الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة
دليل الفيلسوف للتحولات الفوضوية
أرسطو لديه إطار عمل يساعد على فهم مشترك للتحول الرقمي

كيوبوست- ترجمات
بيا لوريتزن♦
ماذا لو كانت أحدث الأفكار حول كيفية الحديث عن تحولات القرن الحادي والعشرين لم تكن متوفرة في البرامج الحوارية ودراسات الماجستير في إدارة الأعمال؛ بل في أعمال فيلسوف ولد قبل 2500 عام؟
بهذا السؤال، بدأت الدكتورة في الفلسفة والمؤلفة بيا لوريتزن، مقالها الذي نشره موقع “استراتيجي آند بزنس”، مؤخراً.
تقول لوريتزن إن أرسطو ميَّز في كتابه الأول “الميتافيزيقيا” وكتابه السادس “الأخلاق النيقوماخية”، بين الخبرة والعلم والحكمة والحصافة. وترى أن هذا التمييز يمكن أن يوفر إطاراً بسيطاً لفهم ما أطلقت عليه تسمية “القسم الأوسط الفوضوي للتحول”؛ وهو المساحة غير الواضحة وغير المؤكدة بين الماضي والمستقبل، وبين النظرية والتطبيق التي تميز المؤسسات في عملية التحول إلى شيء جديد. ولعبور هذه المساحة الفوضوية يجب على قادة هذه المؤسسات فهم كيفية مساهمة مجالات المعرفة المختلفة في التحول، ومساعدة موظفيهم على الاندماج والمساهمة في هذه العملية.
اقرأ أيضاً: إلى من يهمه الأمر.. دراسة الفلسفة ليست ترفاً!
وفي مجالات المعرفة الأربعة التي حددها أرسطو، عادة ما يرغب المرء في أن يكون في مجال الحكمة؛ ولكن يجب على القادة تحفيز من سينفذون التحول من خلال البدء من مجال الخبرة واستخدامه كمنطلق للاستفادة من المعرفة التي تقدمها المجالات الثلاثة الأخرى لدفع التحول إلى الأمام.
الخبرة
في مجال الخبرة، يبني الناس فهمهم للتحول على نظرة وفهم عملي لتاريخ وثقافة الشركة، وتشير الكاتبة إلى سؤال طرحه أحد المشاركين في ندوة أقامتها “كيف يمكن لشركة معروفة بتجنبها للمخاطر على مدى تاريخها أن تتبنى نهج المرونة الذي يعد أكثر تعرضاً للمخاطر؟”.
يقر السائل ويقبل أن الشركة بحاجة إلى تبني المزيد من المرونة؛ ولكنه لا يظهر أية رؤية أو اهتمام بشأن سبب حاجتها إلى ذلك. وسواء أكان السائل يثق بقرار الإدارة العليا بتبني المرونة أم كان لديه أسباب أخرى لتجاهل “السبب”، فمن الواضح أنه يريد معرفة “كيف”. وكثيراً ما يتجاهل القادة هذا الأمر؛ وهذا يمكن أن يكون خطأ مكلفاً. وإذا افترض القادة أنهم يعرفون الأسئلة التي يحتاج موظفوهم إلى إجابات عنها من أجل الدفع قدماً بعملية التحول بدلاً من الاستماع إلى أسئلتهم بالفعل، فإن مبادراتهم لن تكون فعالة إلا بقدر ضئيل.
وإذا لم يكن الموظفون مهتمين بسبب التحولات، ويفتقرون إلى المعلومات حول كيفية تحقيقها فإنهم سيشكلون مقاومة لها. وما لم تتماشَ الرسالة مع طريقة تفكير الموظفين فسوف يتجاهلونها أو يحاولون تقويضها.

العلم
الأمر المهم هو أن يتفق الناس على المشكلات التي يجب معالجتها، وليس على كيفية التحدث عنها. وفي مجال العلم، يطرح الناس أسئلة يبتغون من ورائها فهم أسباب توجه الشركة إلى التحولات التي تقوم بها. ومن الأمثلة هذه الأسئلة: “تم وضع منهجيات مرنة في مجال تطوير البرمجيات، وأصبحت بمثابة المعيار الذي تتجه نحوه الشركات العاملة في مختلف المجالات، لماذا حدث هذا الانتشار؟ وهل تعتقد أنه منطقي؟”.
بدأ المحاضر إجابته عن هذا السؤال بقوله: “أنا أفهم المرونة على أنها سياسة أقل تشدداً، بينما تجزئة الحلول والطرق الأخرى قد تكون ملائمة في قطاع معين دون غيره”.
هنالك افتراض مسبق بأن السائل لديه إلمام بالأطر العامة والطرق، ويعرف ماذا يعني مصطلح تجزئة الحلول وغيره من المصطلحات. ومع ذلك لا تُظهر الإجابة أي إدراك عميق للظروف العملية التي يحدث فيها التحول. والقادة الذين يستخدمون لغة وتعابير الاستشاريين المتخصصين عند إجابتهم عن أسئلة موظفيهم يخاطرون بإرسال رسائل مفادها أنهم مهتمون بمناقشة المشكلات النظرية أكثر من اهتمامهم بإيجاد الحلول العملية. وللمساعدة على التوصل إلى لغة مشتركة، يجب على القادة سد الفجوة بين الموظفين الذين يعرفون الأطر النظرية وأولئك الذين لا يعرفونها، واستخدام الكلمات التي يفهمها الجميع. على سبيل المثال؛ بدلاً من استخدام مصطلح المرونة، يمكن للقادة الحديث عن فهم احتياجات العملاء المتغيرة والتكيف معها.
الحكمة
يختلف مجال الحكمة عن مجالات المعرفة الأخرى كونه يعتمد على مفردات مختلفة بالكامل. وللعثور على الحكمة في شيء جديد تماماً بالنسبة إلى الجميع مثل التحول الرقمي؛ يبحث القادة أحياناً عن الإلهام عند قادة الفكر الذين يكتشفون طرقاً جديدة في التفكير وفي الحديث عن التحولات بدلاً من تدريس النظريات القائمة. وعادة ما يستخدم الأشخاص الذين يمثلون مجال الحكمة ألفاظاً وتعابير من مجالات مهنية غريبة عن المؤسسة المعنية. خُذ على سبيل المثال تعبير “القيادة المتجددة”؛ وهو تعبير وضعته خبيرة الاستدامة لورا ستورم، ووصفته على أنه: “أنا أرى فجر منطق جديد في القيادة، وجيل جديد من القادة. وسرّهم هو أنهم يطبقون منطق الحياة نفسه على طريقة إدارتهم لمؤسساتهم”. وقد ولد هذا المصطلح في عالم المدافعين عن البيئة؛ ولكنه انتشر إلى مجالات أوسع. يمكن للمصطلحات التي يستخدمها مَن يمثلون مجال الحكمة أن تكون غير مفهومة بالنسبة إلى الموظفين، وبالتالي يصعب ترجمتها إلى أفعال على أرض الواقع. وهذا لا يعني أنه لا ينبغي للقادة أن يستقوا إلهامهم من المفكرين المجردين؛ بل يعني أنه يجب عليهم ألا يفترضوا أن هؤلاء المفكرين سيكونون مصدر إلهام لموظفيهم أيضاً.
اقرأ أيضاً: عبارات فلسفية رائجة- 9 “المعرفة قوة”.. فرانسيس بيكون
الحصافة
في مجال الحصافة (الأحكام الجيدة)، لا يعتمد الناس على الأطر النظرية ولا على ترجمة المبادئ الأساسية للتوصل إلى فهم التعقيدات؛ بل يلجؤون إلى الإلهام الذي يحصلون عليه من خبراتهم اليومية ومن الاستشاريين وقادة الفكر للحديث عن التحولات بلغة يفهمها الجميع.
ومن الأمثلة على ذلك ملاحظة أبداها أحد المشاركين في الندوة، تقول: “من واقع خبرتي، فإن أكبر تهديد للتغيير هو الانشغال. هنالك نوع من المقاومة ضد التراخي في جداول عملنا وخططنا. ولا يزال التوقف يعتبر هدراً للإمكانات وغير منتج. ونحن نستثمر كثيراً في التغيير؛ ولكننا لا نتيح الوقت الكافي للتعلم. ما رأيك في ذلك؟”، ينم هذا السؤال عن نظرة ثاقبة للمبادئ الأساسية للتحولات الفعالة دون ذكر المفاهيم النظرية؛ مثل “المرونة” و”تجزئة الحلول” وغيرها من المفاهيم الأجنبية.
وهذا السؤال يقدم حلاً في حد ذاته، والقادة الذين يستمعون بعناية سوف يستجيبون بمنح الناس الوقت الكافي للتعلم والتكيف.
وكثيراً ما تفشل التحولات؛ لأن القادة لا يلحظون أهمية دعوة أشخاص يحملون طرقاً مختلفة في التفكير للانضمام إلى محادثة مشتركة عن التحول. لا يمكن أن يوجد أي مجال من مجالات المعرفة الأربعة دون الثلاثة الأخرى التي يعتمد عليها القادة في اجتياز الجزء الأوسط الفوضوي من التحول.
وكما يقول أرسطو: “كل التعليم يأتي من المعرفة الموجودة بالفعل”. ولذلك لا ينبغي للقادة تقديم أطر عمل جديدة والترويج لها أثناء قيادة التحولات. وبدلاً من ذلك عليهم مساعدة موظفيهم على مشاركة معارفهم وخبراتهم الموجودة بالفعل والتعاون على تحويلها إلى طرق جديدة في العمل.
♦بيا لوريتزن: مستشارة إدارية ومؤسسة مشاركة في شركة “كيوفيست”، تحمل درجة الدكتوراه في الفلسفة، ولها عدة مؤلفات في القيادة والإدارة.
المصدر: استراتيجي آند بزنس