الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

دبلوماسية الصين… هل تمثل انتصاراً لتحليل التكاليف والفوائد؟

تتمتع الصين بميزة أساسية للعب دور الوسيط بين السعودية وإيران؛ فهي حقاً على مسافة متساوية إزاء كلٍّ منهما، كما يتضح من الزيارات المتتالية التي قام بها شي جين بينغ في عام 2016 إلى السعودية ومصر وإيران.

كيوبوست- ترجمات

فرانسوا جوديمنت

نشرت “ذا دبلومات” مقالاً حول دبلوماسية الصين في ظل “تحولها من دور سلبي إلى دور نشط”.  وللوقوف على حقيقة دبلوماسية الصين، يسعى الكاتب للإجابة على سؤالين كاشفين: أولاً؛ هل تتطابق قدرات الصين مع الظلال الكثيفة التي تلقي بها على المجتمع العالمي؟ وما هي المخاطر التي تستعد الصين لتحملها في ظل مساعيها الدولية هذه؟

في خضم هذا التحوّل قد ينسى البعض سياسة ضبط النفس السابقة، بما في ذلك إحجام الصين المعروف عن تحمُّل المسؤوليات. يأتي هذا في ظلِّ مغازلة الصين لدول ما يُسمى بالجنوب العالمي، وترجمتها إلى إجماع مناهض للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ما يثير إعجاب الجماهير في كل مكان.

لا يزال واقع الدبلوماسية الصينية بعيداً عن هذه الادّعاءات. إنه يرسم صورة مختلفة؛ صورة قوة انتهازية تستغل نقاط الضعف والاختلاف في معسكر الديمقراطيات، بينما تُدين ما تسميه بسياسة التطويق.

اقرأ أيضًا: من المستفيد من المواجهة مع الصين؟

من الناحية المالية، تعمل الصين على تكديس الفوائض بالعملات الغربية. إن ما يُسمى بقوة الصين الناعمة تتلخص في قوتها التجارية والإقراضية. ومع ذلك، فمن الصعب أن تنسحب من التعامل بالدولار أو تطلب قروضها من العالم الناشئ بغيره من العملات، حيث تعتمد قوتها كدائن على دخلها كمُصدِّر.

إن تعطش الغرب الذي لا يشبع، لمنتجاتها، هو المصدر الرئيس للثروة في الصين. ذلك أن حسابات المكاسب من التجارة مع دولٍ مثل روسيا أو دول الشرق الأوسط، التي تهيمن عليها بكين تجارياً، هي مسألة ثانوية.

أما من الناحية العسكرية، فإن عقوداً من التوسّع في الميزانية لا تعادل الانتشار العسكري في الخارج والخبرة القتالية. إن التحرُّش بالخطوط الحمراء أو تجاوزها، من حين لآخر، أو تغيير الأهداف هي الأرضيّة التي تتفوق عليها الصين، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى قدرتها على الاعتماد على إحجام نظرائها عن الانخراط في الصراعات. تنسى الصين هذا التردد عندما تُدين العقوبات باعتبارها عملاً يرقى إلى أعمال الحرب. جزءٌ كبيرٌ من برنامجها الدفاعي هو تحقيق شبه تكافؤ مع الولايات المتحدة من حيث الأسلحة النووية، ومع ذلك لا يغزو المرء الأراضي بالأسلحة النووية.

هل أصبحت الصين وسيطاً؟

دور الصين في التسوية التي توصلت إليها بين المملكة العربية السعودية وإيران يجعلنا نتوقف قليلاً. لكن دعونا ننظر إلى ما وراء المظاهر؛ في الثمانينيات اشترت الرياض صواريخ صينية متوسطة المدى. كانت إيران تتعاون مع الصين منذ الحرب الإيرانية-العراقية. وكان السعوديون والإيرانيون يتحدثون بهدوء في بغداد، قبل أن يصبح هذا الموقع غير مناسب.

دور الصين في التقارب السعودي- الإيراني يبشر بنظام عالمي جديد- وكالات

تتمتع الصين بميزة أساسية للعب دور الوسيط؛ فهي حقاً على مسافة متساوية إزاء كلٍّ منهما، كما يتضح من الزيارات المتتالية التي قام بها شي جين بينغ في عام 2016 إلى السعودية ومصر وإيران. إن العقوبات الأمريكية -والأوروبية- على إيران، وافتقار أوروبا إلى النفوذ، هو الذي يتيح لبكين النهوض بدور المضيف وعرض مساعيها الحميدة. ولكن أين الضمانات الصينية لأي جانبٍ من جوانب الصفقة؟ فهذه ليست كامب ديفيد.

من ناحيةٍ أخرى، انحياز الصين تجاه موسكو يمنع أي مقارنة، بما سبق ذكره، في أوكرانيا.

إذا جرى التوصل إلى تسوية لحرب أوكرانيا في مرحلةٍ ما، قد تكون الصين رسولاً من بين آخرين، ويمكن أن تزيد دعمها أو تخفضه، وهو ما تطمح إليه جميع الأطراف. في جميع الاحتمالات، سينتهي الأمر بالصين إلى أن تكون الأب الروحي والضامن لروسيا، في وضع من شأنه أن يُذكّر المرء بمؤتمر جنيف عام 1954؛ لا يمكن أن تكون وسيطاً بمعنى الكلمة.

اقرأ أيضًا: عودة العلاقات السعودية الإيرانية

على صعيدٍ آخر، من اللافت للنظر أن الأهداف النبيلة وآخرها “مبادرة الحضارة العالمية” لا تدعمها متابعات مهمة. وهنا تبرز مبادرة الحزام والطريق، لكنها مشروع تجاري يخص البنية التحتية أكثر من كونها إنجازاً للمساعدة الإنمائية. تظل قوة الصين الإيجابية هي ميزانها التجاري والقوة التي تتأتى منه.

من الناحية السلبية؛ تستفيد الصين من الشكوك حول مشاركة الولايات المتحدة على المدى الطويل في حماية النظام الدولي، ومن الضعف الجماعي لأوروبا؛ لقد تمكّنا من التوحّد بشأن حرب روسيا بشكلٍ أفضل بكثير مما توقع كثيرون، لكننا لا نستطيع تحقيق ما هو مطلوب، ويخشى قادتنا السياسيون من إرهاق الرأي.

وختاما، يمكن القول إن الصين، حتى الآن، تتبع استراتيجية دولية منخفضة التكلفة. الهدف من الشعارات الرنانة بشأن الأمم المتحدة، هو البحث عن تحالفاتٍ مع “القوى الكبرى” في ظل أنظمة دولية بلا أنياب. إن نقطة ضعف الصين في ظل مثل هذا الموقف ستكون التجارة.

يحتاج المُصدِّر الرئيس إلى أسواق. وهكذا، فإن إدماننا المستمر على السلع الصينية المريحة هو الذي يديم أمد استراتيجية الصين الدولية منخفضة التكلفة.

المصدر: ذا دبلومات

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة