الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
دلالات وتداعيات إنهاء عمليات “برخان” ضد الجهاديين في منطقة الساحل
مقتل إدريس ديبي رجل فرنسا القوي في المنطقة وانقلاب قادة الجيش في مالي أبرز ما يقف خلف هذه الخطوة

كيوبوست- عبد الجليل سليمان
ما إنْ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس الماضي، سحب قواته التي تقاتل متطرفين إسلاميين في مالي بمنطقة الساحل والصحراء المضطربة بغرب إفريقيا، وإنهاء مهام قوات “برخان” لمكافحة الإرهاب، حتى تباينت ردود الفعل الداخلية في جمهورية مالي، ومنظومة دول الساحل والصحراء، والخارجية.
وبينما يرى البعضُ في الانسحاب ضربةً للجيش المالي، وجيوش دول منطقة الساحل والصحراء بشكل عام، فإن ماكرون نفسه، ورغم انتقاده حكومات دول منطقة الساحل، واصفاً إياها بأنها تواصل التفاوض مع المتشددين الإسلاميين؛ فقد أكد أن باريس بصدد إطلاق تحالف دولي أكثر اتساعاً وتنوعاً لمواجهة الجهاديين في هذا الإقليم، وأن العمليات العسكرية الفرنسية لمكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا، سيتم دمجها في مهمة دولية أوسع، على أن تكتمل تفاصيل الخطة الجديدة الموسعة بنهاية يونيو الجاري.
اقرأ أيضاً: أبوبكر شيكاو الإرهابي الأكثر وحشية.. هل مات منتحراً؟
سلسلة من التغييرات
وشهدت المنطقةُ خلال الأشهر القليلة الماضية تغييراتٍ سياسية جوهرية في أهم دولتَين، بدأت باغتيال الرجل القوي في المنطقة، والمحارب الرئيس للحركات الجهادية المتشددة الرئيس التشادي إدريس ديبي، وانقلاب العقيد هاشمي غويتا، على الرئيس المنتخب بوبكر كيتا، في جمهورية مالي، ثم جاء الإعلان الفرنسي بسحب قوة “بارخان” التي تضم أكثر من 5 آلاف جندي فرنسي؛ حيث بادرت فرنسا تدخلها العسكري المُعلن في المنطقة أعقاب سيطرة الإرهابيين على شمال مالي في 2012، بعملية “سيرفال” التي أُعلن عن انتهائها ونقل صلاحياتها إلى بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي “مينوسما” في 31 يوليو 2014، بيد أنه ومع استمرار التهديدات الإرهابية، أطلقت فرنسا عملية “برخان” في بداية أغسطس 2014، وها هو ماكرون يشيعها بحلول يونيو 2021.
ورطة فرنسا

تقول الباحثة السياسية المُتخصصة في الشؤون الإفريقية الدكتورة ريم أبو حسين ظاهر، إن التفسير الظاهري لإعلان الرئيس الفرنسي إنهاء عملية “برخان”، واستبدال أخرى بها تضم طيفاً أوسع من قواتٍ دولية، أنه عقاب على قادة الانقلاب الأخير في جمهورية مالي بفرض وقف التعاون العسكري مع الجيش المالي، والأحداث التي جرت في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة تشي بأن فرنسا باتت في ورطة كبيرة، حسب أبو حسين التي لخصت ما يحدث في عدة نقاط:
أولاها، تنامي الأصوات المعارضة للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة والمشاعر المعادية لها، ويتمثَّل ذلك في تعدد التظاهرات الشعبية المناهضة لها في الآونة الأخيرة؛ خصوصاً في مالي، بجانب كلٍّ من بوركينا فاسو والنيجر؛ وبالتزامن مع الزيادة المطردة في اعتداءات المجموعات الجهادية التي تدفع الجيوش الوطنية الثمن الأكبر لها، فضلاً عن وقوع ضحايا بين المدنيين في كثيرٍ من الأحيان.

اقرأ أيضاً: ترحيب دولي بانضمام الإمارات إلى جهود مكافحة الإرهاب في إفريقيا
واعتبرت أبو حسين أن مقتل رجل فرنسا القوي في المنطقة؛ الرئيس التشادي إدريس ديبي، يمثل سبباً قوياً لدفع فرنسا للإعلان الأخير؛ حيث اعتمدت بشكل أساسي على جهوده في مكافحة وقتال الجماعات المتشددة منذ إطلاقها عملياتها، عام 2012، فضلاً عن استعداد الرئيس الفرنسي لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2022، ومحاولته كسب الناخبين الفرنسيين؛ خصوصاً بعد تعالي الأصوات المطالبة بعودة القوات الفرنسية من منطقة الساحل، وعدم اقتناعهم بجدوى وجودها هناك.
الحوار مع الجهاديين
ولفتت أبو حسين إلى أن قمة دول مجموعة الساحل التي التأمت في العاصمة التشادية إنجامينا، في فبراير الماضي، شهدت ترويجاً كبيراً لإمكانية المبادرة بمفاوضات مع بعض الجماعات الجهادية، كطريق محتمل نحو إيجاد حل سياسي لأزمة الساحل، رغم أن الفكرة ليست جديدة؛ إذ تم طرحها من قبل في عهد الرئيس المالي السابق بوبكر كيتا، وأعلن الإمام ديكو، أحد قادة المعارضة المالية، تأييده لها؛ مما يشي بأن العمليات العسكرية التي تضطلع بها (برخان) لم تؤتِ ثماراً على أرض الواقع، حيث لم يتحقق انتصار عسكري حاسم ضد الجهاديين يوقف أو يحد من نشاطهم؛ بل على العكس تماماً تفاقمت حالة عدم الاستقرار في مناطق العمليات، مما دفع السكان المحليين إلى تنظيم العديد من التظاهرات المُنددة بالوجود الفرنسي في المنطقة المأزومة.

بالنسبة إلى “أبو حسين”، فإنه لا بد من طرح مسارٍ للحل السياسي يصاحب العمليات العسكرية، كما حدث في أفغانستان بين الجيش الأمريكي وحركة طالبان التي قاتلته لعقود طويلة؛ لكن ذلك لم يحل دون الحوار بينهما، وأسفر عن اتفاق للسلام، لذلك -وحسب الباحثة نفسها- فإن الأفضل لدول منطقة الساحل هو تعزيز الحل السياسي؛ بدءاً بالحوار مع الجهاديين، والتخفيف من حدة الفقر، والتفرغ لبناء الدول بالاستثمار في التنمية، والعمل على بناء المؤسسات الديمقراطية، وإشراك السكان المحليين في التخطيط لمستقبل مناطقهم.
اقرأ أيضاً: إدريس ديبي.. سيرة حافلة بالمغامرة ونهاية دموية غامضة!
مُعضلة مالي
من جهته، قال الباحث والمحلل السياسي المهتم بالشؤون الإفريقية، عبدالله أحمد جرمة، في حديثه إلى “كيوبوست”، إنه ربما يتوقف المحللون حائرين أمام تشابك الأزمة في مالي، وتداعيات أزمة الحكم هناك من حيث تنوع الغرماء وأنماط الصراع، والخروج بتحليل متماسك لأصل الأزمة؛ خصوصاً أن جمهورية مالي اشتهرت بالانقلابات؛ حيث شهدت أولها عام 1968 بقيادة الملازم موسى تراوري، إلى أن أُطيح به سنة 1991، لتقع البلاد مجدداً في دائرة الانقلابات العسكرية.

ما يهم هنا -يواصل جرمة حديثه إلى “كيوبوست”- هو موقف كلٍّ من فرنسا و”الإيكواس”؛ حيث ظلت الأولى تلعب دوراً مُهماً على الصعيد السياسي في دولٍ بعينها في غرب ووسط إفريقيا، ترتبط معها بمصالح متشابكة؛ حيث يميل معظم المحللين إلى أن الانقلاب الأخير أفقد فرنسا وجودها، ما دفع ماكرون إلى رفض العملية الانقلابية في مالي وعزمه على سحب قواته من غرب إفريقيا، وليس أدل على أهمية الموقف الفرنسي أكثر من تصريح الرئيس ماكرون بأن الجماعات الإسلامية المسلحة سوف تنشط هناك، وبالتالي سيكون من الصعب على بلده التدخل بصورة لا تؤدي إلى تشويه صورتها. أما “الإيكواس”، وهي منظومة اقتصادية لدول غرب إفريقيا؛ فقد سارعت بإدانة الانقلاب، لكنها نجحت في التوسط لدى الانقلابيين من أجل إطلاق سراح الرئيس المُطاح به وآخرين.
جماعات وعرقيات متناحرة

هناك جانب آخر من الأزمة يتمثل في الجماعات المسلحة في شمال مالي وشرقها، وأبرزها “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” في شمال البلاد، والتي تقول إنها تناضل من أجل الاستقلال عن مالي، وتتلقى دعماً متواصلاً من الجزائر، فضلاً عن وجود مقر لتنظيمَي داعش والقاعدة، هذا عدا الصراع الدموي التقليدي بين مجموعتَي الفولان والدوغون القبليتَين. ورغم أن جماعة الأزواد حصلت على تمثيلٍ رمزي في الحكومتَين السابقة والحالية؛ فإن تغيير التوازنات على الأرض قد يؤدي إلى عودتها إلى المربع الأول. أما الجماعات الإسلامية المتطرفة، فإن الأمر وصل بها إلى تطبيق ما تعتقد أنها تشريعات إسلامية في مناطق نفوذها.
اقرأ أيضاً: الوجود التركي في غرب إفريقيا بين ضربات القراصنة والرفض الشعبي
يختم جرمة حديثه إلى “كيوبوست”، قائلاً: بقي أن نشير إلى أن خروج فرنسا كلاعبٍ أساسي من رقعة الشطرنج الإفريقية سياسياً واقتصادياً، وعزم البنك الدولي والولايات المتحدة و”الإيكواس” وقف التعامل مع الانقلابيين.. فإن كل ذلك، وغيره مما خفِي، قد يؤزِّم الوضعَ على الأرض في مالي وقد يمتد أثره إلى دول الجوار.