ثقافة ومعرفةشؤون عربية

الموصل تحاول التعافي بعد كابوس “داعش”.. من يعيد إليها كتبها النادرة؟

ماذا حل بمكتبات الموصل؟

حتى يومنا، لم تتعاف مدينة الموصل من جراحها التي حلت بها بفعل تنظيم “داعش” والحرب التي شهدتها المدينة العريقة بين قوات الحكومة العراقية وعناصر التنظيم، إلا أن بعض جروح المدينة تبدو عميقة وسيبقى أثرها مع الزمن، والحديث هنا عن مأساة الكتب النادرة.

في مقابلة خاصة أجراها “كيو بوست” مع صالح إلياس، رئيس اللجنة التحضيرية لمهرجان القراءة الأول في الموصل والذي يسعى بصحبة متطوعين عراقيين لإعادة إحياء مكتبات المدينة، تبدو مهمة الموصليين صعبة لكنها ممكنة.

خسارات لن تعوض

كانت المكتبة المركزية لجامعة الموصل تحتوي أكثر من مليون مصدر، منها 600 ألف في اللغة العربية و400 ألف باللغات الأخرى، ونحو 30 ألف دورية من 3 آلاف عنوان في شتى الميادين”، يقول إلياس.

كما احتوت المكتبة المركزية للجامعة على 6 الاف كتاب نادر بعضها يعود إلى سنة 1700- 1800 ميلادية، إضافة إلى 5 الاف مصدر حكومي منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921″.

كذلك كانت المكتبة قبل سيطرة “داعش” على الموصل مركزا لقرابة ألف مستفيد من طلبة وباحثين يوميًا وتصل عدد الإعارات قرابة 500 إعارة يومياً، “وقد بدأنا العمل في عام ٢٠١٣ على حوسبة المصادر حسب نظام كونها كانت المكتبة الوحيدة في العراق التي تمتلك عضوية OCLC وهو نظام فهرسة رقمية عبر الشبكة العنكبوتية”، قال إلياس.

لكن أياً من هذا لم يعد موجوداً، فالأضرار التي لحقت بالمكتبة بعد تعرضها للقصف من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ثم إحراقها من قبل تنظيم داعش في شباط 2017، تتجاوز 99%. “إنها الآن قطعة فحم كبيرة، البناية قائمة كجدران فقط، أما محتوياتها، فقد التهمتها النيران كلها وأصبحت مجرد رماد الآن، ما عدا عددٍ قليل منها يبلغ نحو 30 ألف كتاب ومجلة تم انقاذها مؤخراً من قبل شبان موصليين”، يصف إلياس ما حل بالمكتبة.

“إنها انتكاسة حقيقية للثقافة والعلم في الموصل، اذ كانت مصدراً للطلاب والباحثين، وملتقى للمثقفين والنخب، في النهاية هذه المكتبة من أركان جامعة الموصل العريقة ووجودها عامل مهم ورئيس لأجل استمرار الدراسة والتعليم الجامعي”، تابع الياس القول.

ولم تقف الكارثة عند مكتبة الموصل الكبرى، إنما يعدد إلياس “مكتبة مديرية الوقف السني ومكتبة متحف الموصل الحضاري، فضلا عن مكتبات أخرى أقل أهمية، كما كان هنا مكتبات خاصة لعائلات موصلية عريقة كمكتبة عائلة الجليلي وغيرها، وهي تضم كتباً ومراجع مهمة، ولا ننسى أيضا المكتبات التي تبيع الكتب وكانت تتركز أساساً في وسط المدينة في منطقة شارع النجيفي، والذي تعرض لدمار شبه تام بسبب عمليات التحرير لطرد تنظيم داعش من الجانب الأيمن من مدينة الموصل”.

كتب نادرة 

كان فقدان كتب نادرة أسوأ ما أنتجه الدمار الذي حل بمكتبات الموصل. “هنالك كتب لا يمكن تعويضها، تعود إلى حقب القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، إضافة إلى الكتب النادرة والخزانات الخاصة التي تبرع بها وجهاء وأعلام الموصل والبالغ عددها قرابة ٦٠ خزانة من الصعب تعويضها”، قال إلياس.

يطمح إلياس مع مجموعة من الشبان والمثقفين العراقيين لإعادة نهر الثقافة الموصلية الذي جففته الحرب الطاحنة، إلى التدفق من جديد. ويبدي تفاؤلاً: “بالتأكيد هناك إمكانية لإعادة إعمار وإحياء المكتبة، بل أفضل مما كانت عليه إذا توفرت الإرادة، فنحن نحتاج إلى جهود من الحكومة العراقية والمجتمع الدولي خاصة المنظمات المعنية بالثقافة والعلوم كاليونسكو، إضافة إلى دور المثقفين والأكاديميين والناشطين الشباب في الموصل والعراق، ودور النشر ومراكز الدراسات والأبحاث”.

“حاليا تم فتح مقر بديل للمكتبة في كلية الهندسة المدنية لاستقبال التبرعات من الكتب، وقد وصل عدد الكتب المهداة في كافة المواقع قرابة 30 الف مصدر، فيما ساهم مهرجان القراءة الأول في الموصل بنحو 6 الاف كتاب تم جمعها من دور نشر مهمة عراقية وعربية”. و”من هذا المنطلق لقد أقمنا مهرجان القراءة الأول في الموصل في 6 أيلول سبتمبر جوار المكتبة المركزية لكي نقول للعراقيين والعالم، ساعدونا لنعيد إعمار وإحياء المكتبة المركزية”، قال إلياس الذي يقود جهود إحياء مشهد الموصل الثقافي.

حقبة تاريخية سوداء

بعد عام 2003 شهد الواقع الثقافي تراجعا ملفتًا في الموصل، بحسب إلياس، “لقد كان النشاط الثقافي يعاني من الشلل التام، ثم جاء تنظيم داعش في عام 2014 ليعزز هذا التراجع على نحو لم يسبق له مثيل طوال التاريخ الحديث للمدينة”.

ويصف: “لم يعد هنا موسيقى ولا جلسات شعر ونقد، ولا وجود معارض للكتب وحفلات طرب ومعارض فنية.. لقد أصيب المشهد الثقافي بحالة شلل تام، واليوم عندما نجري جرد حساب نجد أن الخسارة كبيرة بالفعل، لقد خسرنا عدداً من الفنانين الشباب بسبب هجرتهم وفرارهم من المدينة سواء إلى مناطق أخرى في العراق أو خارجه، كما أن المدينة خسرت مئات الالاف من الكتب، لذا فان المجال الثقافي مفلس الآن، لأن الكتب هي رأس ماله في النهاية”.

“لكننا نعول على من بقي من المثقفين والكتاب؛ وإن كان وضعهم صعب جداً ولا يمتلكون أي دعم، هنا فقط اتحاد الأدباء والكتاب في نينوى يحاول تنظيم نشاطات أدبية، لكنها في الحقيقية لا ترتقي إلى الطموح، نحتاج إلى ثورة ثقافية حقيقية لمحو آثار داعش الفكرية بعدما تم التخلص منه بالقوة العسكرية”، قال إلياس.

 

 

لايجوز إعادة النشر إلا بحال الإشارة للمصدر

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة