الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
دروس كلاوزفيتز حول الحرب لا تزال صالحة حتى يومنا هذا

كيوبوست- ترجمات
ألكسندر بيرنز
تناولت مقالة في مجلة “ناشيونال إنترست” ما كتبه المُنظّر العسكري البروسي في القرن التاسع عشر، كارل فون كلاوزفيتز، حول تاريخ الحرب الروسية في أوكرانيا في القرن الثامن عشر، مشيرةً إلى أنها تُقدِّم دروساً بالغة الأهمية للاستراتيجيين الذين يدرسون الصراع الحالي في أوكرانيا؛ إذ توضح تحليلاته تلك أوجه التشابه بين الممارسات الروسية في القرن الثامن عشر والحاضر، وتتيح لنا رؤية خط الاستمرارية في الأهداف الروسية.
درسَ كلاوزفيتز الحربَ الروسية- التركية في 1736- 1739، وقدَّم وصفاً للصراع الذي دام أربع سنوات. في هذه الحرب، سعت الإمبراطورية الروسية، بقيادة الحاكمة الإمبراطورة آنا إيفانوفنا، ووزرائها، كما فعل بوتين بعد 278 عاماً، إلى غزو شبه جزيرة القرم واحتلالها. وتلقى السكان المحليون لشبه جزيرة القرم، التتار، دعماً عسكرياً من الإمبراطورية العثمانية التي كانت قوة عظمى في ذلك الوقت.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن احتواء “روسيا بوتين”؟
ثقة وشكوك
تماماً مثل غزو أوكرانيا عام 2022، بدأت حرب القرن الثامن عشر تلك بثقة روسية مفرطة: أكد القائد الروسي، المشير بوركهارد كريستوف فون مونيتش، أن آزوف وشبه جزيرة القرم سيسقطان في السنة الأولى؛ بل إنه حتى القسطنطينية ستكون تحت السيطرة الروسية بحلول عام 1739. لكن، ما أعقب ذلك، في الواقع، كان أربع سنوات من الصراع غير الحاسم، مع غزوات روسية متكررة ونكسات وانسحابات وغزوات جديدة. وبحلول الوقت الذي وضعت فيه الحرب أوزارها، في عام 1739، لم يحقق أي من الجانبَين أهدافه.
لم يكن كلاوزفيتز متأكداً من الأهداف الروسية الحقيقية في الحرب، تماماً مثل المراقبين الغربيين الذين حاولوا فهم دوافع بوتين في وقتنا الحاضر. يقول كلاوزفيتز: “من غير المؤكد ما إذا كانت الإمبراطورة آنا… أرادت غزو شبه جزيرة القرم، أو لمجرد تدميرها… هذا الأخير لم يكن له معنى سياسي يُذكر”. على الرغم من هذا، يعود كلاوزفيتز إلى موضوع الدمار مراراً وتكراراً في النص، موضحاً أن الجيوش الروسية المختلفة، دمرت مناطق العدو.

وخلص كلاوزفيتز في النهاية إلى أن التدابير الروسية كانت في الأساس “وقائية”، أي كوسيلة لتشتيت انتباه [القرم] وإعاقتهم؛ حتى لا يتمكنوا من اتخاذ إجراء عسكري أكثر حسماً. وللمقارنة، أربكت التكتيكات الروسية الحديثة؛ مثل حملة قصف شبكة الطاقة الأوكرانية، المعلقين المعاصرين؛ لكن خبراء مثل جاستن برونك ومايكل كوفمان، يؤكدون أن لديها هدفاً مشابهاً: استنزاف مخزونات أوكرانيا من صواريخ الدفاع الجوي. بعبارة أخرى، في كل من الحرب الماضية والجارية، استخدمت روسيا سياسة تدمير الأهداف المدنية لإحداث الفوضى؛ ما أدَّى إلى إضعاف فعالية الرد العسكري لعدوها.
اقرأ أيضًا: إعادة دمج تتار القرم المسلمين أمر مهم بالنسبة لأوكرانيا
دروس مهمة
لقد كان مفاجئاً لكلاوزفيتز حقيقة عدم وجود استعداد لوجستي من جانب الجيش الروسي في القرن الثامن عشر. وقد أشار إلى أن الروس في حملتهم الأولى “عانوا نقص المياه”، وأنهم “ضعفوا بسبب المرض”، وأن الجيش الروسي افتقر إلى المؤن اللازمة للحملة العسكرية. وأكد كلاوزفيتز أنه في ثلاث من السنوات الأربع من الصراع، أعاقت المشكلات اللوجستية الجهود الروسية، وجعلت المكاسب الدائمة بعيدة المنال. ومرة أخرى، هناك أوجه تشابه مع الحاضر؛ إذ يرى الخبراء في الحرب الحالية في أوكرانيا أن روسيا قد أُعيقت بشكل كبير؛ بسبب أوجه القصور اللوجستية.
أخيراً، أشار كلاوزفيتز إلى أهمية إقامة خط دفاع في حرب 1736؛ حيث وفَّر ذلك للقوات الروسية حدوداً محصنة للانسحاب وراءها، وإعادة تسليحها وإعادة تشكيلها. وأشار كلاوزفيتز إلى أنه في كل فصل خريف، كانت القوات الروسية تعود إلى خطوطها الدفاعية؛ ولكن في كل فصل ربيع كانت تشن غزواً جديداً بقوة بشرية أكثر مما كانت عليه في العام السابق. واليوم، يوفر الردع النووي للقوات الروسية خط دفاع حديث؛ فمع تهديد الأسلحة الذرية، تستطيع القوات الروسية الانسحاب من الحملات التي تفشل، وإعادة التعبئة، وإعادة الانتشار في أجزاء أخرى من أوكرانيا.
اقرأ أيضًا: الحكمة في ضبط النفس مع روسيا
وهكذا، تقدم لنا أطروحة كلاوزفيتز القصيرة حول صراع يبدو غامضاً في التاريخ الروسي في القرن الثامن عشر، دروساً صالحة للتطبيق اليوم؛ أولاً، حتى في الزمن الذي يُركِّز فيه على قواعد الاشتباك وقوانين الحرب، فإن قوات العدو قد تستهدف المدنيين من أجل تشتيت انتباه خصومها وتشكيل الوضع لصالحها. ثانياً، يمكن للمشكلات اللوجستية أن تعيق القوة أكثر من عمليات العدو. ثالثاً، قد لا يكون مركز الثقل الخسائر العسكرية، فخسائر العدو الثقيلة لا تعني دائماً النصر. رابعاً، إقامة خط دفاع لحماية أراضيك من الهجوم، من شأنه أن يتيح الانسحاب وإعادة التعبئة وإعادة الانتشار.
المصدر: ناشيونال إنترست