الواجهة الرئيسيةترجماتتكنولوجياثقافة ومعرفة
دبلوماسية الواتساب.. كيف غيَّر الواتساب وجه دبلوماسية الشرق الأوسط؟
في الخليج؛ حيث يُقدِّر المجتمع والقادة العلاقات العميقة والشخصية القائمة على الثقة الراسخة، ينهض "واتساب" بدور مهم في بناء علاقات مهنية مع الحكومات الأخرى.

كيوبوست- ترجمات
يتشارك كل من جوزيه بيلايو وجوليا شالوموف، في هذا المقال المنشور عبر موقع “المجلس الأطلسي”، ويتحدثان فيه عن بروز الـ”واتساب” كأداة جديدة ومبتكرة للدبلوماسية؛ خصوصاً في الشرق الأوسط. ويتناول المقال بالتحليل ميزاته ومثالبه، وأخيراً كيف يمكن تكييف هذا النموذج لخدمة الحكومات على الوجه الأمثل.
في السنوات الثلاث الماضية، أصبحت “دبلوماسية واتساب” أداة فعلية لتسهيل الممارسات الدبلوماسية التقليدية القائمة على الاتصالات، وصارت توسم المشاركة بين المسؤولين الحكوميين في جميع أنحاء العالم؛ بين الدول وبعضها البعض، وبين المسؤولين داخل الدولة الواحدة، خصوصاً في الشرق الأوسط.
يأتي هذا بعد أن دفعت القيود المادية التي فرضتها جائحة كورونا، إلى تسريع استخدامه في تسهيل المشاركات متعددة الأطراف والثنائية؛ ما جعل “واتساب” -بالإضافة إلى أقرانه في تطبيقات المراسلة “سيجنال” و”تلجرام”- يؤدي دوراً محورياً في أشكال الاتصال الشخصية التي تؤثِّر على كيفية تفاعل قادة العالم وحكوماتهم مع بعضهم البعض.

حرية ومرونة
في قنوات “واتساب” المشفَّرة، يشعر الدبلوماسيون بحرية أكبر في تشكيل مجموعات والمشاركة فيها؛ حيث يتشاركون الموارد، وينسقون الاجتماعات، ويضعون الاستراتيجيات مع الزملاء، وينشئون تحالفات غير رسمية، ويضغطون من أجل مواقف بلادهم، وينسقون القرارات السياسية.
إن تطوير العلاقات الشخصية بين المسؤولين عبر “واتساب” يمنح حرية التصرُّف أثناء المفاوضات؛ ما يوفر بديلاً فورياً لممارسات المدرسة القديمة، مثل ترك الغرفة “للدردشة في الخارج”، في معظم الأوقات عندما لا يكون المسؤولون الأجانب معاً.
دبلوماسية الـ”واتساب” تؤتي ثمارها في الشرق الأوسط
في أماكن مثل الشرق الأوسط؛ حيث يُعد “واتساب” إحدى المنصات المهيمنة للاتصالات اليومية، هناك اعتماد قوي ومتنام على تطبيق المراسلة؛ لإشراك قادة الحكومات الأجنبية.
في الخليج -حيث يُقدِّر المجتمع والقادة العلاقات العميقة والشخصية القائمة على الثقة الراسخة- ينهض “واتساب” بدور مهم في بناء علاقات مهنية مع الحكومات الأخرى؛ ولعل أفضل مثال على ذلك في إدارة دونالد ترامب، حيث استثمر الرئيس ترامب وكبير مستشاري البيت الأبيض، آنذاك، جاريد كوشنر، وقتاً وجهداً كبيرَين في تنمية علاقة قوية مع قادة الخليج عبر تطبيقات المراسلة الفورية.
بنى كوشنر علاقات شخصية واستراتيجية مع القادة الإماراتيين والسعوديين من خلال “واتساب”؛ ما ساعد على تمكين مشاركة أوثق، وأدَّى إلى نجاحات حاسمة في السياسة الخارجية؛ بما في ذلك، أبرزها، اتفاقيات إبراهيم لعام 2020.

ومنذ مغادرته البيت الأبيض، احتفظ كوشنر بإمكانية الوصول إلى هذه العلاقات، واستخدمها لتأمين استثمار بقيمة 2 مليار دولار من صندوق الثروة السيادية للحكومة السعودية لشركته الجديدة للأسهم الخاصة.
وفي الآونة الأخيرة، اجتمعت قمة النقب التي نُظمت في “سديه بوكر”، بإسرائيل، في مارس 2022 -وكانت أول قمة عربية إسرائيلية متعددة الأطراف لوزراء الخارجية- في غضون أيام، بمبادرة من وزير الخارجية الإسرائيلي، آنذاك، يائير لبيد، عبر سلسلة من محادثات “واتساب” مع نظرائه العرب والأمريكيين.

هذه العلاقات الشخصية اختصرت بشكل فعَّال العديد من الطبقات البيروقراطية إلى نجاح كبير. مثلت القمة تحولاً محورياً نحو السلام الدافئ، واندماج إسرائيل في المنطقة، ودعم زيادة التعاون متعدد الأطراف، وعقد اجتماع سنوي لوزراء خارجية الدول الأعضاء، فضلاً عن ست مجموعات عمل لدفع المبادرات عبر الإقليمية حول مجموعة من القضايا؛ بما في ذلك الأمن الغذائي والمائي والطاقة النظيفة.
الاتصالات الجديدة تشكِّل مخاطر جديدة
إن استخدام “واتساب” أو المنصات المماثلة لأغراض دبلوماسية لا يخلو من القلق، والأمر الأكثر إلحاحاً يتمثل في تساؤلات حول مدى كفاية قدراتها الأمنية في ما يتعلق بالمناقشات الحساسة بين المسؤولين الحكوميين وافتقارها إلى الاندماج الرسمي في العمليات الدبلوماسية.
وعلى الرغم من اعتماد التشفير من طرف إلى طرف؛ فإن “واتساب” يواصل جمع المعلومات، بما في ذلك معلومات الجهاز وعناوين بروتوكول الإنترنت وأسماء الملفات الشخصية والصور ومعلومات الاستخدام، التي يشاركها مع الشركات الأخرى المملوكة لشركة “ميتا”؛ بما في ذلك “فيسبوك”، موقع التواصل الاجتماعي الذي يشتهر بفضائح الخصوصية والبيانات.
من ناحية أخرى، تبرز ممارسة “المهام الحكومية من خلال الواتساب” تحديات واضحة من حيث حفظ السجلات العامة والشفافية عندما يستخدم المسؤولون تطبيقات المراسلة هذه للتبادلات الحساسة على الأجهزة والحسابات الشخصية أو الحكومية. يتضمن ذلك استخدام الحذف التلقائي (مثل وظيفة “الرسائل المختفية” في واتساب)؛ لمحو سجل التبادلات. هناك قضية أكثر براجماتية تتعلق أيضاً بالطبيعة الإقصائية لمجموعات “واتساب” والقدرة على اتخاذ قرارات سياسية أثناء تبادل الدردشة يتم التصرف فيها بشكل فعَّال من خلال بيروقراطيات الدولة.
وبالتالي، فإن الاعتماد الآمن على الدبلوماسية الرقمية يتطلب اتخاذ خطوات لمعالجة المعايير القانونية لاستخدام منصات الاتصالات غير الحكومية، ووضع مبادئ توجيهية واضحة للاستخدام الخاضع للعقوبات.
وقد اتخذت دول مثل المملكة المتحدة، بالفعل، خطوات لتحديد الإرشادات الرسمية حول استخدام “واتساب” للأعمال الحكومية. علاوة على ذلك، يجب دمج تطبيقات المراسلة بشكل أكثر وضوحاً وفعالية في العمليات البيروقراطية الحالية؛ لضمان المتابعة والتنفيذ القوي عبر جميع الأجهزة الحكومية.
وبدأ بعض فروع الحكومة الأمريكية في إجراء عملية الانتقال؛ إذ اشترت وزارة الدفاع الأمريكية والجمارك وحماية الحدود الأمريكية، مؤخراً، تراخيص لتطبيق “Wickr”؛ وهو تطبيق المراسلة المشفرة من “خدمات أمازون للويب”، الذي يوفِّر اكتشاف التكنولوجيا الإلكترونية والاحتفاظ غير المحدود بالبيانات؛ ما يتيح جمع المعلومات المُخزَّنة إلكترونياً في حالة وجود دعوى قضائية أو تحقيق.

تقديم الخدمات العامة
يمكن للتكنولوجيا الجديدة أن تساعد الحكومات على تقديم الخدمات بشكل أفضل، وإجراء المحادثات الدبلوماسية، والتحوُّل بسرعة إلى العالم الافتراضي.
يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تبدأ في التفكير في ما وراء الطرق التي يمكن من خلالها تقديم الخدمات، والتركيز بدلاً من ذلك على أنواع الخدمات التي يمكن تقديمها من خلال منصة رقمية تدعم توحيد حساب “واتساب” مُتحقق منه أو تطبيق رسمي للحكومة الأمريكية يحاكي ميزات “واتساب”.
تحتاج خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية بشكل عاجل إلى نماذج جديدة لتقديم الخدمات وقنوات اتصال مُحسَّنة مع الجمهور، ويمكن لتطبيق حكومي أمريكي مستقبلي على غرار “واتساب” تسهيل أداء الخدمات بشكل فعَّال.
وختاماً، تقدم دبلوماسية الـ”واتساب” نموذجاً جديداً لسد فجوات القطاع العام وتجاوز الروتين. ومع الأخذ في الاعتبار الدروس المستفادة من المساعي المماثلة في بلدان أخرى، يمكن للحكومات تقديم استجابات أكثر مرونة وتبنيها للأشخاص الذين تخدمهم؛ شرط أن تحقق التوازن بين الخصوصية والشفافية.
نحن نعيش أوقاتاً صعبة تحتاج فيها الحكومات إلى التحلي بمزيد من المرونة والتعاون والإبداع. ثورة “واتساب” وظهور أدوات الذكاء الاصطناعي هي بلا شك نماذج يمكن تكييفها وتشكيلها لتوائم احتياجاتنا الخاصة.
المصدر: المجلس الأطلسي