الواجهة الرئيسيةشؤون خليجية
السعودية ودول الخليج في حاجة إلى السلاح الروسي

هشام بن عبد العزيز الغنام ♦
@HeshamAlghannam
قد تكون الولايات المتحدة محقة في غضبها وتحذيراتها لدول المنطقة من جلب الـ”S- 400″، لكن إذا كانت تركيا وهي عضو في “الناتو” قد سلكت هذا المسار؛ فلا يجب أن نتوقع أن دولًا أخرى خارج “الناتو” ولا تلقى حتى المعاملة التفضيلية لحليف رئيسي خارج “الناتو” أن لا تذهب في نفس هذا الطريق. على الولايات المتحدة أن تدرك أن أي إجراء لحرمان هذه الدول من السلاح الذي تحتاج إليه سيصب مباشرة في مصلحة الروس. دول الخليج وفي مقدمتها المملكة، لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام تهديدات حقيقية وغير متوهمة لمنشآتها الحيوية.
لا شك أن تطوير الدفاع الجوي لأية دولة هو أمر حيوي، وبالنظر إلى الحالة المتعاظمة للتوترات في الإقليم؛ فإن الدول المشار إليها في مقال ريتشارد ويتز في “ذا ناشيونال إنترست”؛ ومن ضمنها المملكة بالطبع، والتي تسعى للحصول على تدابير وقائية لأمنها تكون أكثر فعالية، لابد أن تدرس كل الخيارات المتاحة أمامها؛ خصوصًا إذا لم تتمكن من الحصول على ما تريده من عتاد من حلفائها وأصدقائها الغربيين.
أولًا، ما الـ(S- 400) وما أهميتها؟
في الأيدي المناسبة تكون “S- 400” فعالة جدًّا على الأقل نظريًّا؛ فهي تتيح قدرات استهداف كبيرة ومرنة، بمعنى أنه يمكنها استهداف أشكال مختلفة من الهجمات والاعتداءات. ولديها القدرة على إسقاط بعض من أفضل الطائرات المقاتلة العاملة حاليًّا في العالم. وهي بالتأكيد ذات قدرات هائلة لتدمير الطائرات المقاتلة والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات دون طيار التي تقلق دول الخليج. كما أنها أقل تكلفةً بكثير من قريناتها من الأنظمة الأمريكية.
اقرأ أيضًا: الولايات المتحدة تُخَيِّر تركيا: صواريخ “S 400” أو “كاتسا”
ومع ذلك، حتى مع هذه القدرات النظرية المذهلة، فإن الـ”S- 400″ لن تكون فعالة إلا بقدر السياق والبلد الذي توجد فيه؛ بمعنى إذا كانت كتيبة “S- 400″ تعمل بمعزل عن غيرها أو لم تُدعم بدفاعات جوية حديثة أخرى، فلن تعمل بالكفاءة التي يدَّعيها الروس. فهي لم تصمم لتعمل بذاتها؛ بل هي أكثر فاعلية كجزء من نظام دفاع جوي متكامل. في نهاية المطاف، لا تعد الـ”S- 400” حلًّا شاملًا؛ خصوصًا لو تعرَّضت إلى هجوم مستمر دون تعزيز ودعم من أنظمة أخرى.
لكن هل هذا يعني أن كل ما ذكره ريتشارد ويتز دقيق وفي محله بخصوص المنظومة الروسية؟ هذا ليس على إطلاقه، فكما قُلت هذا يعتمد على السياق والدولة التي تتبنى المنظومة؛ فروسيا وحتى الصين هما الأكثر استفادةً بلا شك من قدرات S- 400″” بسبب التكامل في أنظمة الصواريخ الدفاعية لديهما.
وكذلك تركيا، وهي عضو مهم في الهيكل العسكري الخاص بـ”الناتو”، نجحت إلى حد كبير في الاستفادة من المميزات التي تملكها “S- 400″، وسدَّت بها فجوة حرجة في قدراتها الدفاعية تتعلق بصد الصواريخ الباليستية رغم أن الدفاع الجوي الأساسي لتركيا؛ مثل غالبية دول الناتو الأخرى يعتمد فعليًّا على طائراتها المقاتلة. تاريخيًّا الروس دائمًا كان تركيزهم وأفضليتهم وسبقهم في تكنولوجيا الصواريخ؛ لأن الأمريكيين والغرب يُنتجان طائرات أفضل.
المخاطرة التركية
المثال التركي جيد حقيقة للرد على ما ذكره ريتشارد ويتز. فإذا كانت تركيا، وهي عضو أساس بـ”الناتو” استطاعت (تقنيًّا) الاستفادة من الـ”S- 400″، فما بالك ببقية الدول خارج الناتو؟ وهذا تساؤل مفصلي ومعقد وله آثار سياسية كبيرة تتعدَّى الأثر العسكري على دول المنطقة عمومًا؛ وبالأخص دول الخليج؟
صحيح أن دمج “S- 400″ في مجمع دفاعي أوسع من شأنه أن يُعَظِّم من فائدتها ويجعلها أكثر فعالية؛ لكن أيضًا في المقابل لا شك أن الـ”S- 400” تستطيع العمل بشكل مستقل، لذلك تمكَّنت تركيا من استخدامها بشكل منعزل دون الحاجة إلى دمجها مع شبكة دفاع “الناتو”.
لكن رغم ذلك؛ فإنه من المهم التنويه بأن الروس يرفضون إعطاء الشفرات والإعدادات الإلكترونية للدول التي تشتري “S- 400″؛ خصوصًا تلك التي تتعلق بنظام التعرف على العدو، وهذا أمر حرج، وقد يُعَطِّل من الناحية (التقنية) على الأقل استفادة دول الخليج الكاملة منها.
روسيا ودول الخليج.. فائدة متبادلة
السؤال الآن، هو: هل من الأفضل للمملكة ودول الخليج أن تسعيا لشراء سلاح منظومة صواريخ “S- 400″؟
وللإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نضع في الاعتبار رد فعل الولايات المتحدة؛ فمن المحتمل أن توقف توريد أنظمة الدفاع الأمريكية، أو على الأقل بعضها، إلى دول الخليج التي تتعامل مع روسيا. ومن المحتمل أيضًا أن تُعيد النظر في وجود بعض قواعدها المهمة في دول الخليج التي تستقطب السلاح الروسي. وقد تعاني دول الخليج تحديدًا لفترة من الزمن تغيير منظومتها الدفاعية وتنويعها؛ لأنها حاليًّا معتمدة بشكل كبير على التسليح وكذلك التدريب الأمريكي.
هذا كله حقيقي؛ لكن من المهم نقاش هذه المسلمات حتى نرى الصورة كاملةً وأيضًا لنفهم الخلل والضعف في مخاوف ويتز وقدرة دول الخليج على الاستفادة من هذه التناقضات بين الولايات المتحدة وروسيا. بلا أدنى شك، روسيا حريصة على أن تتم هذه الصفقات. هذا لن يخدمها فقط ماديًّا بل هناك فوائد استراتيجية كبرى للروس من ذلك، وهذا ما يقلق الولايات المتحدة تحديدًا. من أهم الفوائد الاستراتيجية للروس هو المكانة الدولية الناشئة من هكذا صفقات. وإرسال الرسالة الأهم إلى العالم بالنسبة إلى الروس؛ وهي أن روسيا لا تزال قوة عظمى قادرة على تطوير أعظم وأكثر الأنظمة المسلحة فتكًا وقدرة على التدمير، بما فيها نخبة طائرات الولايات المتحدة.
قرأ أيضًا: فشل صفقة إس-400 القطرية يكشف عن رفض روسيا الانحياز إلى الدوحة
الفائدة الأخرى للروس، وهذا جلي من المثال التركي، وأيضًا الرغبة الروسية بعقد هذه الصفقات مع المملكة ودول الخليج، أن هذه الصفقات لو تمت كما تريد روسيا فستحدث خلافًا كبيرًا داخل حلف الناتو، وكذلك مناطق النفوذ الأمريكية تاريخيًّا في المنطقة. سيكون وجود النظام الروسي في أراضي الناتو وكذلك الخليج بمثابة انتصار كبير لروسيا، وقد يدفع دول المنطقة إلى استجلاب المزيد من السلاح الروسي لو حدث حرمان من جهة الولايات المتحدة لها؛ بسبب الـ”S- 400″ أو حتى لأي سبب آخر.
ثم إن هناك مصلحة أمريكية مباشرة من تطوير قدرات هذه الدول وبوجودها أيضًا في المنطقة. فمن ناحية قواعدها العسكرية فهذه ليست حقائب سفر تستطيع نقلها من مكان إلى آخر دون خسائر مادية كبيرة وكذلك كلفة زمنية وأمنية ثقيلة. ولو تم إغلاق مضيق هرمز بسبب التهديدات الإيرانية المتصاعدة فسيتأثر الاقتصاد العالمي بأجمعه والولايات المتحدة ليست مستثناة من الآثار السلبية. فالزعم بأن أي صراع في الخليج ليس له آثار مدمرة على العالم واقتصاده هو محض هراء لا صحة له.

قد تكون الولايات المتحدة محقة في غضبها وتحذيراتها لدول المنطقة من جلب الـ”S- 400″، لكن إذا كانت تركيا وهي عضو في “الناتو” قد سلكت هذا المسار؛ فلا يجب أن نتوقع أن دولًا أخرى خارج “الناتو” ولا تلقى حتى المعاملة التفضيلية لحليف رئيسي خارج “الناتو” أن لا تذهب في نفس هذا الطريق. على الولايات المتحدة أن تدرك أن أي إجراء لحرمان هذه الدول من السلاح الذي تحتاج إليه سيصب مباشرة في مصلحة الروس. دول الخليج وفي مقدمتها المملكة، لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام تهديدات حقيقية وغير متوهمة لمنشآتها الحيوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
♦ حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية، ومتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية، وكبير الباحثين بمركز الخليج.