الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

خلافات الإخوان …صراع قيادات الجماعة الممتد على “جسد التنظيم”

كل ما تريد معرفته عن "خلافات الإخوان" الداخلية

كيوبوست- أحمد سلطان

في مايو 2015، أصدر محمود عزت، القائم بعمل مرشد الإخوان، آنذاك، قراراً بحل لجنة إدارة الأزمة المكلفة بتسيير أمور الجماعة (معروفة داخلياً باللجنة الإدارية العليا الأولى)، وإحالة عدد من قياداتها البارزين؛ وعلى رأسهم عضو مكتب الإرشاد محمد كمال، لتحقيق داخلي، بدعوى ارتكاب مخالفات تنظيمية.

ولاحقاً، تسربت أنباء الخلافات الإخوانية لوسائل الإعلام، التي صورتها، خطأً، كنوع من الصراع بين تيار يتبنى العمل المسلح، وآخر يتبنى النهج السلمي في مواجهة الحكومة المصرية، بينما بدأت قيادات جبهة “عزت” العمل على ترويج روايتها الخاصة للخلاف وسط الأعضاء التنظيميين، عبر لجنة “الرؤية” المرتبطة بالهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان.

محمود عزت

وفي حين حاججت “لجنة إدارة الأزمة” بأن وجودها يستمد شرعيته من إقرار مجلس الشورى العام (أعلى هيئة تشريعية ورقابية بالجماعة) لها، قال الفريق القائم بعمل المرشد: “إن جوهر الأزمة يكمن في أن أعضاء تلك اللجنة أعطوا لنفسهم حق إدارة جماعة الإخوان دون وجه حق“، وبعد صدامات داخلية مطولة استُخدمت فيها “وسائل الإخضاع والتركيع التنظيمي“؛ والتي شملت قطع الإعانات المالية الشهرية التي تُصرف لأفراد وأُسر الإخوان، وطرد الشباب المعترضين من الشقق السكنية المملوكة للجماعة، والتعدي على بعضهم بالسب والضرب، قرر محمد كمال وأنصاره الانشقاقَ عن الجماعة وتأسيس كيان موازٍ عُرف بـ”جبهة المكتب العام” التي انتخبت مكتب إرشاد ومجلس شورى خاصاً بها، في ديسمبر 2016.

عضو مكتب الإرشاد السابق محمد كمال

التنظيم القُطبي وجذور الخلافات الجماعتية

مثَّلت الخلافات الإخوانية- الإخوانية، في تلك الفترة، حلقة من مسلسل الصراعات التنظيمية المتوالية، والتي ترجع جذورها إلى عقود مضت، بيد أنها عُدَّت بمثابة إعلان صريح لفشل سياسة “الاحتواء والتعايش الحرج” التي قامت بها القيادة الفعلية للإخوان والمعروفة بـ”التنظيم القطبي/ السري”، طوال سنوات حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.

وخلال تلك الفترة، نجحت تلك القيادة -التي من بين أبرز رموزها محمود عزت، نائب مرشد الإخوان والقائم بعمله سابقاً (قُبض عليه في أغسطس 2020)- في تعزيز سيطرتها على الملفات المهمة داخل الجماعة كـ(التمويل والتنظيم والتربية.. إلخ)، وعملت على تصعيد القيادات المتوافقة معها أيديولوجياً داخل الهرم التنظيمي للإخوان، واستبعاد المخالفين لها عبر عدة ميكانيزمات تنظيمية بدعوى الحفاظ على “النقاء الأيديولوجي” للجماعة، كما يذكر القيادي الإخواني هيثم أبو خليل، في كتابه “إخوان إصلاحيون”.

غلاف كتاب “إخوان إصلاحيون”

غير أن تلك القيادة تعرضت إلى صدمة استراتيجية، عقب الإطاحة بحكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وما أعقبها من دخول الجماعة في صراع صفري مع السلطة المصرية الجديدة؛ إذ قُبض على جل أعضاء مكتب الإرشاد، بمَن فيهم المرشد العام للإخوان محمد بديع، وفقدت القدرة على التنسيق المركزي، وأُديرت الجماعة بصورة عفوية روتينية، عن طريق القيادات الوسيطة في القطاعات والمحافظات (تُقسم الجماعة مصر إلى 7 قطاعات جغرافية؛ هي: القاهرة، والإسكندرية، وغرب، ووسط، وشرق الدلتا، وجنوب، وشمال الصعيد)، بينما اختفى محمود عزت، نائب مرشد الإخوان والقائم بعمله، وفقاً للائحة الداخلية لها؛ هرباً من الملاحقة الأمنية.

البحث الاضطراري عن قيادة بديلة

وفي خضم الظروف الاستثنائية التي عاشتها “الإخوان”، حاولت قيادتها العليا إعادة الاتصال والتنسيق المركزي بين قطاعاتها الجغرافية التنظيمية، ونشط 3 من أعضاء مكتب الإرشاد (محمد كمال ومحمد سعد عليوة ومحمد طه وهدان)، في التواصل مع القيادات الوسيطة بالمحافظات، وذلك حسب مقال سابق نشره مجدي شلش، القيادي البارز وعضو الهيئة الشرعية للإخوان، (أحد قيادات جبهة محمد كمال).

وبحلول أواخر عام 2013، شكَّل أعضاء مكتب الإرشاد الثلاثة “لجنة أزمة” لإدارة الجماعة، وتواصلوا مع محمود عزت؛ لإبلاغه بها، ووافق الأخير على تشكيل اللجنة؛ لكنه اشترط ألا تتسمى بـ”مكتب الإرشاد المؤقت” وأطلق عليها اسم (اللجنة الإدارية العليا)، وحصلت الأخيرة على صك شرعية تنظيمي، بعد إقرارها من مجلس الشورى العام للجماعة، في اجتماع سري عُقد في فبراير 2014، وفقاً للقاء سابق أجراه مجدي شلش مع فضائية “مكملين” الإخوانية.

اقرأ أيضًا: “الإخوان” تستغل الآلة الإعلامية للتشويش على صنع القرار الدولي

وعمدت اللجنة الإدارية العليا إلى إجراء تغييرات تنظيمية داخلية على مستوى القيادات الوسيطة، كما أنشأت مكتباً داخل تركيا عُرف بـ”مكتب الأزمة بالخارج” برئاسة عضو مجلس شورى الإخوان أحمد عبدالرحمن (محسوب على محمد كمال)، وأدت تلك التغييرات إلى إشعال خلافات مع “رابطة الإخوان المصريين بالخارج”، والتي أنشأها أمين عام الإخوان، آنذاك، محمود حسين، وقال إنها تابعة لمكتب لندن، الذي يُشرف عليه نائب مرشد الإخوان إبراهيم منير.

محمود حسين الأمين العام السابق لتنظيم الإخوان – أرشيف

وأمام احتدام الخلاف بين قيادات الجماعة، تواصل المسؤولون عن “رابطة الإخوان” مع محمود عزت، وطلبوا منه الفصل في الشقاق التنظيمي الداخلي؛ مما حدا بالأخير لإصدار قرار بحل مكتب إدارة الأزمة بالخارج، وحل اللجنة الإدارية العليا الأولى برئاسة محمد كمال، وفقاً لما قاله عصام تليمة، مدير مكتب يوسف القرضاوي سابقاً والمحسوب على جماعة الإخوان، في فيديو سابق له.

وعند تلك المرحلة، بدا أن محمود عزت وقيادات “رابطة الإخوان المصريين بالخارج”، نجحا، معاً، في السيطرة على الجسد التنظيمي للجماعة، مستفيدين من سيطرتهم على الملفات الحيوية (وفي مقدمتها الملف المالي)؛ خصوصاً أن الفريق المعارض لتوجههم قرر الانشقاق عنهم، وتأسيس جماعة/ جبهة موازية، مع الإبقاء على محمد بديع مرشداً عامّاً لها؛ لأسباب سياسية وعاطفية، على حد تعبير القيادي الإخواني البارز أشرف عبدالغفار، الذي علل هذا القرار بقوله: “حتى لا يقول البعض إنهم لم يراعوا مَن في السجون وأطاحوا بهم”.

تدوينة أشرف عبد الغفار

وبينما واصلت الجبهتان ممارسة أعمالهما التنظيمية الروتينية، بشكل منفصل، نجحت أجهزة الأمن المصرية في التوصل إلى مخبأ محمود عزت، وألقت القبض عليه أواخر أغسطس 2020، وأعلنت الجماعة اختيار إبراهيم منير، قائماً بأعمال المرشد، وأعلن الأخير بدوره بدء مرحلة جديدة في عمل الإخوان.

إبراهيم منيرV.S  محمود حسين

ودعا منير، في بيان توليه منصب القائم بعمل مرشد الإخوان، أعضاء الجماعة إلى “التماسك ووحدة الصف، والالتزام الكامل بمنهاجها وثوابت فكرها، وتفادي أي شقاق وتنازع يتمناه الشانئون”، على حد تعبيره، في إشارة منه إلى رغبته في إجراء مصالحة داخلية بين جبهتَي الإخوان وإنهاء الانشقاق الهيكلي الذي عاشته على مدار نحو 5 سنوات، وذلك خلال 6 أشهر فقط، على حد قوله.

 كما أصدر إبراهيم منير سلسلة قرارات تنظيمية شملت إلغاء منصب الأمين العام للجماعة الذي شغله محمود حسين، رئيس رابطة الإخوان المصريين بالخارج، وتشكيل لجنة إدارية جديدة لتسيير أعمال الجماعة بعضوية: (محيي الدين الزايط، وحلمي الجزار، ومحمود حسين، وأحمد شوشة، ومحمد عبدالمعطي الجزار، ومدحت الحداد، ومصطفى المغير).

إبراهيم منير

وقرر القائم بعمل مرشد الإخوان أن ينوب عنه محيي الدين الزايط، في رئاسة اللجنة، في حال غياب الأول؛ بما يعني ضمنياً استبعاد الأمين العام السابق للجماعة محمود حسين، من أي منصب تنفيذي حقيقي باللجنة الجديدة، والإبقاء على وجوده كعضو ضمن 6 أعضاء مكلفين بإدارة الإخوان، في تلك الفترة.

ومن جانبها، رحَّبت جبهة المكتب العام بقرارات منير ودعوته إلى إنهاء الانقسام، وذلك بعد الإطاحة بمحمود حسين، الذي تعتبره واحداً من رؤوس الخلاف وقيادات الأزمة بالجماعة، معلنةً استعدادها للتوافق على خارطة طريق داخلية للم الشمل ووحدة الصف، واصفةً القائم بعمل مرشد الإخوان وجبهته بـ”الأقرب إلينا من نفوسنا”.

لكن قرارات إبراهيم منير أدت إلى إثارة خلاف داخلي آخر مع الأمين العام السابق للجماعة وأتباعه الموجودين داخل رابطة الإخوان بالخارج، والذين من بينهم 10 من أصل 27 عضواً متبقياً من أعضاء مجلس الشورى العام (بلغ عدد أعضائه في 2013، 117 عضواً، أُلقي القبض، خلال السنوات الماضية، على 53 منهم، وتوفي 37 آخرون، وبقي 27 منهم خارج مصر؛ اعتذر 3 منهم عن عدم الاستمرار في أعمالهم، وجرى إيقاف عضو آخر، وبقي 23 عضواً فقط فاعلين في المجلس؛ منهم 10 معينون من قِبل رابطة الإخوان بالخارج ورئيسها محمود حسين).

اقرأ أيضًا: خلافات جماعة الإخوان الداخلية هل تنذر باقتراب النهاية؟

وسعى منير لتمرير قراراته عبر حشد دعم نحو 11 من أعضاء مكتب الشورى العام الموجودين خارج مصر، كما عمل على إعادة تشكيل المكاتب الإدارية في المحافظات داخل مصر بناءً على قاعدة “الثقة والولاء”، مستبعداً القيادات المخالفة له من شغل أي مناصب تنفيذية داخل الجماعة في تلك الفترة.

وعلى الجهة الأخرى، رفض محمود حسين تسليم الملفات التي بحوزته (أهمها الملف المالي، وملف الشؤون الإدارية) لصالح الإدارة الجديدة، معلناً أنه تولَّى الإشراف على هذه الملفات بموجب تكليف من القائم السابق بعمل المرشد محمود عزت، وأن الأخير هو الوحيد الذي يحق له عزله من منصبه.

صراع “الإخوة” الأعداء

ولجأ محمود حسين إلى تدعيم موقفه بأعضاء مجلس الشورى الموالين له، رافضاً القرارات الصادرة عن القائم الحالي بعمل مرشد الجماعة، واستمرت السجالات والتجاذبات الداخلية لعدة أشهر؛ بحيث تخطت “مهلة الـ6 أشهر” التي أعلنها منير لإنهاء خلافات الإخوان.

اقرأ أيضًا: الانشقاقات.. الخاصرة الهشة لتنظيم الإخوان المسلمين

وسعى إبراهيم منير لاستبعاد جميع القيادات المخالفة له عبر الدعوة إلى انتخابات قاعدية، في يوليو 2021؛ لاختيار قيادات عليا جديدة، شريطة ألا يترشح لها أي عضو تتجاوز سنه 45 عاماً؛ بما يعني ضمنياً استبعاد محمود حسين وجميع الموالين له من المناصب واللجان المركزية المهمة داخل الجماعة، وهو ما رفضته المجموعة الأخيرة، معتبرةً أن ذلك يُمثل مخالفة للائحة الإخوان العامة، كما أن الظروف التي تعيشها الجماعة تحول دون إجراء انتخابات تنظيمية.

وأمام تلك التطورات المتعاقبة، أصدر القائم بعمل المرشد قراراً بحل مكتب الإخوان الإداري في تركيا، وحل مجلس شورى القطر، وتأجيل الانتخابات المقررة في يوليو 2021، مدة 6 أشهر، في ما عُدّ انقلاباً خشناً على محمود حسين ورفاقه الذين أُحيلوا إلى تحقيق داخلي بتهمة ارتكاب مخالفات مالية وإدارية، بينما شكَّل منير لجنة إدارية جديدة (بخلاف لجنة الـ6)؛ لكن الجماعة فرضت هالة من السرية حول أعضائها، ولم تكشف، حتى الآن، عن أسمائهم.

اقرأ أيضًا: “الإخوان المسلمون.. المندسون الجدد”

وفي المقابل، حاول الأمين العام السابق وأعضاء مجلس الشورى المحسوبون عليه، القيام بانقلاب مضاد على إبراهيم منير، فأجروا اجتماعاً داخل مدينة إسطنبول التركية، وقرروا عدم الاعتداد بقرارات القائم بعمل المرشد، واعتبار أنها “صدرت من غير ذي صفة”، كما أطلق أنصار محمود حسين حملة عبر “اللجان الإلكترونية” التي يُسيطر عليها ويمولها، وعبر مواقع الجماعة الرسمية؛ لرفض استبعاده من إدارتها.

واعتبر حسين، في مقال نشره موقع الجماعة الرسمي “إخوان أون لاين”، أن إقالة أعضاء مجلس شورى الجماعة لا تتم إلا عبر انتخابات جديدة، لا يمكن إجراؤها في ظل الظروف التي تمر بها الجماعة، وأن تعديل اللوائح الداخلية بحجة الوضع الاستثنائي أمر غير ممكن.

مقال محمود حسين الذي نشره موقع “إخوان أون لاين”

ورفض الأمين العام السابق حل مكتب الإخوان في تركيا أو ما سمَّاه بإعادة هيكلة التنظيمات الإخوانية في الخارج، معتبراً أن منير وأتباعه يصرون على احتكار الحقيقة ويروجون أن بقاء الجماعة مرتبط بتنفيذ تصوراتهم، على حد تعبيره.

وفي هذه الأثناء، دعا عدد من قيادات الإخوان؛ بمَن فيهم أسامة العشري -المقيم في تركيا- نجل عبدالعزيز العشري، عضو مجلس شورى الإخوان العام سابقاً، إلى إجهاض تحركات محمود حسين ومجموعته، وحصار مقر اجتماعهم؛ لـسحب الثقة من إبراهيم منير، وضربهم بالأحذية إن تطلَّب الأمر، على حد قوله في تدوينة نشرها عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

تدوينة أسامة العشري

انتخابات لا تحسم الجدل

وبعد عدة أشهر من التدافع الداخلي بين مكتبَي الإخوان في لندن برئاسة إبراهيم منير، وتركيا برئاسة محمود حسين، استقر الطرفان على إجراء انتخابات داخلية، مطلع سبتمبر الجاري، وأسفرت تلك الانتخابات، التي أُجريت بمنطقة الفاتح في إسطنبول التركية، عن استبعاد محمود حسين، وهمام علي يوسف (أحد المقربين من الأمين العام السابق، وأحد المشرفين على الملف المالي سابقاً)، وعدد آخر من القيادات المحسوبة على مكتب تركيا.

وبينما روَّج قادة الإخوان المحسوبون على “مكتب لندن” أن نتائج الانتخابات الأخيرة تضمن عودة الجماعة إلى مسارها الصحيح، بعد استبعاد القيادات التي استغلتها لمصالحها الذاتية (في إشارة إلى محمود حسين ومجموعته)، اعتبر آخرون (منهم القيادي الإخواني أشرف عبدالغفار) أن تلك الانتخابات مجرد خطوة غير مكتملة لاستعادة السيطرة على الجسد التنظيمي للجماعة، والذي اختطفته “رابطة الإخوان بالخارج”، منذ 8 سنوات.

وفي هذه الأثناء، هدَّد همام علي يوسف ورفاقه (المحسوبون على محمود حسين)، بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الأخيرة، أو تسليم الملفات التي بحوزتهم إلى الأعضاء المنتخبين (المحسوبين على إبراهيم منير)؛ لأن تلك الانتخابات “مشوبة بتجاوزات” -على حد وصفه- مؤكداً أن صراع النفوذ والمصالح بين قيادات الإخوان ما زال مستمراً  حتى إشعار آخر.

♦باحث مصري

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

أحمد سلطان

باحث مصري

مقالات ذات صلة