الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

خبراء لـ “عين أوروبية على التطرف”: المتطرفون قد يستطيعون شن هجمات بالطائرات المسيرة ضد الغرب

كيوبوست – ترجمات

بول إيدون♦

انتشرت في العقدِ الماضي الطائرات المُسيَّرة (دون طيار) على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. تتراوح هذه الطائراتُ؛ من الطائرات المُسيَّرة المسلحة، التي تُعرف أيضًا باسم المركبات الجوية غير المأهولة، التي يمتلكها حاليًا عدد كبير من الدول أكثر من أي وقتٍ مضى، إلى الطائرات المُسيَّرة التجارية الأقل تطورًا التي يمكن للمرء أن يشتريها بأسعارٍ زهيدة نسبيًا. وبالتالي، فهناك قلقٌ متنامٍ من إمكانية تسليح الفئة الأخيرة، واستخدامها في الهجمات الإرهابية التي تقوم بها جماعاتٌ متطرفة أو أفرادٌ ضد الدول الغربية. وفي هذا الصددِ، يواصل موقعُ “عين أوروبية على التطرف”، متابعاته مع عددٍ من الخبراء لتقييم احتمال تحول هذه الفرضيةِ الخطيرة إلى واقعٍ في المستقبل القريب.

من جانبِه، قال صامويل بنديت، الباحثُ في “مجموعة الشؤون الدولية” التابعة لـ “مركز التحليلات البحرية” والباحث في برنامج التكنولوجيا والأمن القومي في “مركز الأمن الأمريكي الجديد”: “إن التهديد خطير للغاية لأسبابٍ عدّة، فتكنولوجيا الطائرات المُسيَّرة منتشرة بالفعل، ويمكن الحصولُ عليها بسهولة من خلال القنوات التجارية العادية. وفي الواقع، يمكن تحويل أي طائرة مسيرة بسيطة اليوم إلى نسخةٍ قتالية فتاكة، وهذا ما حدث في سوريا عندما استخدم داعش طائراتٍ صينية مُسيَّرة بسيطة من طراز  DJI”.

طائرة صينية بدون طيار – أرشيف

في السنواتِ الأخيرة، أظهر تنظيمُ داعش في مناسباتٍ عدة كيف يمكن تعديل طائرات الهواة المُسيَّرة التجارية لإسقاط قنابل صغيرة بحجم القنابل اليدوية على خصومه. ورغم أن مثل هذه القنابل ليست دقيقة، فإن صغر حجم الطائرة المُسيَّرة يجعل من الصعب جدًا إسقاطها. علاوة على ذلك، أظهر تنظيم داعش أيضًا قدرة متنامية على استخدام هذه الطائرات الصغيرة والسريعة في هجماتٍ منسقة تضم سربًا من الطائرات. ولو كان لديهم المزيد من الوقت لتطوير هذه القدرات وتحسينها، لأصبحوا يشكِّلون تهديدًا أخطر بكثير ضد المناطق العسكرية، والمناطقِ المدنية المكتظة بالسكان.

وصلت قدراتُ داعش في مجالِ استخدام الطائرات المُسيَّرة ذروتها في عام 2017، قبل أن يفقد السيطرةَ على مدينة الموصل، أكبر مدن الخلافة، بفضل هجومٍ عراقي مدعومٍ من القوات الأمريكية. من المؤكد أن الطائرات المُسيَّرة لم تصل حدَّ الأسلحة التي تغيِّر قواعد اللعبة، ولكنها، مع ذلك، أظهرت كيف يمكن لهذه الطائرات البسيطة نسبيًا أن تصبحَ أسلحةً فتاكة.

اقرأ أيضًا: ما بعد داعش: أمريكا وإيران والصراع على الشرق الأوسط

إضافة إلى ذلك، فهي تُجبر الجيوشَ في جميع أنحاء العالم، على تطويرِ دفاعات مضادة. وفي حين استطاع صاروخ باتريوت أمريكي إسقاط طائرة مسيرة لداعش، إلا أن هذه طريقةٌ غير مستدامة للدفاع ضد مثل هذه التهديدات الجوية. إذ أن هذه الصواريخ مصممة لصد أهداف جوية أكبر حجمًا. كما أن متوسط تكلفة صاروخ باتريوت يصل إلى قرابة 3 ملايين دولار، ما يعني أنه إذا تمكنت جماعاتٌ مثل داعش من استخدام الطائرات المُسيَّرة -التي تكلف بضع مئات أو بضعة آلاف يورو للطائرة الواحدة- في هجماتٍ منسقة بعددٍ كبير منها، ستنفد مثلُ هذه الصواريخ الباهظة الثمن والمتطورة بسرعة.

وفي تعليقٍ له على استخدام داعش لمثل هذه الطائرات، قال بنديت: “لقد علمنا أن مثلَ هذا التهديد مستمر وواسع الانتشار وقائم، ومن ثم، تحتاج الجيوش الآن إلى أنظمة دفاع مضادة للطائرات المُسيَّرة على كل وحدة قتالية، بمعنى تكنولوجيا يمكنها تحديد هذه الطائرات المُسيَّرة، وتتبعها، والتشويش عليها، وإسقاطها”.

وأضاف: “يجب أن تكون هذه التكنولوجيا المضادة للطائرات المُسيَّرة متاحة ويجري اختبارها باستمرار لضمان تمكنها من تتبع جميع أنواع هذه الطائرات، بدءًا من طائرات الهواة المُسيَّرة الصغيرة إلى الطائرات المُسيَّرة بعيدة المدى الأكثر تطورًا”.

صاروخ الباتريوت – أرشيف

ومع ذلك، فقد لا يكون هذا كافيًا لمنع الأفراد أو الجماعات المنفردة من استخدام طائرات مسيرة مسلحة في الهجمات الإرهابية. ويرى بنديت أنه “نظرًا لما يحدث في جميع أنحاء العالم، فإن الاستنتاج المنطقي هو أنه لا يوجد هناك ما يمنع فرد مغامر ومتحمس من إعادة تجهيز مثل هذه الطائرة المُسيَّرة بالأسلحة”.

غير أن السؤال المهم، في رأيه، هو “إلى أي مدى تعمل الأجهزة الأمنية والمؤسسات التجارية الأكثر احتمالًا للتعرض لمثل هذه الهجمات -مثل الملاعب الرياضية، على سبيل المثال، أو المصانع والمحطات الكيميائية- على تطوير إجراءات وتقنيات خاصة بها للتصدي للطائرات المُسيَّرة. خلال كأس العالم لكرة القدم 2018 في روسيا، قامتِ السلطاتُ وقوات الأمن بوضع أنظمة حربٍ إلكترونية، وأخرى للتصدي للطائرات المُسيَّرة في الملاعب للحماية من التهديدات المحتملة من هذه الطائرات”.

ومن جانبه، أشار نيكو ووترز، ضابطٌ سابق في الجيش البريطاني، ومحلل للمصادر المفتوحة في موقع الصحافة الاستقصائية “بلينجكات”، الذي أجرى أبحاثًا مستفيضة حول استخدام الطائرات المُسيَّرة في الصراعات الحديثة، إلى أن إسقاط الطائرات المُسيَّرة الأصغر حجمًا أصعب بكثير. الطائرات المُسيَّرة الأكبر فعالة فقط في الصراعات غير المتكافئة. ومع ذلك، حتى لو كان الجانب المقابل لديه أبسط الدفاعات الجوية، لن يكون لدى تلك الطائرات المُسيَّرة سوى القليل من الوسائل لحماية نفسها.

اقرأ أيضًا: هل انتهى تنظيم داعش من مرحلة إعادة التأسيس مجددًا؟

وأضاف: “يمكن بالفعل مواجهة الطائرات المُسيَّرة الأكبر حجمًا بشكلٍ فعال بواسطة القدرات التقليدية المضادة للطائرات. وعلى العكسِ من ذلك، فإن طائرات الهواة المُسيَّرة الأصغر حجمًا قد يصعب مواجهتها على وجه التحديد لأنها صغيرة جدًا. توجد حاليًا مجموعة كبيرة من التدابير المضادة الجديدة التي يجري اختبارها وتركيبها، لكنه لم ير بعد واحدةً فعَّالة عالميًا”.

وأوضح مدى صعوبة التصدي لطائرات الهواة المُسيَّرة الصغيرة التي يمكن لأي شخص شراءَها بسهولة من المتاجر. “فيما يتعلق بالتدابير المضادة المادية، فإن إطلاق النار في الهواء ليس فعالًا تمامًا (أجرى الجيشُ البريطاني بالفعل تجربة ووجد أن إسقاط طائرة مسيرة صغيرة يتطلب عددًا سخيفًا من الطلقات) ووفقًا لمعلوماتي فمعظم الطائرات المُسيَّرة أصغر من أن يتم استهدافها بصواريخ الدفاع الجوي المحمولة على الكتف”. الجدير بالذكر أن منظومات الدفاع الجوي المحمولة على الكتف هي صواريخ أرض-جو عادةً ما تستخدمها قواتُ المشاة للدفاع عن نفسها ضد الطائرات/ طائرات الهليكوبتر التي تحلق على ارتفاعٍ منخفض.

إذن، لا تبقى سوى المنظومات الإلكترونية المضادة، التي أشار ووترز إلى أنها تعتمد على سياق ومكان استخدامها. “في لندن، لديك بيئة كهرومغناطيسية معقدة للغاية، لذلك لا يمكنك فقط التشويش على كل الترددات، ولكن ربما يمكنك استخدام هذه الأنواع من الأنظمة بحريةٍ أكبر بكثير إذا كنتَ في وسط الصحراء”.

عناصر تابعة لتنظيم داعش الإرهابي – أرشيف

في الوقتِ الحاضر، من الصعب توقع مدى القدرة التدميرية للهجمات الإرهابية بطائراتٍ مُسيَّرة. وأشار بنديت: “لم نتعرض بعد لهجومٍ من هذا القبيل في الغرب”. ومع ذلك، فهناك تدابير استباقية يمكن اتخاذها للتقليل إلى أدنى حدّ من خطر وقوع مثل هذه الهجمات. ومن الأمثلة التي قدمها بنديت التسجيل الإلزامي للطائرات المُسيَّرة الخاصة، و”تطبيق نظام لتحليق الطائرات المُسيَّرة”. “الهجوم الذي يشنه أحدُ الذئاب المنفردة قد يكون له ضرر محدود حيث إن مثل هذه الطائرات الصغيرة لا يمكن أن تحمل سوى قدرٍ قليل (أي عدد قليل من القنابل اليدوية أو القنابل الصغيرة على سبيل المثال)، ومن ثم فإن الأضرار الفعلية قد تكون ضئيلة”.

وبصرفِ النظر عن الخسائر الصغيرة أو الأضرار المادية، فإن الهجوم الإرهابي الناجح بطائرة مُسيَّرة قد يؤدي لعواقبَ نفسية أو اقتصادية أكبر بكثير، خاصة إذا ما استهدف ملعبًا رياضيًا أو مهرجانًا عامًا، ومن ثم تسبب في “إلغاء الفاعليات لفترات طويلة الأمد، وخلق حالة من الذعر عامة”.

اقرأ أيضًا: دراسة في التضليل الذي تمارسه التنظيمات الإرهابية

قد يحاول المتطرفون شنَّ مثل هذا الهجوم على أمل تحقيق مثل هذه النتيجة. كما أشار بنديت إلى أن الجهات الفاعلة من غير الدول والعصابات الإجرامية تستخدم بالفعل الطائرات الميسرة للوصول إلى الأشخاص المسجونين “أو لإيصال إمداداتٍ رئيسة إلى المناطق المحمية التي عادة ما تمنع أي نوع آخر من الوصول أو الاتصالات”.

وإلى جانبِ الطائرات المُسيَّرة المتاحة تجاريًا، تحصل الجهات الفاعلة من غير الدول على نحو متزايد أنظمة طائرات مُسيَّرة من الطراز العسكري: “التكنولوجيا اللازمة لصنع طائرة مسيرة أكثر تطورًا أصبحت منتشرة أيضًا، والحصول على تكنولوجيا وبرامج الملاحة عبر الأقمار الصناعية التجارية أسهل اليوم مما كان عليه قبل 5-6 سنوات”.

وأشار إلى أن الجهات الفاعلة من غير الدول يمكنها الآن صنع طائرات مسيرة مسلحة بدعم من العدد المتزايد من الجهات الفاعلة الحكومية، التي نجحت في تطوير قدراتها الخاصة في مجال الطائرات المُسيَّرة: “هكذا يضع الحوثيون في اليمن أيديهم على طائرات مسيرة متطورة من إيران لضرب أهدافٍ سعودية”.

اقرأ أيضًا: الانتقادات الموجهة إلى دور المملكة العربية السعودية في اليمن غير موضوعية ولا تخدم سوى مصالح إيران

في سبتمبر 2019، وفي خطوةٍ غير مسبوقة، استهدفت مجموعة من الطائرات المُسيَّرة وصواريخ كروز، في هجوم منسق، المنشآت النفطية السعودية. ولم تتمكن أنظمة الدفاع الجوي المتطورة في المملكة، التي شملت صواريخ باتريوت أمريكية الصنع، حتى من عرقلة ذلك الهجوم، الذي يشتبه في أن طهران نفذته أو على الأقل قامت برعايته.

علاوةً على ذلك، فقد تم استهداف القاعدة الجوية الروسية الرئيسة في اللاذقية بسوريا، بسربٍ من الطائرات الغامضة عبارة عن طائرات مسيرة بدائية الصنع ومفخَّخة بالمتفجرات. وفي حين فشلت هذه الهجمات حتى الآن في إلحاقِ أضرار كبيرة، إلا أنها تظهر أن هذه الجماعات تشتري التكنولوجيا والقدرات التي تفوق تلك التي كان يمتلكها تنظيمُ داعش منذ ثلاث سنوات.

في الآونةِ الأخيرة، تم استهداف القوات الأمريكية في شرق سوريا بطائراتٍ مُسيَّرة صغيرة لإسقاط “ذخائر شبيهة بقذائف الهاون” مماثلة لطائرات الهواة المسلحة التي استخدمها داعش في الماضي. غير أن الأمرَ الأكثر إثارة للقلق هو أن بعض الذخائر قد أنتجت على ما يبدو بواسطةِ طابعات ثلاثية الأبعاد.

شاهد: ما هي أخطر التنظيمات الإرهابية حول العالم؟

إلى ذلك، تعمل مجموعاتٌ مختلفة في الشرق الأوسط بشكلٍ محموم لتحسين قدراتها في مجال الطائرات المُسيَّرة، الأمر الذي من شأنه أن يمنحها تفوقًا على العديد من خصومها. وفي هذا الصدد، قال أبو آلاء الولائي، زعيم كتائب سيد الشهداء، ميليشيا شيعية موالية لإيران في العراق، “نعمل ليلًا ونهارًا لتطوير طائرات مُسيَّرة يمكن تجميعها في غرفة معيشة”.

يعتقدُ ووترز أن التهديد الذي تشكِّله الطائراتُ المُسيَّرة قد يكون خطيرًا جدًّا، وليس من قبل الجماعات الإرهابية فقط. ففي ديسمبر 2018، على سبيلِ المثال، اضطرَّت سلطاتُ مطار جاتويك، بالقرب من لندن، إلى إغلاقه مؤقتًا بسببِ رصد طائراتٍ مسيَّرة بالقربِ من المدرج. وعليه، تم إلغاء مئات الرحلات الجوية، ما أثّر على رحلات أكثر من 140,000راكب.

مطار جاتويك في لندن – أرشيف

ويرى ووترز “أن حادثةَ مطار جاتويك التي أدَّت إلى إغلاقِ جزءٍ رئيسٍ من البنية التحتية الوطنية الحيوية لمدة 48 ساعة تقريبًا، أظهرت ما يمكن أن يحققه شخصٌ أو مجموعةُ أشخاصٍ بطائرةٍ مسيَّرة وخطة فعالة.. أعتقد أن تلك الحادثةَ، أكثر من هجمات داعش، قد أقلقت صناع القرار”.

بالنسبةِ لأولئك الذين يرغبون في التخطيط لهجمات بطائرات مسيرة، الجزء الصعب هو صنع المتفجرات أو الذخائر. ومع ذلك، يرى ووترز “أننا قد رأينا، أنه يمكن الحصول على هذا النوع من الخبرة”.

وختامًا، سيكونُ من قبيل عدم الواقعيةِ، فضلًا عن عدم المسؤولية، التقليل من إمكانات الجماعات المتطرفة أو الذئاب المنفردة الذين قد يستخدمون هذه التكنولوجيا لشنِّ أشكالٍ جديدة من الهجمات الإرهابية في المستقبل غيرِ البعيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

♦صحفي مقيم في منطقة الشرق الأوسط

المصدر: عين أوروبية على التطرف

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة