الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةمقالات

خارج إفريقيا.. امرأة كالإعصار وحبيب يقدس عزلته

كيوبوست

عبيد التميمي ♦ 

Out of Africa“، من انتاج عام 1985، هو فيلم مقتبس عن مذكرات الكاتبة البارونة الدنماركية كارين بليكسن، التي تتكلَّم عن السنوات التي قضتها في إفريقيا، عن حياتها الشخصية والزوجية المتقلبة، وعن المصاعب التي واجهتها في إدارة ممتلكاتها؛ وعلى رأسها مزرعة القهوة. أخرج الفيلم سيدني بولاك. وميريل ستريب وروبرت ريدفورد كانا على رأس طاقم العمل التمثيلي.

 منذ البداية حاول سيدني بولاك ضبط نبرة الفيلم عن طريق إضافة صوت ميريل ستريب كراوية للأحداث تسرد جزءًا من قصتها؛ لكي لا يخسر المشاهدين في بداية رحلته الطويلة، ويوضح لمَن لا يعرف أي شيء عن قصة هذه المرأة وجود أحداث مستقبلية عاطفية قد تستحق البقاء لأجلها. وأعتقد أن هذه هي العقبة الكبرى التي واجهها سيدني بولاك؛ فلقد كان المطلوب منه تحويل مذكرات شخصية إلى فيلم، مذكرات يتخللها العديد من الأحداث والأفكار الداخلية والحوارات النفسية  التي يصعب جدًّا نقلها إلى الشاشة.

اقرأ أيضًا: ما هي جذور المحاربات الحسناوات في الكتب الهزلية والأفلام السينمائية؟

على الرغم من محاسنه المتعددة، يعاني الفيلم بشكل واضح من الناحية السردية؛ فالسرعة المستخدمة في رواية هذه المذكرات مترامية الأطراف تكاد تكون معدومة، ويستغرق الفيلم وقتًا طويلًا في التنقل بين أحداثه؛ بسبب العديد من المشاهد والنقاط التي أراد الفيلم إيصالها، والتي كان من الممكن  الاستغناء عنها؛ إما لانعدام أهميتها وإما لتكرارها، فكم مرة نحتاج كمشاهدين إلى أن نرى بطلة الفيلم كارين وهي تعمل بيدَيها العاريتَين في حقولها؛ حتى نعلم أنها امرأة غير اعتيادية وتكسر الصورة النمطية للمرأة الأوروبية في إفريقيا؟! وما الفائدة من التطوير غير المكتمل للصداقة بين كارين والشابة فيليستي إذا كانت هذه الصداقة لا تقود إلى أي شيء على الإطلاق؟! وقد تكون المشكلة الكبرى هي أنه في كل مرة يصل الفيلم إلى رتمه المطلوب، ويلامس جوهره النقي المتمحور حول إعادة اكتشاف النفس والصدام في العلاقات البشرية، يعود مرة أخرى إلى إضاعة وقته في زوايا لا تستحق.

اقرأ أيضًا: هل يستفيد العرب من أعمالهم الدرامية سياحيًا؟

هذا الأمر محبط للغاية؛ لأنه حينما تشاهد نقاط قوة الفيلم تكتشف أن هذه النقاط حينما توجد في فيلم متراص ومنجز، سوف تسطع ويسطع الفيلم بأكمله نتيجةً لذلك، نقاط القوة كالتصوير السينمائي الأخاذ الذي استحق الفوز بجائزة الأوسكار في عام 1985؛ كالأداءات التمثيلية الجذابة من ميريل ستريب وروبرت ريدفورد، وبالطبع الحوارات التي كانت تدور بين بطلَي الفيلم، وكانت تكسر الروتين الهادئ والبطيء، وتجعل منهما شعلةً متقدةً في ظل أداءات باردة وباهتة من العديد من الطاقم التمثيلي، لكن هذه الحوارات لم تحصل بشكلٍ كافٍ.

ميريل ستريب مع روبيرت ريدفورد- مشهد من الفيلم

الفيلم مليء بالتناقضات التي استفاد منها؛ ها نحن نشاهد امرأة أوروبية في قلب قارة إفريقيا، تتأقلم مع نمط المعيشة هناك رغمًا عنها، وتكتشف أشياءً جديدة عن نفسها؛ بسبب هذه الصدمة الثقافية والجغرافية، وتتغير شخصيتها تباعًا مع هذه الاكتشافات؛ بل إن علاقة الفيلم العاطفية بين البطلَين علاقة مليئة بالتناقضات، كارين امرأة كالإعصار تحاول أن تغير كل من وما يقف في طريقها، ودينيس يميل إلى تقديس عزلته والابتعاد عن الناس قدر الإمكان، وبسبب هذا الاصطدام يستطيع الفيلم إنتاج مشاهد حوارية صارخة تجعل المشاهد يحس أنه يشاهد فيلمًا آخر.


 كاتب سعودي

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة