الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
دلالات زيارة أنجلينا جولي إلى اليمن

كيوبوست
استطاعت النجمة السينمائية الأمريكية أنجلينا جولي، لفت أنظار العالم إلى اليمن فور وصولها إلى مطار عدن الدولي، جنوب اليمن؛ في زيارة تهدف إلى تسليط الضوء على الحرب الكارثية في البلاد. الحرب اليمنية حرب منسية بالفعل؛ ويخضع فيها ملايين السكان للقمع، ويتعرضون إلى أزمات كارثية، وهذا ما أثبتته زيارة أنجلينا جولي، التي أحاطت بها هالة من الغموض فور توجهها إلى صنعاء؛ حيث يسيطر المتمردون الحوثيون على النسبة الكبرى من السكان.
لا تقوم أنجلينا جولي بهذه الزيارة بوصفها نجمة سينمائية عالمية فقط؛ بل أيضاً كونها المبعوثة الخاصة للمفوضية المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. وتأتي زيارتها قُبيل مؤتمر التعهدات السنوي لليمن في 16 مارس، علّ زيارتها تسهم في حشد الدعم المتناقص بشدة لليمن. وانطلاقاً من هذه المهمة، توجهت جولي لزيارة أحد مواقع النزوح بمحافظة لحج، جنوب اليمن؛ حيث التقت بعض الأُسر النازحة واستمعت إلى معاناتها. سبق أن قالت أنجلينا جولي، على صفحتها عبر “إنستغرام”: “سأبذل قصارى جهدي على أرض الواقع في الأيام المقبلة”.
اقرأ أيضاً: تصدير الموت والجريمة إلى اليمن
ومن لحج عادت جولي إلى عدن، ومنها توجهت إلى صنعاء، العاصمة اليمنية التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون. وفي حين أن زيارتها في الجنوب حظيت بتغطية إعلامية، فإن زيارتها إلى صنعاء خضعت للتعتيم الإعلامي المنهجي الذي يمارسه المتمردون. لم يصل إلى الإعلام والصحافة أي شيء بشأن نتائج زيارتها في صنعاء، وبالكاد عُلِم عن مغارتها صنعاء يوم الثلاثاء، الثامن من مارس، وفقاً لمصادر محلية.
لفتة لوضع المرأة
ربما تأتي زيارة أنجلينا جولي إلى اليمن للفت النظر إلى النازحين واللاجئين والأزمة الكارثية في اليمن بشكل عام؛ لكن للزيارة دلالات أخرى كثيرة أيضاً، أهمها تسليط الضوء على دور المرأة، فقبل كل شيء تعتبر أنجلينا جولي مثالاً شهيراً عن المرأة الناجحة؛ حيث حصلت على عدة جوائز؛ بينها الأوسكار، كما تم اختيارها عدة مرات لجائزة المرأة الأكثر تأثيراً على مستوى العالم. كل تلك الإنجازات تعبِّر عن قدرة النساء على صنع التغيير وتحقيق الطموح، ويمكن أن تكون إلهاماً تحتاج إليه كل نساء العالم المناضلات؛ خصوصاً في مناطق الصراع والحروب كاليمن.

لدى المرأة اليمنية قصتها البطولية الخاصة بها أيضاً؛ إذ تركت الحرب أعداداً كبيرة من الأرامل واليتيمات، ودفعت بالعديد من النساء إلى حافة الفقر أو التشرد أو النزوح دون معيل أو سند. ومع ذلك، قاوم الكثير منهن الظروف الحالكة، واستمررن في النضال. قليلٌ من النساء فقط تمكنّ من الخروج من براثن البؤس، وما زالت الغالبية العظمى تعاني حياة الحرمان والحرب بصبر لا تعوضه أية جائزة.
في الواقع، للمرأة اليمنية تاريخ طويل من الكفاح، حتى منذ ما قبل الحرب؛ حيث حُرمت الكثير من الفتيات -خصوصاً في الأرياف الواسعة- من التعليم، وتعرضنّ إلى الزواج المبكر، أو التحقن بالعمل في المزارع والرعي أو المهن الأخرى على حساب مواصلة الدراسة أو خوض تجارب مختلفة تمنحهن مستقبلاً أكثر إشراقاً. وفي كل تلك الأحوال، استمرت المرأة في أداء دورها كأم وربة منزل على أكمل وجه. واليوم، لا تأتي زيارة أنجلينا جولي إلا للفت النظر إلى المرأة اليمنية التي تلعب بالفعل دور البطولة؛ لكن من خلف الكواليس.
اقرأ أيضاً: كيف يجعل الحوثيون المرض لصيقاً باليمن؟
الوضع الإنساني
تُعد الأزمة في اليمن إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية على الإطلاق. هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الأموال العاجلة لمكافحة الأمراض وتحسين البنية التحتية؛ لكن، للأسف الشديد، لا تنجح المنظمات الإنسانية سوى في جمع القليل من الأموال التي تحتاج إليها لتنفيذ برامجها. والأسوأ من ذلك هو أنه حتى تلك الأموال لا يتم صرفها في السياق الصحيح، ولا تنجح في تحقيق أهدافها، بسبب الفساد الذي يطغى على عمل المؤسسات الإغاثية المحلية، والضغوط التي يفرضها المتمردون الحوثيون على عمل المنظمات الإغاثية والإنسانية.

هناك احتياج شديد إلى تأمين الناس، ومنحهم الفرصة لكسب لقمة عيشهم من خلال تهيئة البنية التحتية والظروف الملائمة لهم. يمتلك اليمن قوة عاملة شابة كبيرة وقادرة على التعلم بسرعة، كما أن هناك شريحة كبيرة منها تمتلك مهارات حرفية تؤهلها للعمل، ولا تحتاج إلى أكثر من الاستقرار في حده الأدنى والبنية التحتية الملائمة؛ مثل الكهرباء والاتصالات والمياه والغاز والطرق، والظروف الاقتصادية الأكثر ثباتاً، وأهمها استقرار أسعار الصرف.
يُؤمل أن تؤدي زيارة أنجلينا جولي بالفعل إلى لفت نظر المزيد من وسائل الإعلام؛ للتعاطي مع الأزمة اليمنية، ليس كمادة خبرية خالصة؛ بل كقصة إنسانية تستمر معاناتها وتتفاقم يوماً بعد آخر.. قصة تجمع بين البطولة والنضال، وتحتاج إلى تضامن العالم والإنسانية بوصفها قضية إنسانية، وليس التعامل معها من منطلق المصالح السياسية وقوانين العلاقات الدولية وحدها.