الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون عربيةمقالات

خليفة المكارم في ذمة الله

كيوبوست

البدر الشاطري♦

خليفة المكارم، اللقب الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم دبي على المغفور له، عند وفاة الشيخ زايد طيب الله ثراه، هو الأبلغ عند وصف الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، والذي فارق الدنيا الفانية إلى رحمة ربه وجنانه الخالدة.

كان الشيخ خليفة اليد اليمنى لوالده الشيخ زايد منذ صباه. فقد ترعرع في كنفه، ودرس في مدرسة زايد الكبرى وكان من الأصفياء الذين منّ عليهم الله بفضله أن تربى على يد القائد الهمام ومؤسس الدولة ورجل الدولة الفذ والذي قلَّما جاد التاريخ بأمثاله.

وقد صب الراحل الكبير الشيخ خليفة جل اهتمامه ببناء الدولة الفتية منذ إنشائها. وقد انبرى لمهمة الجيش الوطني والذي حمى الاتحاد ومنجزاته منذ البداية. وكان الجيش الإماراتي والذي وضع الشيخ خليفة لبناته الأولى كقائد لقوات دفاع أبوظبي الحصن المنيع لكل من هو طامع أو متربص بالدول الفتية. وقد شغل منذ بداية الاتحاد المنصب المهم كنائب للقائد الأعلى للقوات المسلحة.

اقرأ أيضًا: رحيل الشيخ خليفة بن زايد نهاية حقبة

وكان رحمه الله يردد دائماً أن علينا أن نبني جيشاً قوياً يذود عن حياض الوطن، ويدافع عن كرامة الإمارات والأمة العربية. وقد عمد منذ تأسيس الجيش إلى تسليح هذا الصرح العسكري، والذي أثبتت الأيام فاعليته وجهوزيته، بالعدة والعتاد. وكان دائم الإصرار على تنويع مصادر التسليح حتى لا تقع الدولة ومؤسستها العسكرية لأية ضغوط من الدول المصدرة للسلاح، وقد أثبتت الأيام حكمته في ذلك.

وظل الشيخ خليفة يبني الجيش ويضع قواعده ويختار الأنسب ويستقطب الأفضل ليقودوا هذه المؤسسة عبر أجيال وأجيال حتى غدا من أقوى جيوش المنطقة تسليحاً وخبرة واستعداداً. وإننا اليوم إذ نفتخر بهذا الإنجاز الكبير إنما نفتخر بما حققه الشيخ خليفة من منجزات في هذا المجال.

حرص الشيخ خليفة على بناء جيش إماراتي قوي

وقد تحمل الشيخ خليفة أعباء القيادة منذ نعومة أظافره. وكان مع والده يرسمان الخطط الاستراتيجية للنهوض بالبلاد وإعمار هذه الأرض، وتوحيد أبناء الشعب الواحد في دولةٍ فتية أضحت محط أنظار العالم. وقد راهن خليفة مع جيل المؤسسين على دولة الاتحاد رغم المشككين، ورغم من أراد بالدولة الفتية السوء، وأثبتت الأيام أن رهان المرحوم الشيخ خليفة كانت صائبة، وأن المشككين بقدرات الأمة خابوا وخابت أمنياتهم.

ويُعتبر الاقتصاد عماد أية دولة. وقد أدرك الشيخ خليفة أهمية هذا العامل في بناء الدولة. وتكفل بتطوير صناعة البترول، ودخل في مفاوضاتٍ مع الشركات النفطية لتوزيع الحصص العادلة لكل الأطراف بما يضمن حقوقهم وامتيازاتهم. وقد ترأس الشيخ خليفة المجلس الأعلى للبترول، وأشرف على تأسيس شركة أبوظبي للبترول والتي كان لها ولا يزال اليد الطولى في تطوير صناعة النفط والقفز بها إلى مستوياتٍ عالية سبقت كثيراً من الدول النفطية في المنطقة. 

ورغم أهمية النفط في الدولة كأهم مصدر للدخل، فإن الشيخ خليفة كان حريصاً على تنويع مصادر الدخل لأن النفط من الموارد الناضبة. ولا يمكن الاعتماد على سلعة وحيدة تتذبذب أسعارها وتؤثر أيما تأثير على العملية التنموية في البلاد. وقد أسس الشيخ خليفة لجهاز الاستثمار كذراع استثمارية يوازن بين دخل النفط واستثمارات الجهاز. وبذلك يكون الوضع المالي للدولة مستقراً حتى مع تراجع أسعار النفط.

ساهم الشيخ خليفة في تطوير صناعة النفط

وكانت للشيخ خليفة أيادٍ بيضاء في كل المجالات، وخاصة في مجال العمل الخيري والذي أنفق الراحل في سبيله الكثير وأنشأ المشاريع والصناديق لهذا المجال.  وقد أنشأ الشيخ خليفة دائرة الخدمات الاجتماعية والمباني التجارية، أو ما عُرف بلجنة الشيخ خليفة، لبناء المباني الشاهقة للمواطنين دون فوائد على أن يسددوا القروض على آجال بعيدة، ويتمتعوا بمردودٍ مادي يكفل لهم سبل العيش الكريم. كما قامت هذه اللجنة ببناء البيوت الشعبية، والتي وزعت على المواطنين مجاناً لتوفير العيش المستقر لهم ولعوائلهم.

ولتشجيع مزيدٍ من التنويع في الاقتصاد، أسس صندوق خليفة لتطوير المشاريع لفئة الشباب لإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة لتحريك الاقتصاد، وجعل هذه المشاريع محرك التنمية الاقتصادية، وتوفير حياة رغدة للشباب بدلاً من الاعتماد على الوظيفة. يشجع الصندوق روح المبادرة وريادة الأعمال والمثابرة الابتكار.

اقرأ أيضًا: رحيل خليفة بن زايد

وكان من اهتمامات الشيخ خليفة -وقد سبق زمانه في ذلك- هو حماية البيئة والتي أعطاها اهتماماً بالغاً وخاصة فيما يتعلق بالطيور البرية، كإعادة الصقور إلى بيئتها المحلية، والإكثار من طيور الحباري.

وعندما ترجل الشيخ زايد -طيب الله ثراه- في 2004، انبرى الشيخ خليفة للمهام الكبيرة مقتدياً بخطى الراحل الكبير لإكمال المشوار وتطوير الدول وإمكانياتها. وقد كان عضده في هذه المسيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي العهد، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة حينها.

وقد قام الشيخ خليفة بتطوير مؤسسات الاتحاد، وأعلن عن حقبة التمكين بعد حقبة التأسيس. وصرح خليفة حينها: “إن المرحلة القادمة من مسيرتنا وما تشهده المنطقة من تحولات وإصلاحات تتطلب تفعيلاً أكبر لدور المجلس الوطني الاتحادي وتمكينه ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للمؤسسة التنفيذية”؛ وأضاف سموه “سنعمل على أن يكون مجلساً أكبر قدرة وفاعلية والتصاقاً بقضايا الوطن وهموم المواطنين، تترسخ من خلاله قيم المشاركة الحقة ونهج الشورى”.

الشيخ خليفة بن زايد

وبذلك الإعلان أصبح نصف أعضاء المجلس الوطني منتخباً ابتداء من 2006 والى وقتنا هذا. وقد أعلن الشيخ خليفة حينها: “إن العام المنصرم شهد منعطفًا مهمًا في طريق التمكين السياسي، وتعميق الممارسة الديمقراطية، بانعقاد المجلس الوطني الاتحادي في فصله التشريعي الرابع عشر، فكان نصف أعضائه من العناصر المنتخبة، فيما تبوأت المرأة أكثر من 22 في المائة من مقاعده بما أضفى على التجربة ثراء وحيوية، وما زلنا على عهدنا قبل عامين أن نصل بالتجربة الديمقراطية إلى مقاصدها، بتوسيع نطاق المشاركة وتعزيز دور المجلس الوطني كسلطة تشريعية ورقابية”.

ولم يكتفِ الشيخ خليفة بقضية التمكين السياسي وحسب، بل أخذ على عاتقه تمكين المرأة والتي أصبحت تتساوى مع الرجال في الحقوق والواجبات. وأصدر المرحوم تشريعاتٍ بهذا الغرض في شان المساواة بين الجنسين. ولم يكن تمكين المرأة مجرد شعار. فقد شهدت الساحة تغيرات جذرية في ممارسة المرأة والمشاركة السياسية، عبر مجلس الوزراء وعبر المجلس الوطني الاتحادي. ويضم مجلس الوزراء 9 وزيرات، بينما ارتفع عدد النساء في المجلس الوطني منذ 2019 إلى 50%. عدا عن المناصب العليا في الدولة،  “بالنسبة لتوزيع المناصب في المؤسسات الحكومية بحسب الجنس، تمثل المرأة 46.6% من إجمالي القوى العاملة، وتشغل 66% من وظائف القطاع العام منها 30% في مراكز صنع القرار، و15% في الأدوار التقنية والأكاديمية”.

رحم الله خليفة المكارم وأسكنه فسيح جنانه. فقد كان فعلًا خير خلف لخير سلف. ووفق الله خليفته وحفظ الله الإمارات وشعبه والشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم.

♦كاتب إماراتي

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة