الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

خبير سعودي: روسيا اللاعب الأكثر ذكاءً في الأزمة الليبية

يبدو الاهتمام الروسي باستمرار النزاع على الطاقة بالمتوسط متوافقًا مع سياسة انتهاز الفرص التي تنتهجها موسكو في التعامل مع الأزمة الليبية.. فهي تدعم حفتر من جهة وتلتقي في نفس الوقت "الوفاق" وتجتمع أيضًا مع الأتراك للتنسيق.. فالروس يستخدمون تركيا كجزء من خطتهم لإخراج الدول الغربية من الحلبة الليبية

كيوبوست

يطرح الاهتمام التركي بالأزمة الليبية ومحاولة خلق تحالفات منحازة بشكل واضح لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، رغم الانتهاكات التي تقوم بها على الأرض، تساؤلات عديدة عن سبب التحركات التركية التي تخالف إجماعًا دوليًّا بضرورة اللجوء إلى الحوار الدبلوماسي بديلًا عن التحركات العسكرية التي تدعمها أنقرة بشكل واضح؛ بل إنها الدولة الوحيدة التي أبدت رغبة في التحرك للتدخل الأمني على الفور، لإنقاذ حكومة السراج بعد الضربات الحاسمة التي نفذها الجيش الوطني خلال الأيام القليلة الماضية، حيث أصبح الجيش على بُعد مئات الأمتار فقط من إحكام السيطرة الكاملة على العاصمة طرابلس.

الدكتور هشام بن عبد العزيز الغنام، كبير الباحثين بمركز الخليج المختص بالعلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية، أكد أنه على الرغم من محاولات الإعلام التركي تضخيم التحرك التركي العسكري المحتمل للتدخل في ليبيا باعتباره دليلًا على قوة أنقرة العسكرية والسياسية؛ فإن الواقع يشير إلى أن هذا التحرك هو تعبير عن إشارة ضعف واضحة وردة فعل على عزلة تركيا من محيطها الإقليمي والعالمي، خصوصًا بسبب تدخلاتها في شمال سوريا وحربها الباردة مع أهم الدول العربية؛ بل يمكن القول أيضًا إن هذه الحرب باتت تضم غالبية الدول العربية بجانب محاربة مشروعات الطاقة اليونانية- القبرصية المهمة لأوروبا.

وأضاف الغنام، في تدوينات كتبها عبر حسابه على “تويتر”، أن اتفاقية الحدود البحرية هي مربط الفرس بالنسبة إلى أنقرة؛ فهي الاتفاقية التي مكنتها من شرق البحر الأبيض المتوسط غربًا حتى جزيرة كريت اليونانية، موضحًا أن الثمن الذي دفعته مقابل هذه الاتفاقية بخسًا مع حكومة ليبية تخوض حربًا أهلية ولا تفكر في الأضرار المجحفة المترتبة على علاقاتها ومصالحها، ليس فقط مع دول الجوار؛ ولكن مع الدول الكبرى التي ستتضرر منها بالتأكيد.

تدوينات د.هشام الغنام

وفسَّر كبير الباحثين بمركز الخليج المختص بالعلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية تحوُّل الموقف التركي من عدم إعلان وجود خطط للتصعيد وإرسال قوات تركية للنقيض بعد توقيع الاتفاقية، بأن الهدف في البداية كان البعث برسالة اطمئنان إلى الداخل التركي وأحزاب المعارضة، موضحًا أن الهدف من التدخل يأتي اتساقًا مع وجود كثير من الخصوم السياسيين لأنقرة؛ ليس في مقدمتهم دول الخليج، ولكن مصر واليونان وقبرص.. وغيرها، فالحلبة الأساسية للمعركة هي البحر الأبيض المتوسط والإسلام السياسي والعثمانية الجديدة؛ أدوات وأسلحة مهمة في هذه الحرب.

اقرأ أيضًا: أقارب أردوغان يخططون السياسة الخارجية لتركيا

وانطلاقًا من هذه النقطة، رصد الغنام الموقف الروسي المراقب للتحركات التركية، مع إدراك مخاوف أنقرة من خروجها خالية الوفاض من معركة الطاقة بالمتوسط، ومن ثَمَّ ترغب موسكو في توظيف الموقف التركي لتعطيل خزان الطاقة الجديد الذي قد يؤثر على حصتها الأوروبية وتفوقها وأسبقيتها في توريد الغاز إلى أوروبا.

وأشار كبير الباحثين بمركز الخليج المختص بالعلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية إلى أنه من مصلحة الرئيس الروسي استمرار الخلاف والنزاع؛ فاليونان وقبرص وإسرائيل ومصر، بدرجات مختلفة، قريبة من اتفاق ينقل الغاز الطبيعي من المياه المتنازع عليها، عبر جزيرة كريت، إلى أوروبا؛ وهي اتفاقات خارجها تركيا، وبوتين يهمه استمرار هذا الخلاف والنزاع.

وأكد الغنام، في تعليق لـ”كيوبوست”، أن بوتين يهدف إلى تطويع طموحات أردوغان الإقليمية، وأدى اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز في شرق البحر المتوسط، بالقرب من اليونان وقبرص، إلى ترك تركيا الفقيرة في الطاقة خائفة وقلقة ومتوجسة، ومن ثَمَّ يقوم بوتين باستغلال مخاوف الأتراك؛ لتعطيل الاحتفاء الغربي بمركز الطاقة المتوسطي الجديد.

بوتين وأردوغان بعد مؤتمر صحفي مشترك – أرشيف

وتابع كبير الباحثين بمركز الخليج المختص بالعلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية بأن الاهتمام الروسي باستمرار النزاع على الطاقة بالمتوسط متوافق مع سياسة انتهاز الفرص التي تنتهجها موسكو في التعامل مع الأزمة الليبية؛ فهي تدعم حفتر من جهة وتلتقي في نفس الوقت “الوفاق”، وتجتمع  أيضًا مع الأتراك للتنسيق؛ فالروس يستخدمون تركيا كجزء من خطتهم لإخراج الدول الغربية من الحلبة الليبية.

واعتبر الغنام أن فرصة التدخل التركي في ليبيا قد لا تتكرر؛ من أجل قلب الطاولة في غالبية الملفات المهمة، ولتكون أداة للتعامل بحدة مع خصومها؛ فضلًا عن أهميتها في إخراج البلاد من أزمة الطاقة التي تتعرض إليها البلاد، في وقت ترى فيه حكومة الوفاق التي تحظى باعتراف أممي ملاذًا أخيرًا في تركيا للدفاع عن بقائها، حتى لو كان هذا الخيار على حساب المصلحة الوطنية الليبية ووحدة التراب الليبي.

ولفت الغنام إلى أن الدعم التركي لحكومة الوفاق ليس سوى مجرد ورقة؛ لكنها ثقيلة تعطيهم مكاسب عدة، فالأتراك لديهم رغبة في توسيع رقعة تدخلهم في المنطقة والإقليم؛ وهو الأمر السهل بالنسبة إليهم بحكم تحكمهم في كثير من الفصائل والحركات في سوريا وقدرتهم على تصدير المقاتلين بلا ارتدادات داخلية ودون خسائر بشرية، ومن ثَمَّ ستستفيد تركيا من استثماراتها في الأزمة السورية وتضخمها استراتيجيًّا في مختلف أزمات المنطقة.

اقرأ أيضًا: اتفاق ترسيم الحدود البحرية التركي- الليبي يهدد شرعية حكومة السراج

وفي توضيح لـ”كيوبوست”، أكد كبير الباحثين بمركز الخليج المختص بالعلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية أن المتمردين السوريين يخضعون لحملة عسكرية مدمرة مدعومة من روسيا في سوريا، تهدف إلى استئصالهم؛ لذلك فإن نشرهم في ليبيا سوف يتناسب مباشرةً مع الأجندة الروسية، سواء في سوريا أو ليبيا. وتصدير المقاتلين السوريين إلى قوات حكومة الوفاق الوطني في معركتها ضد الجيش الوطني الليبي، سيكون له ارتدادات خطيرة على أردوغان وحزبه، لا يبدو أنهما يعطيانها الاهتمام المطلوب.

وأشار الغنام إلى أن هذه الميليشيات عنيفة ومدربة على حرب الغوريلا (حرب العصابات)؛ مثل كتائب “صقور الشام” وفرقة “السلطان مراد”، وسيرتفع سقف العنف باطراد إلى أضعاف ما هو عليه الآن، والقتال في ليبيا سيكون مدمرًا لسمعة أردوغان على المستوى الدولي؛ فهو سيظهر كمشجع على العنف والإرهاب، والعالم بطبيعة الحال لا يريد لليبيا أن تكون معسكرًا كبيرًا يستورد الإرهابيين ويُعيد تصديرهم إلى العالم؛ وأوروبا تحديدًا.

اقرأ أيضًا: هل تستطيع ألمانيا منع تحوُّل ليبيا إلى سوريا جديدة؟

ونوه كبير الباحثين بمركز الخليج المختص بالعلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية بأنه رغم عدم وجود إمكانية ليقوم المشير حفتر بالتهدئة أو حتى التفاهم مع حكومة الوفاق أو غيرها بسبب التباين الكبير بينهما؛ فإن عدم محاولة قائد الجيش الوطني الليبي التفاهم وإيجاد حلول مع خصومه المعتدلين، جعل أوروبا تعتبر سياسته نهجًا فرديًّا معطلًا لحلول الأزمة الليبية، أما العائق الوحيد الذي قد يواجه حفتر فهو العقوبات الأمريكية.

وشدد الغنام على أن أمريكا لن تترك روسيا وتركيا تتوسعان في ليبيا دون ممانعة؛ فالولايات المتحدة لديها استراتيجية شاملة للتنسيق مع دول شرق البحر المتوسط، وهناك قائمة عقوبات على شركات كثيرة تساعد روسيا في توريد غازها إلى أوروبا وعلى إكمال خط أنابيبها الجديد الواصل إلى ألمانيا، فهي أيضًا تدعم أنابيب الغاز من شرق المتوسط “إيست ميد” إلى أوروبا، وكل هذا معطل لروسيا ويسبب لها خسائر

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة