فقد نجحت داعش في اختراق القارة السمراء، ووصلت إلى العديد من الدول، وهناك جماعات محلية وإقليمية أعلنت مبايعتها لها، مثل بوكو حرام، وجزء من جماعة الشباب الصومالية في شرق القارة، وقد تكون الجماعة السلفية للدعوة والقتال ضمن هذه الجماعات المُبايعة لداعش.

اقرأ أيضاً: مثلث الإرهاب.. عودة داعش إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو

يضيف أديب، ويستطرد في حديثه لـ”كيوبوست”، لقد نجح داعش في إقامة دولته في يونيو 2014، قبل أن تسقط في مارس 2019، الأمر الذي أثّر بصورة كبيرة على نشاطه في إفريقيا، وساهم في تمدد تنظيم قاعدة الجهاد الذي بدأ في تصدر المشهد الجهادي في إفريقيا عموماً، وفيما فشل داعش أثناء وجود دولته في العراق والشام، وبعد زوالها، في الوصول إلى التنظيمات الإرهابية المحلية والإقليمية الرئيسة في القارة، تمكن تنظيم القاعدة، ولا يزال، من تصدر المشهد الجهادي في إفريقيا.

وعزا أديب ذلك إلى ما سمّاه بتوافق هوى تلك التنظيمات المحلية مع أيديولوجيا القاعدة، ما أتاح له وجوداً كبيراً في القارة، بخلاف داعش، حيث تتمدد من الصحراء الكبرى إلى الساحل إلى شرق إفريقيا، وظلت التنظيمات الإفريقية المحلية وفيّة لعلاقتها ولولائها له حتى الآن.

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبد الجليل سليمان

مراسل السودان

مقالات ذات صلة