الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

خبراء يشرحون مرتكزات الخطاب السياسي للإخوان في استقطاب المغاربة

"استطاع ردم الهوة التواصلية بينه وبين شرائح المجتمع المغربي عبر استغلال الدين”

كيو بوست – رشيد العزوزي

تمكنت التعبئة الأيديولوجية للأحزاب القومية مع منتصف القرن الماضي من نشر خطاب مغامر، مقامر، باع الوهم، لامس القلوب، وغيب العقول من المحيط إلى الخليج، فضيع الوقت وهدر الطاقات بتطرق رموزه -عبد الناصر والقذافي والأسد والصحاف- لقضايا كبرى معقدة ومصيرية، عبر أفكار شعبوية شديدة السطحية.

خطاب “قومجي” استطاع إخراج الجماهير البائسة لتهتف باسم الزعيم والقائد والعقيد، وتردد شعارات الثورة وترفع شارة النصر في عز هزيمة 1967، ورغم سقوط تمثال صدام حسين، وما تلا ذلك من نكبات ونكسات جديدة خطيرة في المنطقة، تسببت فيها مناورات حركات أصولية، راحت ضحيتها عواصم عربية، نتيجة إعصار سموه ربيعًا.

اقرأ أيضًا: احتقان غير مسبوق في المغرب: كيف يقود الإخوان البلاد إلى المجهول؟

السيناريو نفسه يعاد اليوم، مع بداية العقد الثاني من هذا القرن، فقد تبدل الباعث الأيديولوجي من قومي اشتراكي إلى إسلام سياسي، نماذجه اليوم تنظيمات الإخوان عمومًا، وبعض القيادات خصوصًا، منها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيس الحكومة المغربية سابقًا، عبد الإله بنكيران، الذي شغل خطابه حيزًا مهمًا من المشهد السياسي في بلده والمنطقة، وأثارت تصريحاته جدلًا واسعًا، وتوبع باهتمام بالغ من طرف طبقة واسعة من المغاربة والعرب، كما شكل متنه مادة دسمة لعدد من الباحثين في الإعلام والفكر والسياسة.

ومن بين هذه الخطابات مخرجاته الإعلامية المتتالية هذه الأيام، التي ذكرت المشاهدين بإطلالاته السابقة عبر الإعلام العمومي. وقتها، جرى اعتبار زعيم الإخوان ظاهرة خطابية تواصلية فريدة – شاذة؛ فصوره تصدرت الصفحات الأولى من الجرائد، وواجهة النشرات الإخبارية الرئيسة، سواء في الإعلام التقليدي أو الحديث.

 

مرتكزات الخطاب السياسي لابن كيران

لا يتجادل اثنان في أن الزعيم السياسي لحزب المصباح قوة تواصلية بامتياز، اعتمد إستراتيجية خطابية محبوكة القواعد، استطاع عبرها الوصول للسلطة وتمرير قرارات غير شعبية ما زالت الطبقتين الفقيرة والوسطى -التي رفع شعار الدفاع عنها في حملاته الانتخابية- تدفع ثمنها حتى الآن، أبرزها ملفا التقاعد والتعاقد فئويًا، وإغراق كل الوطن بديون قياسية؛ إذ ارتفع الدين الخارجي إلى ما يقارب 36 مليار دولار أمريكي السنة الفارطة حسب تقارير رسمية، سيدفع ثمنها جيل اليوم، ويرهن بها مستقبل أجيال الغد، ما جعل الكثير من المتابعين يتساءلون: ما الذي جعل الناخب المغربي يصوت لهذا الحزب في مناسبتين؟ 

الباحث في التواصل السياسي محفوظ أيت صالح

هذا السؤال وجهته كيو بوست للإعلامي الباحث في التواصل السياسي محفوظ أيت صالح، صاحب دراسة “أساليب المغالطة والحجاج في خطاب بنكيران”، غير المنشورة، فأرجع هذا السحر السياسي لرئيس الحكومة السابق إلى “الاستعمال المباشر للصور والتمثلات المشتركة والمعروفة لدى عموم المغاربة، إذ ركز منذ البداية على الدارجة كلغة أساسية في تواصله مع عموم الناس، استطاع بها أن يردم الهوة التواصلية بينه وبين شرائح واسعة من المجتمع المغربي”.

ويستند هذا الفاعل السياسي أيضًا إلى الدين بنوع من الوصاية، والحديث للمغاربة في التجمعات الخطابية بنوع من الأبوية والمظلومية، واعدًا إياهم بالإصلاح الذي لم يتحقق على الأرض حتى اليوم، وهو ما يفسره إخوان المغرب عمومًا بعبارات حار فيها بعض المثقفين، وأولها المواطن العادي على قدر فهمه ووعيه السياسي، أبرزها “التماسيح والعفاريت”.

اقرأ أيضًا: تراكم أزمات المغرب في عهد الإخوان، فهل من خطط لإنقاذ البلاد؟

ويضيف أيت صالح: “رغم تضمن خطاب عبد الإله بنكيران العديد من الرسائل المشفرة، إلا أنها لم تطرح صعوبة في تأويلها لدى عموم المتتبعين، وهو ما جعل منها تحديًا آخر على مستوى التلقي، فهل المعنى الظاهر هو المقصود أم أن هناك معنى آخر لا يمكن للعامة أن تستوعبه؟ فيكون بذلك قد مارس نوعًا من التغليط على من يرفعون الأكف والهتافات المؤيدة له”.

ومن السمات العامة لخطاب ابن كيران:

  • التناقض:

ما أكثر المواضيع الواحدة التي خرج فيها زعيم العدالة والتنمية بتصريح لا يشبه التصريح الذي سبقه ولا الذي سيتبعه، فهو مستعد للتشكيك في مصداقية الانتخابات قبل الفوز، والإشادة بديمقراطية البلاد بعد الفوز، وجاهز للإشادة بحفل الولاء بعد انتقاده. الموقف نفسه تكرر مع المستشار الملكي فؤاد علي الهمة، ومع الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، وزير الفلاحة الحالي، عزيز أخنوش، والأمثلة لا تحسر، آخرها قبوله بمعاش استثنائي بعدما اعتبره ريعًا عندما كان برلمانيًا، مما جعل متتبعين يعتبرون ذلك ضربة قاضية للمشروعية الأخلاقية الحاسمة للرجل والحزب الذي يتزعمه.

وهذا هو السبب المباشر الذي جعله يسارع إلى كشف تقاعده بنفسه قبل أي جهة أخرى، أي لتخفيف الصدمة لدى متابعيه وضمان تحقيق هدفين؛ الأول: إيهام نفسه ومريديه بأنه ما زال واضحًا معهم في مختلف التفاصيل التي تربطه بهم، والثاني: التأكيد على تفاهة معارضيه لأنهم غير قادرين على نقد وتجريح مصدر التقاعد والآمر بصرفه (الملك)، وتركيزهم على المستفيد منه، ومن له الجرأة أن يقوم بذلك، فسيجد نفسه في مواجهة المؤسسة الملكية وليس الآلة الحزبية لبنكيران.

الآن بعد أن جد الجد، أصبح عبد الإله بنكيران يعتبر الحجاب ليس فريضة، وأصبح راشد الغنوشي يردد بأنه سيتفاعل إيجابيا مع…

Posted by ‎سعيد ناشيد‎ on Saturday, 12 January 2019

في حين أن “الخطاب السياسي لرئيس الحكومة السابق هو المتناقض في جوهره، وذاته من يعتمد على المتناقضات باعتبارها مبادئ، خصوصًا على مستوى التكتيكات لتحقيق أهداف معينة، لذلك لا يمكن اعتبار خطاباته مفاجئة، بل تحدث المفاجأة لدى المتلقي بالنظر لطبيعة انتظاراته من هذا السياسي. من هنا فالأولى من الناحية السيكولوجية هو تحليل طبيعة انتظارات الجماهير، وليس خطابات هذا النوع من السياسيين، لأن قربها أو بعدها من أو عن الجمهور مرتبط بمصالحها السياسية والانتخابية”، يقول الأستاذ الباحث في علم النفس محمد الحوش.

الباحث في علم النفس محمد الحوش.

ويتابع الحوش: “إذا أردنا تفكيك وظيفية ذلك الخطاب من الناحية السيكولوجية في علاقة بنكيران بجمهوره السياسي، فالأمر لا يخرج عن الرجة التي يتعرض لها الحزب على مستوى “فضائح” أعضائه الإعلامية، ذات الطبيعة الأخلاقية المتواترة، التي ابتدأت بفاطمة النجار ويتيم وماء العينين وغيرهم، وهو ما يشكل إعدامًا لهذا التنظيم السياسي باعتبار مشروعيته مشروعية أخلاقية أكثر منها سياسية”.

  • المزايدات السياسية والاهتمام بالقضايا الهامشية:

صوت بعض المغاربة لحزب العدالة والتنمية وفق “تعاقد سياسي صريح عناوينه الكبرى ثلاث هي محاربة الفساد، والاهتمام بالطبقات الشعبية، وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وفق أسس متينة يبلغ بها نقطتين زيادة في النمو، ليصل إلى 7%، مع خفض عجز الميزانية البالغ 6% إلى مستوى 3%، وتقليص معدل البطالة من 9% إلى 7%”، كما أعلن في حملته الانتخابية عام 2011.

وها قد مرت سبع سنوات “عجاف” على حكم إخوان المغرب والحال في هذه المجالات ازداد سوءًا في نواح اقتصادية، وحصلت انتكاسة وتراجعات في مجالات قانونية وحقوقية، حسب ما يقول رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، في اتصال مع كيو بوست، معتبرًا “كل تلك الوعود مزايدات سياسية خاوية، والواقع المعاش لا يرتفع، فالمسألة الاجتماعية تعرف اختناقًا حقيقيًا، لأن مطلب إسقاط الفساد ظل سؤالًا مؤجلًا، موجهًا للاستهلاك السياسي الإعلامي فقط، بل أضحى أباطرة الفساد يحاولون استرداد عباءة الشيوخ المصلحين، ويدعون أنهم يواجهون الفساد والحال أنهم هم عين الفساد”.

وأكد لزرق على أن “ورش مكافحة الفساد الهامة في بلادنا لا ينبغي أن تكون رهينة لهذه التجاذبات السياسية، لأنه مخطط طويل، وشاق، وهيكلي، وفق رؤية إستراتجية شفافة ومنفتحة على المستقبل، إنه باختصار سياسة وطنية ذات أولوية وليس أمرًا ظرفيًا مرتبطًا بحزب إسلامي يقود الحكومة”.

  • الصدام والهجوم:
المفكر المغربي إدريس الكنبوري

في هذه النقطة المهمة، قال المفكر إدريس الكنبوري، في اتصال مع كيو بوست، إن “الهجوم على الأحزاب السياسية واضح وثابت ومعروف، بل إن شعبية بنكبران ازدادت بفعل هجومه على حزب الأصالة والمعاصرة الذي “فشل” في مواجهة الإسلاميين، لا سيما أن العدالة والتنمية في انتخابات 2016 لم ينجح إلا بتركيزه على هذا الحزب الذي ما فتئ يصفه بالتحكم، الساعي إلى القضاء عليه، ما شكل مفاجأة وقتها؛ فكيف لحزب يقود الحكومة ينجح ثانيًا في الرتبة الأولى؟ وهذا سيناريو غير متوقع ومسألة غريبة لا نجدها في بلدان تنتخب، حتى لا نقول ديمقراطية”.

وأضاف المتحدث: “حزب العدالة والتنمية يعيش على أساس وجود عدو، لذلك لا بد أن يدخل في صراعات مع أطراف سياسية ومجتمعية. وللحقيقة، فأمينه العام شخصية هجومية لا يمكنها العيش بدون عدو، لدرجة أن نزع الشراسة في مواجهاته سيفشل مهمته في التواصل السياسي مع الناس، لذلك فقد هاجم “الأصالة والمعاصرة”، وبعدها “حزب التجمع الوطني للأحرار“، واليوم فيدرالية اليسار، وغدًا يمكن أن يهاجم حزب الاستقلال، والباب مفتوح على كل الاحتمالات”.

ويتفهم متابعون تهجم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية السابق على فرقاء سياسيين داخليين في إطار المناورة السياسية، لكن أن يصل ذلك حد مهاجمة الفريق ضاحي خلفان، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، رئيس مجلس مكافحة المخدرات في الإمارات، رغم ما يجمع البلدان من علاقات إستراتيجية فذلك يعني العبث السياسي.

اقرأ أيضًا: خبراء يوضحون: هذا هو موقف المغرب الفعلي من أزمات المنطقة

 

مستقبل هذا النوع من الخطاب

ربما نجح هذا النوع من الخطاب في تقريب المواطن العادي من صندوق الاقتراع، لأن الفاعل السياسي خاطبه بلغة يفهمها، ووعده بحاجيات محروم منها؛ خطاب يوتوبي شبع موتًا في أوروبا. وأن يعاد تدويره اليوم على يد إسلاميي المغرب، فإن ذلك يؤكد بالملموس أن خطاب تسييس الدين من طنجة إلى جكرطا يعيش نوعًا من الإنهاك السياسي والانطفاء الأيديولوجي.

إن ما حصل عليه حزب المصباح انتخابيًا عبر التخويف من دمار الربيع العربي، بدأ يفقده سياسيًا من خلال تجربته في الحكم، ودليلنا التراجع المهول في شعبية التنظيم والزعيم والخطاب، كما تفيد العديد من الإحصائيات، وفي المقابل ارتفاع منسوب اليأس وفقدان الأمل في صفوف قاعدة كبيرة من المغاربة. وعندما يموت الأمل تنتعش الأجندات الخفية ويفتح المستقبل على المجهول، إن لم يجر تدارك الأمر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

.الله اعلممن وراء كل هاته الحكاية المرتبطة بمعاش استثنائي يتأكد ان بنكيران ما زال لم يفهم ان مدة صلاحيته السياسية…

Posted by Omar Cherkaoui on Monday, 28 January 2019

وما تصويت المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب) عام 2017، ضد تعديلات تسمح للأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، بالترشح لولاية ثالثة، أو التقاعد المريح والمبكر الذي خص به عاهل البلاد لهذه الشخصية، إلا في إطار التدابير العاجلة للقطع مع خطاب الوهم واليوتوبيا، حزبيًا ووطنيًا، والتفكير في مرحلة ما بعد بنكيران.    

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة