الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
حكايات عربية.. بدايات أحمد أمين ونهاياته

كيوبوست
أحمد بن سليمان المطرودي ♦
تقديم المقالة بصوت الكاتب
“… وقد اعتدتُ -عند كتابة مقال- أن أرسم الموضوع إجمالًا؛ لا تفصيلًا.. وإذا رسمته أبحث لنفسي أن أغيِّره، وأبدِّله إذا جدّ جديد. وكثير من المعاني التفصيلية تأتي وأنا أكتب؛ لا وأنا أفكِّر قبل أن أكتب. ولهذا لمَّا أُصِبْتُ في عيني، ونهاني الأطباء عن الكتابة زمنًا؛ صَعُبَ عليَّ الإملاء، ولم أجد من غزارة المعاني ما كنتُ أجد عند مزاولة الكتابة بنفسي…”.
بدافع وتحريض من أخ وصديق لفعل الكتابة في هذا المجال، عدتُ لتصفُّح كتاب “حياتي” لأحمد أمين، بعد قراءة كاملة لتلك السيرة في شهر رمضان الماضي. وكنتُ قد توقَّفت سنوات طويلة عن كتابة مثل هذه المقالات؛ بعد أن انقطعت للكتابات الرسمية كاتبًا ومدرِّبًا.
كنتُ أنقِّب عن نص عَرَضَ فيه أحمد أمين تعرُّضَه لانفصال في الشبكية، وما جرَّه ذلك الألم من معاناة لشخص تعوَّد على القراءة والكتابة بنفسه؛ دون الاستعانة بأحد… وقد أحاط تلك النصوص بمشاعر وكتابات معبِّرة عن فقده والدته، موضحًا أن الأبناء والزوجة لم يستطيعوا أن يغطّوا ذلك الفراغ الذي تركته في حياته.
البصرُ حاسّةٌ من الحواس الخمس تشغل أدمغتنا بنسبة 85%، وما يبقى يتوزَّع على بقية الحواس.. وكثيرًا ما يستوقفني تقديم السمع على البصر في القرآن الكريم.. وقد يكون ذلك لأن السمع قد يكون استماعًا، وفيه قصدية؛ بينما البصر قد يقع على أشياء دون قصد.
اقرأ أيضًا: حكايات عربية.. مروان بن محمد في أواخر أيام دولته
كثير من العميان في محيطنا يمهرون من خلال صعود حاستَي السمع واللمس، ويفسِّر ذلك أن تلك النسبة الكبيرة التي كانت مخصَّصة للبصر توجَّهت إلى بقية الحواس. وفي هذا السياق يحضرنا قول بشار بن برد:
يا قَومِ أَذني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ
وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا
قالوا بِمَن لا تَرى تَهذي فَقُلتُ لَهُم
الأُذنُ كَالعَينِ تُؤتي القَلبَ ما كانا
هَل مِن دَواءٍ لِمَشغُوفٍ بِجارِيَةٍ
يَلقَى بِلُقيانِها رَوحًا وَرَيحانا
لقد عشق واستقر الحب في قلبه ووقر؛ نتيجة سماع صوت، مع أن صاحبات الأصوات الجميلة قد لا يكنّ حسناوات؛ وَفقًا لرأي سائد منتشر.
اقرأ أيضًا: حكايات عربية.. سحيم.. الشاعر الذي قتله شعره
وعودة إلى أجواء نص أحمد أمين، أستحضر حوارًا مع الصديق الراحل عبد الرحمن الوابلي، الذي كنت ألتقيه لقاءات ثنائية مطولة، في أثناء كتابة مسلسل “العاصوف”، وقد سألني ذات مرة، في مقهى فندق الفهد كراون، الذي يقع في الدائري الشرقي على طريق مطار الملك خالد الدولي.. سألني في أثناء الكتابة، وقد كان يكتب ليلًا وينام نهارًا، عن نهايات الأحداث.. وهل يُفترَض أن تكون حاضرة ومحددة في الذهن قبل الولوج في الكتابة؟
أجبتُه بلا تردد: لا.. الخيال المبدع سيصل إلى تلك النهايات دون عناء، والمهم أن نطلق المجال لذلك الخيال، ولا نشغله بنهايات قد تفسد ما نحن فيه، وقد تؤثر سلبًا على الكتابة. واستعنت لتأييد رأيي بما قرأته عن نجيب محفوظ عندما كتب الثلاثية الخالدة… لقد تشعَّبت بعض الشخوص، وامتدت لدرجة لم يتوقعها ذلك الروائي الاستثنائي؛ وهو ما دفعه إلى وضع أوراق خاصة في مكتبه، ترصد مسار كل شخصية.
في معهد بريدة العلمي تتلمذت على يد مشايخ (في درس الفقه) كانوا عميانًا، وكان إدراكهم وإدارتهم للفصول عجيبَين!
كانوا يدركون من خلال ردّ الطالب على سؤال: هل حفظتَ متن الخِرَقي؟ ويعرفون من إجابته أنه قد حفظ أم لا، وعليه يطلبون التسميع عند الشك.
♦ مختص باللغويات التطبيقية وعلم اللغة الحاسوبي