الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
خالد تاجا “أبو أحمد” التغريبة الفلسطينية.. أحد عشر عاماً على الغياب

كيوبوست- زيد قطريب
سمّاه محمود درويش “أنطوني كوين العرب”، لكن دريد لحّام قال إنه “أكثر صدقاً وأهميةً من كوين، الممثل المكسيكي الشهير”. فالفنان السوري خالد تاجا (6 نوفمبر 1939 – 4 أبريل 2012)، تمكّن من نحت خصوصية فنية قلَّ نظيرها، حتى إن مجلة “تايم” الأمريكية صنّفته ضمن أفضل خمسين فناناً على مستوى العالم.
بدأ تاجا حياته الفنية عام 1957على خشبة المسرح، فقدم عدة أعمال منها “مرتي قمر صناعي، بيت للإيجار، آه من حماتي، الطلقة الأخيرة..”، ورغم أن بدايته السينمائية كانت في فيلم حمل عنوان “سائق الشاحنة”، إلا أنه تمكن لاحقاً من قيادة قطار الفن وصناعة أهم محطاته وأكثرها إدهاشاً في الحرفية وصدق الأداء.
اقرأ أيضاً: دراما رمضان 2023 اجتماعية وكوميديا وأشكن وأعمال تاريخية
هو “أبو أحمد” في “التغريبة الفلسطينية“، و”الحارث بن عبّاد” في “الزير سالم”، و”أبو منذر” في “زمن العار”. تلك الأدوار التي حفرت مكانتها عميقاً في الذاكرة العربية، جسّدها خالد تاجا بفرادة تفسّر طبيعته الشكسبيرية، عندما رفض دور الزير سالم، وتمسك بدور الحارث بن عباد.
يقول الناقد الفني ماهر منصور لـ”كيوبوست”: “استطاع خالد تاجا أن يشبّ عن طوق الكاتب والمخرج. فكان يصنع حضوره الخاص مهما كانت مساحة ظهوره محدودة، ويدير ظهره للشخصيات النمطية، رغم أنه كان يؤديها باقتراحاتٍ جديدة. قضى خالد تاجا أكثر من نصف قرن من التمثيل وهو يجرب، والتجريب هنا يعني أخذ الشخصيات إلى مساحاتٍ أخرى من الدهشة، فضلاً عن إدارة أدواته كممثل بما فيها لغة جسده، على نحو يضمن توليف شخصيةٍ أبعد ما تكون عما هي عليه في الورق المكتوب”.

قدَّم خالد تاجا أكثر من 150 عملاً فنياً، ولم يكن يوماً مشغولاً بتولي أدوار البطولة، بل كانت أدواره المختارة بعناية، تزاحم على البطولة مهما كانت هامشية، لأنه يؤديها بموهبة فذة وكاريزما قادرة على اكتشاف الجماليات في أبسط الأدوار.
يقول الناقد الفني وسام كنعان لـ”كيوبوست”: “خالد تاجا موهبة كبيرة تمتاز بقوة الحضور والكاريزما. لا يشبه إلا نفسه ولا أحد يشبهه، لا على مستوى الأدوات التجسيدية، ولا على مستوى البنية الفيزيولوجية والتحكم بعضلات الوجه وطبقات الصوت، إنها ميزات مكنته دائماً من تقديم شخصيات مختلفة ومتلاحقة”.

ويضرب الناقد ماهر منصور، مثالاً على قدرة الراحل تاجا في نقل الدور من المرتبة الثانوية إلى مصاف البطولة، فيقول: “ظهر تاجا في أدوار ثانوية من دون أن تزيحه عن دائرة الضوء.. فقد برز في مسلسل «عصيّ الدمع» وسط نجوم الصف الأول، رغم أن دوره اقتصر على جملتين ثابتتين يكررهما في مشاهد معدودة على الأصابع، حيث يقف وسط بهو قصر العدل، يسأل الناس حوله: “نحنا هون وين.. قصر شو.. قصر العدل.. ضاحكاً”.
تميّز تاجا بثقافة عميقة، تفسر ذلك الامتلاء الذي كان يظهر واضحاً في سلوكه الحياتي والفني. تلك الصلابة الواثقة، كانت تستمد طاقتها من منبعين، الأول نظري مرتبط بالقراءات، والثاني عملي متصل بتجارب الحياة.
اقرأ أيضاً: مسلسل “رسالة الإمام”.. استعادة متعجلة لمآثر الشافعي
يقول الناقد كنعان:
“خالد تاجا صاحب ثقافة واسعة، فقد كان ينهل من الكاركتارات الحياتية والفنية، وعبر السفر والتعاطي مع الحضارات المختلفة.. كان يمتلك مزاجاً فنياً خاصاً جداً فهو يحب جمع القطع الأثرية والأنتيكا القادرة على تحفيز خياله، وأخذه إلى أماكن يصعب على الآخرين الذهاب إليها”.
ويضيف كنعان: “في إحدى العمليات الجراحية الخطيرة التي أجريت له، رفض التخدير العام، فخدروه موضعياً وكان يتابع العملية على شاشة رُكبت خصيصاً لأجله. عاش بربع رئة. كان جباراً وقيمة نوعية وصلت إلى عالميتها من خلال التوغل في المحلية“.
تزوّج خالد تاجا أربع مرات انتهت جميعها بالطلاق أو الفراق. واختار منذ أواخر التسعينيات العيش وحيداً مع فنه وذكرياته، وربما يتفق هذا مع شخصيته الفريدة والإشكالية، فشخصيته الأدائية المختلفة في التمثيل، كان يقابلها شخصية فريدة في الحياة.

ابتعد تاجا عن الفن قرابة 12 عاماً، نتيجة إصابته بسرطان الرئة، وفي عام 1986، عاد إلى العمل من خلال مسلسل (دموع الملائكة) واستمر في العمل حتى وصل رصيده إلى عشرات المسلسلات والأفلام السينمائية والمسرحيات. ومن أهم مسلسلاته: ” الخبز الحرام، البحر أيوب، آخر أيام التوت، رقصة الحباري، صيد ليلي، مسلسل دنيا، ليس سراباً، شبكة العنكبوت، الأبواب السبعة، المليونير الصغير، نساء بلا أجنحة، نهاية رجل شجاع..”.
وبعد أن تجاوز السبعين، تجدّدت معركة خالد تاجا مع المرض، ولم يسعفه الوقت لإكمال مذكراته التي كان ينوي تحويلها إلى عمل درامي.
يقول الناقد ماهر منصور: “لا يعني هذا أن خالد تاجا لم يخطئ في اختيار بعض أدواره، لكن فضيلته تبقى في أنه استطاع محو تقصيره في ذاكرتنا بمشهد واحد فقط”.
رحل خالد تاجا عن عمر ناهز 73 عاماً، وكان قد أعدّ قبره بنفسه، وكتب عليه: “مسيرتي حلم من الجنون، كومضة شهابٍ زرعت النور بقلب من رآها، لحظة ثم مضت”.