الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

دعم إسلام أباد لطالبان يقوّض مكاسب باكستان في مكافحة الإرهاب

كيوبوست- ترجمات

د. زاهد شهاب أحمد♦

أدى استيلاء طالبان على أفغانستان في أغسطس 2021 إلى تقليص نفوذ الهند في الدولة، وهو ما مثل في البداية تطورًا إيجابيًا لباكستان. غير أن باكستان شهدت، في العام الفائت، ارتفاعًا كبيرًا في العمليات الإرهابية، ولا سيّما عودة ظهور الجماعة الإرهابية البارزة المناهضة لباكستان، حركة طالبان باكستان.

بالنظر إلى روابط حركة طالبان الباكستانية مع حركة طالبان الأفغانية، ووجود الآلاف من أعضائها في أفغانستان، تركِّز هذه المقالة على كيفية تعامل إسلام أباد مع “النسخة الثانية” من إمارة أفغانستان الإسلامية لمعالجة مشكلة الإرهاب.

الجدير بالذكر أن القوات الدولية بدأت انسحابها خلال النصف الأول من عام 2021، إثر اتفاق السلام المبرم بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية. حدث هذا دون تسوية سلمية بين طالبان وإدارة أشرف غني. وبينما كانت القوات الدولية تنسحب، بدأت طالبان تدريجيًّا في الاستيلاء على الأراضي الأفغانية، وسيطرت في النهاية على البلاد، دون أي مقاومة كبيرة باستثناء مقاطعة بنجشير.

اقرأ أيضًا: عودة حركة طالبان الباكستانية بعد استعادة طالبان السلطة

وفي حين تعرّضت باكستان لإدانةٍ عالمية بسبب مساعدتها لطالبان على العودة إلى السلطة، لم يكن أمام إسلام أباد خيار سوى الاستمرار في التعامل مع النسخة الثانية من حكم طالبان لأفغانستان. حاليًا، تشعر إسلام أباد بالقلق إزاء الأزمة الإنسانية المتنامية التي تسببت في امتدادها إلى باكستان، وتضغط إقليميًا وعالميًا من أجل تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان. وقد استجاب العديد من الدول للنداء، بما في ذلك الهند والصين. في الواقع، سمحت إسلام أباد بنقل المساعدات الهندية عبر باكستان إلى أفغانستان.

إضافة إلى ذلك، توجد تحديات على الجبهة الدبلوماسية. فبينما حافظت باكستان على وجودها الدبلوماسي في أفغانستان، قررت عدم الاعتراف رسميًا بإمارة أفغانستان الإسلامية الجديدة. تعاون باكستان مع حركة طالبان الأفغانية جعلها في مرمى الانتقادات، وإن كان هناك دولٌ أخرى تتعامل أيضًا مع طالبان، خاصة الصين.

على الرغم من اعتبار طالبان حكومة صديقة في باكستان، فلا يمكن إنكار حقيقة أنها تضمر مشاعر معادية لباكستان. حركة طالبان الأفغانية تعارض ترسيم خط دوراند، ولذلك تقاوم تسييج حدودها مع باكستان. وقد وقع حادث أقدم فيه مسؤول من طالبان على إزالة العلم الباكستاني من شاحنة تحمل مساعداتٍ إنسانية قادمة من باكستان. هذا يدل على أن العلاقة بين طالبان الأفغانية وباكستان ليست خالية من المتاعب، ولكن على الأخيرة التعامل مع الأولى لمعالجة مشكلة الإرهاب المتنامية.

سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان تثير مخاوف من انتعاش الجماعات الجهادية

العلاقة بين الحركتين

في ضوء هذه الخلفية، ومنذ استيلاء حركة طالبان الأفغانية على السلطة، تفاقمت المشكلات الأمنية في باكستان. إن نجاح باكستان في مكافحة الإرهاب لم يكن سهلًا. ففي حين شهدت إسلام أباد انخفاضًا كبيرًا في العمليات الإرهابية في العقد الماضي، فإن استيلاء طالبان على السلطة في البلد المجاور يهدد الآن هذه المكاسب. معلوم أن حركة طالبان الأفغانية تقيم علاقة مع نظيرتها الباكستانية. علاوة على هذا، فهناك مخاطر مرتبطة بولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش داخل باكستان.

منذ إنشاء حركة طالبان باكستان في عام 2007، شاركت في هجماتٍ إرهابية في باكستان. ونتيجة لعمليات الجيش الباكستاني، لجأ أكثر من 6,000 إرهابي من طالبان الباكستانية إلى أفغانستان. وتتضح علاقة حركة طالبان الباكستانية بنظيرتها الأفغانية، حيث أطلقت الأخيرة سراح العديد من سجناء الحركة من السجون الأفغانية أثناء استيلائها على أفغانستان.

استخدمت باكستان مجموعة متنوعة من التكتيكات لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف منذ عام 2001. ولم تعالج باكستان الأسباب الأساسية للإرهاب -مثل التشدد والتطرف- معالجة كافية على الرغم من قدرتها على تقليص تأثير العديد من المنظمات الإرهابية، مثل حركة طالبان باكستان، إلى أدنى حد ممكن.

اقرأ أيضًا: صعود حركة طالبان الباكستانية الجديدة

وهناك مخاوف في باكستان من أن فوز طالبان في أفغانستان قد يدفع الإسلامويين الباكستانيين إلى الدعوة إلى التطبيق الكامل للشريعة. ووفقًا للكاتبة والمحللة السياسية عائشة صديقة، فإن استيلاء طالبان على السلطة “سيجرّئ جميع الفصائل الدينية المتطرفة في باكستان”. والواقع أن الإسلامويين في باكستان أعربوا بالفعل عن حماسهم لانتصار طالبان، وأرسلوا لهم رسائل تهنئة.

علاوة على ما سبق، لوحظ تزايد نشاط حركة طالبان الباكستانية في باكستان -في شكل جمع الأموال والتجنيد والهجمات- منذ أغسطس 2021. ولم تعد عمليات الحركة تقتصر على المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية سابقًا. ذلك أنها تجمع الأموال عبر الابتزاز في بيشاور، عاصمة خيبر باختونخوا.

وقد عارضت الحركة كلًا من تسييج خط دوراند، وضم خيبر باختونخوا للمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية. وسَّعَت الحركة الإرهابية هجماتها ضد مجموعةٍ متنوعة من الأهداف في باكستان. ومنذ أغسطس 2021، كثّفت تنظيمات أخرى، بما في ذلك ولاية خراسان- داعش، من نشاطها. ويتجلى هذا النمط أيضًا في البيانات الشهرية المتعلقة بالحوادث الإرهابية. انظر الجدول التالي الذي يعرض البيانات المستقاة من موقع “بوابة الإرهاب في جنوب آسيا”.

الشهر عدد الحوادث
أغسطس 2021 46
سبتمبر 2021 30
أكتوبر 2021 38
نوفمبر 2021 28
ديسمبر2021 43
يناير2022 33
فبراير2022 32
مارس 2022 22
أبريل 2022 31
مايو 2022 27
يونيو 2022 30
يوليو 2022 27
أغسطس 2022 29

فشل الهدنة

لقد سعَت الحكومة الباكستانية -على الرغم من هجمات حركة طالبان باكستان- للتفاوض على تسويةٍ سياسية مع الحركة. وساعدت طالبان، ولا سيّما سراج حقاني -النائب الأول لزعيم الحركة منذ عام 2016- في التوسط في هذه المحادثات.

ومع استمرار المحادثات، تخلّت حركة طالبان باكستان عن مطلبها السابق بأن تلغي الحكومة قرارها بالسماح بدمج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية السابقة، وخيبر باختونخوا. ونتيجة لذلك، أعلنت حركة طالبان باكستان هدنة في نوفمبر 2021 بعد أن وافقت الحكومة الباكستانية على إطلاق سراح مجموعة من سجناء الحركة.

الزعيم السابق لحركة طالبان باكستان (في الوسط) مولانا فضل الله الذي قُتل في هجوم أمريكي بطائرة مسيرة على الحدود الباكستانية- الأفغانية- “راديو أوروبا الحرة”

وبالفعل، أفرجت باكستان عن 80 محتجزًا من حركة طالبان باكستان في ديسمبر 2021، وكان هناك اقتراح بإطلاق سراح 46 آخرين. ومع ذلك، علّقت الحركة الهدنة في ديسمبر 2021، متهمةً الحكومة بالفشل في إطلاق سراح 102 من أسرى الحركة، بحلول نهاية نوفمبر 2021.

بالإضافة إلى ذلك، اتهمت حركة طالبان باكستان الحكومة بخرق اتفاق وقف إطلاق النار من خلال القيام بعملياتٍ أمنية ضد الحركة، في لاكي مروات، وسوات، وباجور ودير وسوابي. وقد يعود ذلك إلى عدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرار بشأن إصدار العفو عن حركة طالبان باكستان.

من جانبها، أبدت إدارة رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان رغبتها في استئناف المحادثات مع حركة طالبان باكستان. بحلول الوقت الذي بدأت فيه الجولة الثانية من المفاوضات في فبراير 2022، كانت الحكومة قد أفرجت بالفعل عن 100 محتجز على الأقل من أعضاء الحركة. وحقيقة أن الرئيس الباكستاني، عارف علوي، لم يصدر بعد عفوًا رئاسيًا عن حركة طالبان باكستان لا تزال تُشكِّل عقبة كبيرة أمام استمرار المفاوضات.

تجدر الإشارة إلى أنه هذه الخطوة لم تكن أولوية قصوى لإدارة عمران خان، خلال الفترة من مارس إلى أبريل 2022، لأنها كانت تواجه مشكلة خطيرة تتمثل في إمكانية تصويت حزب معارض بحجب الثقة عن إدارته. نتيجة لذلك، لم يُحرز أي تقدم نحو التوصل إلى اتفاق سلام مع حركة طالبان باكستان، ولم يكن من الواضح كيف ستستجيب الحركة لذلك، في الوقت الذي تواجه فيه الدولة تحدياتٍ سياسية.

اقرأ أيضًا: تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية: بعد عودة طالبان

توقعات قاتمة

من الواضح الآن أن حركة طالبان باكستان لا تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار. في سبتمبر 2022، شنَّتِ الحركة هجومًا في إقليم سوات أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، من بينهم إدريس خان، زعيم بارز مناهض لطالبان، وعضو في لجنة السلام. هذا العدوان قلّص إلى حد كبير الأمل في استئناف هذه المفاوضات في أي وقتٍ قريب.

على الرغم من أن هناك عوامل عدة أدّت إلى فشل مفاوضات إسلام أباد مع حركة طالبان باكستان، فإن أحد العوامل الرئيسة لفشلها هو النظام الحالي في أفغانستان. وفي حين أن حركة طالبان الأفغانية قد سهّلت هذه المحادثات، فليس هناك أي مؤشر واضح على أنها مستعدة لمساءلة حركة طالبان باكستان، إذا لم تحترم وقف إطلاق النار. ومن غير المرجح أن تخضعها للمساءلة نظرًا للعلاقة الوثيقة بين الحركتين.

يبدو أن باكستان فقدت نفوذها فيما يتعلق بالتأثير على حركة طالبان الأفغانية، كما كان الحال خلال العقدين الماضيين، عندما كان معظم قادة طالبان الأفغانية، وعائلاتهم، يقيمون في باكستان.

♦باحث في جامعة ديكين الأسترالية.

(*) يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة