الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
دستور تونس الجديد.. بين رهانات سعيد ورفض المعارضة
القيادي في حركة الشعب هيكل المكي لـ"كيوبوست": عدم المشاركة في الاستفتاء يعني الوقوف في صف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وفي صف عصابة المفسدين

كيوبوست
دافع الرئيس التونسي قيس سعيد، الثلاثاء الخامس من يوليو الجاري، عن مشروع الدستور المقترح؛ رداً على الجدل الكبير الذي أُثير داخل الأوساط السياسية، خصوصاً بعد إعلان رئيس اللجنة الذي كلف بصياغة مسودته الصادق بلعيد، أن النص المنشور لا يمت بصلة إلى المسودة الأولى التي تم تقديمها إلى سعيد. دفاع سعيد يأتي بينما يتواصل السجال بشأن مشروع الدستور الذي سيُطرح للاستفتاء في الـ25 من الشهر الجاري.
وأكد سعيد أن “مشروع الدستور الجديد لا يمس على الإطلاق الحقوق والحريات”، وأن “من تم تهميشه سيسعى إلى وضع النصوص القانونية التي تخرجه من دائرة التهميش والإقصاء”.
وأضاف سعيد أنه “لا خوف على الحريات والحقوق إذا كانت النصوص القانونية تضعها الأغلبية تحت الرقابة الشعبية؛ سواء داخل المجلس الأول أو المجلس الثاني”، ولفت إلى دور “رقابة دستورية القوانين من قِبل محكمة دستورية تسهر على ضمان علوية الدستور، بعيداً عن كل محاولات التوظيف بناء على الولاء”.
كما اتهم سعيد منتقدي الدستور الجديد بأنهم “دأبوا على الافتراء.. وما أبعد ما يروجونه عن الحقيقة”، مضيفاً: “الجميع يعلم ما عانته تونس منذ عقود؛ خصوصاً العقد الماضي.. أفرغوا خزائن الدولة وزاد الفقراء فقراً وزاد مَن أفسدوا إثراء”.
اقرأ أيضاً: هل تحذف تونس مرجعية الإسلام من الدستور؟
آراء وتحفظات
وجاءت تصريحات سعيد رداً على الانتقادات الكثيرة لمشروع الدستور الجديد؛ والتي كان أبرزها ما جاء على لسان الصادق بلعيد، رئيس “اللجنة الوطنية الاستشارية لجمهورية جديدة”، التي كلفها سعيد بصياغة دستور جديد، قدم مسودته إلى الرئيس في 22 يونيو؛ إذ نأى بنفسه عن النص الذي نشره سعيد في رسالة نشرتها صحيفة “الصباح” المحلية، الأحد الثالث من يوليو الجاري.
وقال بلعيد، الذي يعد من أشهر خبراء القانون في تونس، “بصفتي رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية، أُعلن بأسف وبوعي كامل للمسؤولية إزاء الشعب التونسي صاحب القرار الأخير في هذا المجال، أن اللجنة بريئة تماماً من المشروع الذي طرحه الرئيس لاستفتاء وطني”.
ومن بين التحفظات التي أعلنها الصادق بلعيد، أن الرئيس عاد في الدستور الجديد إلى الفصل 80 من الدستور القديم؛ ما يتيح له استخدام صلاحيات واسعة في فترة “الخطر الداهم” في ظروف يقررها بمفرده، مضيفاً أن هذا من شأنه “التمهيد لنظام ديكتاتوري مشين”.

وأثارت تصريحات بلعيد المخاوف بشأن تأثيرها على عملية التصويت على الاستفتاء؛ لأنها تصدر من رجل قانون مهم في البلاد له وزنه، والأهم أنه محسوب على الرئيس، وبالتالي قد يذهب البعض إلى مراجعة موقفه من الدستور بعد هذه المواقف؛ لا سيما أن سعيد يواصل المضي في مشروعه ولا يبدي أي استعداد للقيام ببعض التحويرات التي من شأنها أن تطمئن خصوصاً مكونات المجتمع المدني التي تخشى أن يتم المساس بالحقوق والحريات أو يتم تكريس الشريعة الإسلامية في الدستور؛ وهو ما تم التصدي له سنة 2014 عندما حاولت حركة النهضة إدراجه.
وكانت الجريدة الرسمية التونسية قد نشرت مسودة الدستور الجديد في الثلاثين من يونيو الماضي، ويتضمن المشروع الجديد 142 مادة، ويمنح سلطات واسعة لرئيس الجمهورية، خلافاً لدستور 2014 الذي كان ينص على نظام شبه برلماني.
وتضمن الباب الأول من الدستور الجديد الأحكام العامة؛ وبه 21 فصلاً، حيث نص الفصل الأول منه على أن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، وبيَّن الفصل الثاني أن نظام الدولة التونسية هو النظام الجمهوري. وتم التنصيص في الفصل الثالث على أن الشعب التونسي هو صاحب السيادة يمارسها على الوجه الذي يضبطه هذا الدستور.
اقرأ أيضاً: قيس سعيّد يحلُّ البرلمان “الانقلابي”.. وابتهاج تونسي بنهاية الهيمنة الإخوانية
ونص الفصل الرابع على أن تونس دولة موحدة، ولا يجوز وضع أي تشريع يمس بوحدتها. وبيَّن الفصل الخامس أن تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية.
ويوضح الفصل السادس أن تونس جزء من الأمة العربية، واللغة الرسمية هي اللغة العربية. ووفقاً للفصل السابع، الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي الكبير؛ تعمل على تحقيق وحدته في نطاق المصلحة المشتركة.
وتم طرح مشروع الدستور الجديد وسط انقسام سياسي حاد بخصوص المشاركة فيه؛ إذ أعلنت هيئة الانتخابات التونسية انطلاق حملة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، بمشاركة 170 مشاركاً موزعين بين 26 منظمة وجمعية، و120 شخصاً طبيعياً و24 حزباً في حملة الاستفتاء على الدستور، بينما أعلن بعض الأحزاب على غرار حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحزب العمال وغيرها مقاطعة الاستفتاء.

كما عبَّرت “جبهة الخلاص الوطني”؛ وهي تجمع لأحزاب معارضة تتزعمها حركة النهضة الإسلامية، عن رفضها مشروع الدستور ومقاطعتها الاستفتاء.
لكن في المقابل أعلنت الأحزاب الداعمة للرئيس سعيد؛ على غرار “حركة الشعب” و”التيار الشعبي” و”التحالف من أجل تونس”، تأييدها الاستفتاء وأنها ستصوت بـ”نعم” على الدستور الجديد.
الدستور الأفضل
وفي تصريح لـ”كيوبوست”، أكد القيادي في حركة الشعب هيكل المكي، أن الدستور المنشور من قِبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، “أفضل من مسودة الصادق بلعيد وأمين محفوظ، وأفضل ألف مرة من دستور 2014”.

وقال المكي: “إن النسخةَ التي قدمها رئيس الدولة والمعروضة على الاستفتاء نصٌّ، على عكس دستور 2014، مفتوحٌ ويُسمح بمراجعته وتنقيحه. دستور 2014 كان مصمماً خصيصاً للإخوان، بينما هذه النسخة ليست معدة لقيس سعيد. إذا أراد قيس سعيد البقاء في السلطة إلى الأبد فلن يحد نفسه في الدستور بعدم إمكانية الترشح مرة أخرى”.
واعتبر المكي أن ”عدم المشاركة في الاستفتاء يعني الوقوف في صف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وفي صف عصابة المفسدين والمجرمين”.
أما الكاتب والمحلل السياسي الحبيب الأسود، فقد اعتبر أن الجدل القائم بشأن الدستور، يؤكد أن الاستفتاء سينتهي بالتصويت بـ”نعم” لصالح المشروع المطروح، مؤكداً أن مرحلة جديدة ستبدأ مع قيس سعيد في تونس.
اقرأ أيضاً: تونس.. “النهضة” تجيِّش إعلامييها للنيل من سمعة الجيش
وقال الحبيب الأسود لـ”كيوبوست”: “إن حالة السجال الحاد التي تعيشها تونس حالياً بين مؤيدي مسودة الدستور الجديد ومعارضيها، لن تفرز في النهاية سوى التصويت يوم الخامس والعشرين من يوليو الجاري لفائدة المشروع الذي يدعو إليه الرئيس قيس سعيد. كل ما قيل ويُقال عن دسترة سلطة الفرد ونذر ديكتاتورية ناشئة، لن يغير طبيعة الواقع التي تشير إلى أن شعبية الرئيس التونسي لا تزال في أوجها، وهو اليوم محفوف بنسبة مهمة من أبناء شعبه ترى فيه القائد والزعيم والمنقذ وتصفه بالشجاعة والحكمة ونظافة اليد”.

وأضاف الكاتب والمحلل السياسي: “بالنظر إلى مشروع الرئيس سعيد؛ فكل ما سبق عدم، والبعث الحقيقي للبلاد هو ما سيتشكل وَفق الرؤية التي ستتبلور مع تدشين مرحلة البناء الثوري للجمهورية الجديدة التي ستتمحور حول شخصية الزعيم الملهم والشعب الذي يناصره ويشاركه السلطة من خلال الديمقراطية القاعدية والإدارة التضامنية للاقتصاد وآليات العمل الميداني، التي تشكلت وَفق رؤية تجاوزت كل آليات الأحزاب وحددت منهجاً جديداً للاختراق الفكري والسياسي بالاعتماد على تنظيمات سرية تتحرك في مختلف مناطق البلاد بشكل يبدو أقرب إلى التنظيمات العقائدية قبل الإعلان عن هوياتها ومشروعاتها. ومن الطبيعي أن يتمركز المشروع حول شخصية صاحبه أو رمزه؛ وهو الرئيس سعيد”.