الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
دراسة: كيف ولماذا يتم تجنيد ذوي الاحتياجات الخاصة في صفوف “داعش”؟

ترجمات-كيوبوست
تشيلسيا دايمون ♦
تم النظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة على مدى التاريخ باعتبارهم ضحايا، إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” قام بتغيير هذه الفكرة من خلال استغلال ذوي الاحتياجات الخاصة لأغراض الدعاية والتجنيد، إلى جانب استخدامهم كمقاتلين داخل صفوف التنظيم. وقد لوحظ أكثر من مرة قيام “داعش” عقب معركة الموصل بتجنيد هؤلاء الناس؛ إما كجنود مشاة وإما كانتحاريين في هجمات العربات المفخخة.
ويمثِّل ذوو الاحتياجات الخاصة لتنظيم إرهابي مثل “داعش” قيمة كبيرة، فهم وقبل كل شيء غير مثيرين للشكوك؛ ما ينتج عنه عمليات إرهابية غير قابلة للتوقع من قِبَل الأجهزة الأمنية. ففي عام 2008 على سبيل المثال، تم استخدام سيدتَين مصابتَين بـ”العته المغولي”، في عمليات انتحارية موجهة عن بُعد داخل أسواق بغداد، ونُسبت هذه العمليات إلى تنظيم القاعدة. بينما صدر تصريح عن جماعة “بوكو حرام” بأن عديدًا من العمليات الانتحارية “كانت تتم بواسطة استخدام مقاتلين من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لأن هؤلاء الأفراد غير لافتين للأنظار، ما يعني القدرة على إتمام عمليات إرهابية تتمتع بعنصر المفاجأة”.
تليغرام
تتمتع المجموعات المستخدِمة لتطبيق “تليغرام” بميزة تعدد الوظائف التي يوفِّرها؛ ومن بينها تمكين الأعضاء من التواصل في ما بينهم ومشاركة المحتوى على الإنترنت والتعليق على المنشورات وكذلك استعراض الأعضاء المنتمين إلى المجموعة نفسها، كما يتيح “تليغرام” خيارًا آخر شديد الأهمية في ما يُعرف بخاصية (الدردشة السرية) التي تُمكن الأفراد من التواصل في ما بينهم بشكل فردي.
ويتيح “تليغرام” للمستخدمين إمكانية الضبط الزمني لمحتوى الدردشة الإلكترونية؛ حيث يتم مسح الرسائل بشكل تلقائي بمجرد قراءتها، وهو بالإضافة إلى ذلك لا يقوم بتخزين محتوى الرسائل السرية؛ مما يجعله خيارًا آمنًا لعمليات المراسلة. وقد أهَّلت تلك المميزات نظام “تليغرام” لأن يكون المنصة المفضلة لدى تنظيم الدولة في عمليات التواصل بين أعضائه.
المحتوى الرقمي لتنظيم الدولة
يعد المحتوى الإلكتروني الخاص بالتنظيم على شبكة الإنترنت خيارًا سهل الاستخدام من قِبَل ذوي الاحتياجات الخاصة؛ حيث يشمل المحتوى الخاص بنظام “تليغرام” وكذلك المعروض على مواقع الإنترنت المفتوحة للتصفح من قِبَل الجمهور. ويتضمن هذا المحتوى مقاطع فيديو وصورًا ومنشورات توضيحية تقوم ببثها مجموعات التنظيم على “تليغرام”. ولوحظ ظهور بعض المنشورات بعد فترة زمنية قصيرة من بثّ مقاطع الفيديو التي تستند إليها هذه الدراسة، وهي لذلك تعد أمثلة غنية على آليات مخاطبة جمهور المنصات الرقمية التي يقوم بها التنظيم، هذا إلى جانب كونها تتيح لنا فرصة تحليل مدى استجابة وفهم الجمهور لبعض النقاط الواردة في مقاطع الفيديو سالفة الذكر.
لقد قُمنا بتحليل 6 مقاطع فيديو تتضمن مجندين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وجدير بالذكر أن هذه المقاطع الستة لا تمثل المحتوى الشامل الذي بثه التنظيم عن تلك الفئة، لكنها على الأقل تمدنا ببعض الفهم لآليات استخدام تنظيم الدولة لهؤلاء الأفراد داخل صفوفه. حيث تم بناء هذا الافتراض من واقع تحليل الطريقة التي ظهر بها ذوو الاحتياجات الخاصة في مقاطع الفيديو، وكذلك الطريقة التي تم التحدث بها عنهم.
اقرأ أيضًا: ترجمات: النشاط الجهاديّ على الإنترنت في أعقاب انهيار “الخلافة”
وتم بث مقاطع الفيديو المشار إليها بين عامَي 2015 و2018، بدايةً من مقطع الفيديو الذي ظهر تحت عنوان “المقدام والمتخاذل عن الجهاد” عام 2015، وتبعه فيديو آخر بعنوان “من داخل الخلافة 6” عام 2016، ثم “من داخل الخلافة 7” عام 2018، وهو الفيديو الذي تم بثه من ولاية البيضاء اليمنية، وتبعه فيديو “بطش الموحدين” و”بطش الموحدين 3″ في العام نفسه.
المقدام والمتخاذل عن الجهاد
جاء بث هذا المقطع على شبكة الإنترنت في مارس 2015؛ حيث أظهر اثنين من المقاتلين الصم يوجهان رسالة خاصة إلى جمهور الصم والبكم في العالم الإسلامي، ويصفان نفسيهما باعتبارهما إخوة لبقية المجاهدين في الدولة الإسلامية. وكانا يمارسان دوريهما كأفراد عاملين في شرطة المرور الخاصة بالخلافة، كما أظهرهما الفيديو يؤديان وظفتيهما، بينما يؤكد أحدهما والمعروف باسم “أبي عبد الرحمن” للمسلمين في أوروبا من العرب وغير العرب أن الطريق مفتوح أمامهم للقدوم إلى أرض الخلافة، وأن الدولة الإسلامية ما زالت تتوسَّع بنجاح.
اقرأ أيضًا: هكذا نجح داعش في جذب المقاتلين الأوروبيين
ويظهر الأخوان في لحظات لاحقة من الفيديو بينما يقومان بأداء دوريهما العسكريين؛ حيث يقومان بإطلاق الصواريخ على ثكنات الباشماركا، ولذلك لا يمكن اعتبار مقطع الفيديو هذا مجرد محاولة لتجنيد الصم والبكم في صفوف “داعش”، بل إنه بالإضافة إلى ذلك يوضح الوظائف والمهام التي قد يقوم بها هؤلاء الناس في حال توافر النية لديهم للقيام بالهجرة إلى أرض الخلافة.
بطش الموحدين
تم بث المقطع الأول من هذا الفيديو في أكتوبر 2018، ثم تبعه المقطع الثاني المعروف بـ”بطش الوحدين 3″ في ديسمبر من العام نفسه؛ حيث تم تصوير كلا المقطعين في إقليم البركة، ويظهران عددًا من المقاتلين من ذوي الاحتياجات الخاصة يحاربون في الصفوف الأمامية، كما يعرض المقطع الأول مشهدًا لا يفارق الذاكرة يُظهِر مقاتلًا ذا رجل واحدة داخل عربة مصفحة يلاقي مصيره المحتوم في الصفوف الأمامية من المعركة، بينما يقدم المقطع الثاني مقاتلًا بذراع مبتورة يقوم باستخدام سلاح أوتوماتيكي خلال الهجمة.
وجدير بالذكر أن تنظيم داعش الإرهابي كان قد استخدم بعض الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة في عمليات الإعدام؛ حيث أظهر بعض الصور التي بثها فرع قناة “الحياة ميديا” (الجناح الإعلامي للتنظيم في ولاية سرت الليبية) مشهدًا غير مسبوق يقوم فيه مقاتل في صفوف “داعش” يظهر على كرسي متحرك، بإعدام أحد الجواسيس المزعومين عن طريق الصلب، بينما يُظهر مقطع فيديو تم بثّه في مايو 2018 مقاتلًا على كرسي متحرك أيضًا، لكنه هذه المرة كان ينفذ حكم الإعدام في ولاية البيضاء اليمنية باستخدام سلاح ناري.
استجابة الجمهور
بعد بث مقطع الفيديو المعروف “من داخل الخلافة 7″، لوحظ زيادة كبيرة في استجابة الجمهور على تطبيق “تليغرام”؛ حيث نشر فريق دعم “تليغرام” الخاص بالتنظيم بعض اللقطات الإلكترونية والصور التي مرت بمرحلة المونتاج توضح بعض المقاتلين من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين ظهروا في مقاطع فيديو رسمية سبق أن بثّها التنظيم، وذلك تزامنًا مع ظهور عبارات في الخلفية تركز على مشاعر التمجيد والفخر، إلى جانب تصدير بعض التعبيرات التي من شأنها دفع جمهور المسلمين من أولئك الذين يتمتعون بصحة جيدة إلى الشعور بالخجل لتخاذلهم عن أداء فريضة الجهاد.
وإذا أردنا التحدث عن قائمة الممارسات الجديدة في مجال الإرهاب، فإن استخدام تنظيم داعش لذوي الاحتياجات الخاصة لابد أن يكون على رأس هذه القائمة؛ خصوصًا ونحن بصدد مشاهدة تغيُّر ملحوظ في الصورة النمطية التي نعرفها عن المقاتلين الإسلاميين. كما عُرف “داعش” أيضًا باستغلاله الأطفال في العمليات الاستشهادية، أي أن تنظيم الدولة قد اعتاد على تجنيد أفراد داخل صفوفه بطريقة مغايرة تمامًا للمفاهيم الشائعة عن شخصية المقاتل. وربما يكون السبب الذي يختبئ خلف هذه الطريقة التي يتبعها “داعش” الآن هو خساراته الفادحة في عدد المجاهدين، هذا إلى جانب المحاولات المستمرة من قِبَل التحالف الدولي لاستئصال التنظيم بشكل نهائي وقاطع، وربما للأسباب السابقة نصبح بصدد تنظيم يستخدم كل الإمكانات والأفراد المتاحين؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
اقرأ أيضًا: أطفال “داعش”.. ضحايا التنظيم أم الحكومات؟
إن استخدام تنظيم داعش الإرهابي مقاتلين غير اعتياديين بما في ذلك استخدامه ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال لابد أن يدفع إلى أشياء عدة؛ من بينها إعادة التفكير في الخطط الأمنية المستخدمة حاليًّا؛ حيث تضيف الطريقة الحالية التي يتبعها “داعش” في عمليات التجنيد تعقيدات جديدة على الصعيد الأمني. وأخيرًا فإن هذه الآليات الجديدة التي يستخدمها “داعش” في تجنيد الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، من شأنها الإشارة إلى أن المقاتلين الاعتياديين ليسوا بالضرورة هم الأفراد الذين يشكلون مصدرًا للخطورة؛ مما يفتح الباب لضرورة القيام بمزيد من البحث والتقصِّي حول هذه الظاهرة.
♦ باحثة متخصصة في الإرهاب، وطالبة دكتوراه في القانون وعلم الإجرام، كلية الشؤون العامة في الجامعة الأمريكية، واشنطن.
المصدر: دورية رؤى حول الإرهاب الصادرة عن جامعة ليدن