اسرائيلياتالواجهة الرئيسيةترجماتفلسطينيات
دراسة أسترالية تكشف معالم “مذبحة أكاديمية” إسرائيلية ضد الفلسطينيين
كيف تعمل إسرائيل على تقويض التعليم العالي في فلسطين؟

ترجمة كيو بوست عن مجلة “جاكوبين” الأمريكية
بقلم الخبير الأكاديمي السياسي الأسترالي نيك ريمر.
تواصلت جهود إسرائيل في شلّ التعليم العالي في فلسطين بشكل مروع في عام 2018، لكن الجديد في الأمر هو أن الجامعات الإسرائيلية عملت كأدوات رئيسة في خدمة أغراض الحكومة الإسرائيلية الرافضة لإنهاء الاحتلال. اتبعت السلطات الإسرائيلية أسلوب العقاب المنهجي ضد الأكاديميين والطلاب الجامعيين الفلسطينيين، وهو ما لم يلق اهتمامًا واسعًا في المنافذ الإعلامية الدولية كغيره من الأحداث المثيرة، مثل المظاهرات وعمليات القتل على الحدود بين غزة وإسرائيل. هذه الاعتداءات الأكاديمية تستحق التوثيق المنظم بغرض الكشف عن طبيعة السحق الإسرائيلي التدريجي الساديّ ضد العملية التعليمية الأوسع في الأراضي الفلسطينية.
اقرأ أيضًا: إسرائيل: تطهير عرقي، وسرقة أراضي، وفصل عنصري ضد الفلسطينيين
تتجلى “المذبحة الأكاديمية” في الممارسات الإسرائيلية الفظيعة الواردة في التقارير المحلية الفلسطينية، والدولية الرسمية كذلك، وقد ارتقت إلى مفهوم “الحصار التعليمي” دون أي مبالغة لغوية على الإطلاق. لقد أجرينا توثيقًا ممنهجًا سلسًا يسرد تلك الممارسات بحق الحياة الأكاديمية الفلسطينية، في ظل تواطؤ مخز من قبل الجامعات الإسرائيلية.
تفيد جميع البيانات أن إسرائيل شرعت منذ عام 1967 بعرقلة وصول الفلسطينيين إلى التعليم العالي. هنالك مئات الحالات الموثقة التي دفعت ثمن الاضطهاد الإسرائيلي دون أي ذنب من جانبها. بعض أولئك جرى اعتقالهم وسجنهم لسنوات طويلة، بينما أُجبر البعض الآخر على ترك مقاعد الدراسة من أجل العمل بعد سجن معيليهم. وفي الوقت ذاته، قتلت إسرائيل المئات من طلاب الجامعات والمدارس؛ فعلى سبيل المثال، كان ثلث الضحايا المدنيين في حرب غزة 2014 من الطلاب. كما أن العمليات العسكرية الإسرائيلية استهدفت المؤسسات التعليمية ودمرت الكثير من مباني الجامعات عبر القصف الجوي. وبحسب إحصاءات رسمية، دمر الاحتلال 66% من منازل طلبة جامعة الأزهر في غزة، إما بشكل كلي أو جزئي.
وقد سجل عام 2018 الكثير من الاقتحامات الإسرائيلية لمباني الجامعات، وسرقة محتوياتها، فضلًا عن إطلاق ذخائر حية على طلابها، واعتقال الكثير منهم.
عام المذبحة الأكاديمية
انتهى عام 2017 وبدأ عام 2018 بهجوم إسرائيلي عنيف داخل حرم جامعة فلسطين التقنية (خضوري) في طولكرم، باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. بينما داهم الجيش حرمي جامعتي أبو ديس وبيرزيت، وعاث فسادًا في معارض كتب ومحتويات طلابية. في الحقيقة، يمكننا استعراض جزء من هذه الممارسات حسب تسلسلها الزمني.
اقرأ أيضًا: كيف تستغل إسرائيل تنظيم “شبيبة التلال” الإرهابي لتحقيق مشاريعها بالضفة؟
في 15 يناير/كانون الثاني، قتل الجيش الإسرائيلي طالبًا في جامعة القدس المفتوحة، يدعى أحمد عبد الجابر محمد سليم. وفي 14 مارس/آذار، أطلق الجيش الرصاص الصلب والغاز السام على طلاب جامعة فلسطين التقنية فرع الخليل. وفي 6 مارس/آذار، اختطف الجيش طالبًا من جنين، وفي 8 مارس/آذار، تنكر جنود مسلحون بزي مدني ودخلوا إلى جامعة بير زيت واختطفوا رئيس مجلس الطلبة عمر الكسواني. وفي 23 نيسان/إبريل، أغلق الجيش كليتين مهنيتين في منطقة القدس. وفي 24 نيسان/إبريل، جرى اعتقال عميد الطلبة في جامعة بيت لحم، محمود حماد. وفي 25 نيسان /إبريل، اختطف الجنود الطالبة الجامعية ابتهال خضر إبريويش، قبل أن يغلق مداخل حرم جامعة خضوري فرع الخليل ويمنع موظفيها وطلابها من الدخول.
في 11 يوليو/تموز، اعتقل الجيش محاضرًا في جامعة النجاح الوطنية، يدعى غسان ذوقان. وفي 15 من الشهر ذاته، أغلقت السلطات الإسرائيلية كلية هند الحسيني في حي الشيخ جراح إلى أجل غير مسمى. وفي 5 أيلول/سبتمبر، أغلقت القوات الإسرائيلية حرم جامعة القدس أبو ديس من جديد، بينما أطلقت النار على طلابها. وفي 20 أيلول/سبتمبر، جرى محاكمة الطالبة المقدسية علا مرشود. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أصاب رصاص الجيش الكثير من طلاب جامعتي بير زيت والقدس. وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني، اعتقل الجنود رئيس مجلس طلبة جامعة بير زيت الجديد، يحيى ربيع، دون أي تهمة أو مذكرة اعتقال. وفي 5 ديسمبر/كانون الأول، أعلنت إسرائيل عدم اعترافها بمؤهلات جامعة القدس أبو ديس. وفي 12 ديسمبر/كانون الأول، نهب الجيش محتويات عدد من مباني جامعة القدس في أبوديس ومكاتبها.
تقويض الجودة التعليمية
لم يكن الهجوم الإسرائيلي على الجامعات الفلسطينية مقتصرًا على الاقتحامات، بل شمل كذلك أبعادًا أخرى مثل فرض قيود “قانونية” شديدة استهدفت التراخيص والمواد التعليمية استنادًا إلى سياسة الفصل العنصري. بالإضافة إلى ذلك، وضع الاحتلال عقبات هائلة أمام وصول الطلاب الفلسطينيين إلى الجامعات والمدارس، باستخدام حواجز ونقاط تفتيش حولت رحلات الطلاب إلى محن مذلة. وتؤكد معلوماتنا أن الجيش وضع العديد من نقاط التفتيش أمام بوابات الجامعات بشكل مباشر، لا سيما في أوقات الامتحانات.
اقرأ أيضًا: لماذا يتعاطى الجنود الإسرائيليون المخدرات قبل تنفيذ المهام القتالية ضد الفلسطينيين؟
فرضت إسرائيل كذلك شروطًا مستحيلة على عملية التوظيف الخاصة بالمدرسين الأجانب، لا سيما المدربين حملة الشهادات النوعية. وقد رفضت السلطات الإسرائيلية وأخرت تأشيرات عمل لعشرات المحاضرين والأكاديميين الأجانب الراغبين في العمل في الجامعات الفلسطينية. وتفيد البيانات كذلك أن الأجانب العاملين في 9 جامعات فلسطينية، عانوا عام 2018 من تقييد تصاريح التنقل في الأراضي الفلسطينية. كما أن إسرائيل أجبرت بعضهم على مغادرة الأراضي الفلسطينية لأسباب واهية.
الجامعات الإسرائيلية: أدوات في يد الاحتلال
شكلت الجامعات الإسرائيلية في عام 2018 قاعدة هامة لسياسة الاحتلال، إذ زودت الجيش ببنية تحتية أيديولوجية وسياسية معادية للفلسطينيين. وقد أعلنت جامعة حيفا مؤخرًا أنها أصبحت مسؤولة عن تدريب ضباط الجيش الإسرائيلي من النواحي الأكاديمية. بينما اندمجت جامعات إسرائيلية أخرى في تقديم الدعم السياسي لرواية الحكومة الإسرائيلية.
في أكتوبر/تشرين الأول 2018، نشرت جامعة تل أبيب دراسة تحت عنوان “عقيدة الضحية”، أوردت فيها توصيات للتعامل مع ما أسمته “التهديد الفلسطيني”. واقترحت الدراسة استئناف بناء جدار الفصل، وزيادة وتيرة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، ورفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وإبقاء السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية.
اقرأ أيضًا: مجلة كندية: هكذا يختار قناصة الجيش الإسرائيلي أهدافهم
لكن الأكثر إثارة للصدمة، هو نشر جامعة بار إيلان دراسة تحت عنوان “جولة رابعة من الحرب على غزة”، ادّعت فيها أن “تعظيم حجم معاناة القطاع يعني تقليل فرص معاناة الإسرائيليين”. وخلصت الدراسة إلى أن “وقت الحرب قد حان بالفعل”.
إن ما سبق لا يعبر عن مغالطات خاصة بمجرمي حرب منعزلين، بل هم يتمتعون بمكانة خاصة في المؤسسات التعليمية الإسرائيلية، برغم أفكارهم القاتلة الموالية لمتطرفي الحكومة الإسرائيلية.
الخلاصة
تشير الإحصاءات الرسمية الأخيرة إلى أن 80,279 طفلًا فلسطينيًا، و4,929 أكاديميًا فلسطينيًا، جرى “مهاجمتهم” من قبل الجنود والمستوطنين الإسرائيليين خلال عام 2017 وحده. هذه الأرقام توضح الحاجة الماسة إلى تضامن أكاديميي العالم إلى جانب الفلسطينيين في محنتهم التعليمية. ولكن، برغم الإجراءات الإسرائيلية، والحصار المفروض على المؤسسات التعليمية الفلسطينية، تتمتع فلسطين بمعدلات مشاركات رائعة في التعليم العالي حسب المعايير الدولية المتعارف عليها.
المصدر: مجلة “جاكوبين” الأمريكية