الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
حسن إيرلو.. هل هو قاسم سليماني اليمن؟
في أكتوبر 2020 قامت إيران بتعيين حسن إيرلو سفيراً لها لدى اليمن... وهي خطوة يُنظر إليها كمحاولة إيرانية لتكرار نجاح مشابه لما حققه قاسم سليماني في العراق وسوريا

كيوبوست
في فبراير من عام 1979 نجحت الثورة الإيرانية في إسقاط النظام الملكي وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ كان التوزيع غير العادل للثروة، وتزايد التأثير الغربي، وتصاعد القمع الاجتماعي والسياسي من قِبل نظام الشاه في إيران من بين أهم الأسباب لقيادة الخميني للثورة؛ لكن، وبشكل متناقض، جلبت الثورة نظاماً أصولياً دينياً قمعياً، يستخدم الإرهاب ضد أعدائه الداخليين والخارجيين؛ سواء أكانوا حقيقيين أم مفترضين.
كان قاسم سليماني من بين أولئك الذين ساعدوا النظام الإيراني الجديد في الاستجابة لمخاوفه الأمنية منذ وقت مبكر؛ حيث انضم إلى الحرس الثوري الإيراني وقمع الانفصالين الأكراد بعد أشهر فقط من الثورة الإيرانية. ثم قاتل طوال الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت من 1980 إلى 1988.
تولى سليماني قيادة “فيلق القدس”، التابع للحرس الثوري، منذ عام 1998؛ ليصبح بذلك القوة الدافعة وراء النفوذ الجيوسياسي لإيران في المنطقة. استمر سليماني في منصبه حتى قُتل في يناير 2020 بعد أن حقق نجاحات ملموسة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
في أكتوبر 2020 قامت إيران بتعيين حسن إيرلو سفيراً لها لدى اليمن، وهي خطوة يُنظر إليها كإجراء عسكري وليس مجرد تدبير دبلوماسي؛ كما تبدو أيضاً محاولة إيرانية لتكرار نجاح مشابه لما حققه قاسم سليماني. يلتقي إيرلو مع سليماني في عددٍ من القواسم المشتركة؛ منها المشاركة في الحرب الإيرانية- العراقية التي خلفت نحو مليون قتيل، واعتبرت أطول نزاع عسكري في القرن العشرين.
اقرأ أيضاً: ماذا بعد رفض الحوثي اقتراح وقف إطلاق النار في اليمن؟
يُنسب إلى حسن إيرلو قوله “لديَّ لقاء مع قاسم سليماني كل أسبوع وكل يوم، وقدوتي هو قاسم سليماني”؛ وهو ما يعطينا فكرة عن مدى تشبع إيرلو بعقيدة الحرس الثوري الإيراني التي ترتكز على الارتياب العميق بشأن العالم الخارجي، وتصوير إيران دائماً على أنها مهددة بالمؤامرات الخارجية؛ خصوصاً الأمريكية، وهي مزاعم توفر لطهران مبرراً للإرهاب في الخارج ودعم ما يُسمى بجماعات المقاومة.
يمكن التدليل على تبني تلك الأيديولوجية، والأساليب الثورية، ونظرة جنون العظمة من خلال تصريحات إيرلو العديدة؛ ومنها ما أفصح عنه خلال ذكرى استشهاد قاسم سليماني الأولى في صنعاء، حيث قال إن “اليمن اليوم يعتبر القلب النابض في جبهة المقاومة واليد العليا في محور المقاومة؛ وهو الأمل للعالم”، وأضاف أن اليمن يتحول إلى “قوة إقليمية كبرى” بفضل تضحيات شعبه.
ومن بين النقاط المشتركة الملاحظة أيضاً بين قاسم سليماني وحسن إيرلو هو مساعدة “حزب الله” اللبناني؛ حيث أسهم “فيلق القدس” في تنظيم “حزب الله”، ووقف سليماني إلى جانب “حزب الله” لسنوات طويلة، حتى نُصب له تمثال في ضاحية بيروت الجنوبية التي يسيطر عليها ممثلون عن “حزب الله”. أما حسن إيرلو، وفقاً لبعض المصادر، فقد كان قائد التدريبات على الأسلحة المضادة للطائرات في أحد معسكرات تدريب مقاتلي “حزب الله” في إيران.

لم يكن دور قاسم سليماني كقائد لـ”فيلق القدس” مقتصراً على الجوانب العسكرية فحسب؛ بل امتد أيضاً ليشمل أدواراً دبلوماسية وسياسية، حسب ما تقتضي سياسة النظام الإيراني، والذي خصص هذا الكيان أساساً للقيام بالمهام الحساسة خارج الحدود الإيرانية. ومن الأمثلة العديدة على ذلك، تقديم التوجيهات إلى السفير الإيراني في العراق، خلال المباحثات الإيرانية- الأمريكية حول الأمن العراقي، والسفر إلى روسيا أكثر من مرة للقاء المسؤولين الروس، وشرح خطط مساعدة الرئيس السوري على إحراز النصر بمساعدة موسكو وطهران.
اقرأ أيضاً: بايدن لا يمكنه إحلال السلام في اليمن ما دامت إيران تواصل دعم الحوثيين بالأسلحة
نفوذ وتأثير
أما بالنسبة إلى حسن إيرلو، فقد تم تعيينه في الأساس كسفير لإيران لدى نظام الحوثيين في صنعاء، قبل ذلك، كان إيرلو مسؤولاً عن المكتب اليمني في وزارة الخارجية الإيرانية منذ عام 2015؛ لكن الجيش اليمني يتهم إيرلو بقيادة معارك الحوثيين، ويُطلق عليه لقب الحاكم العسكري الإيراني في صنعاء.
ومما لا شك فيه أن لحسن إيرلو تأثيراً كبيراً على سياسة الحوثيين، كما كان لقاسم سليماني على الحكومتَين العراقية والسورية و”حزب الله” اللبناني، ولعل أحدث الأمثلة على ذلك التأثير هو رفض إيرلو المقترح السعودي الأخير بشأن وقف إطلاق النار، ودعوته إلى رفع الحصار بشكل كامل وانسحاب القوات السعودية من اليمن.
لطالما كانت الثورة الإيرانية مثالاً رائعاً وملهماً للحركة الحوثية في اليمن؛ وهو إعجاب عبَّر عنه حسين بدر الدين الحوثي، أحد أبرز زعماء الحوثيين، في أكثر من موضع، واعتبر النظام الإيراني الذي قاد الثورة نهاية السبعينيات هو سبيل الخلاص للشعوب الإسلامية، ورأى مواقف العرب معادية للنظام الإيراني وموالية لأمريكا وإسرائيل؛ وهو رأي لا يترك مجالاً للشك لتبني الحوثيين فكرة التغيير الاجتماعي الجذري بأساليب ثورية عنيفة، ومعاداة الغرب والأنظمة العربية المتحالفة معه.
اقرأ أيضاً: اليمن.. عشر سنوات على حلم التغيير الذي استحال كابوساً!
وقد أكد السفير الإيراني لدى اليمن، حسن إيرلو، ذلك التأثير من خلال قوله: “إن تاريخ اليمن حافل بالمواجهة والجهاد والمقاومة، وقد جدد هذا التاريخ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، ويواصل السيد القائد عبدالملك الحوثي هذا الفكر المقاوم”.

وعلى الرغم من أن الكثير من مراقبي الشأن اليمني يحلو لهم المجادلة بشأن مدى التطابق المذهبي بين الطرفين، ومستوى الدعم المالي والعسكري المقدم للحوثيين؛ فإننا في الواقع لسنا بحاجة إلى إثبات تمثيل الحوثيين للنظام الإيراني في اليمن، بقدر الحاجة إلى فهم تأثير قيام نظام حكم ديني أصولي راديكالي أسوة بما حدث في إيران؛ ذلك لأن تقليد الأسباب قد يؤدي إلى نفس النتائج.
اقرأ أيضاً: اليمن.. المهاجرون الأفارقة والإجرام الحوثي
ولعل المسار الذي اتخذه الحوثيون لحكم المناطق الخاضعة لهم يثبت بالفعل مدى فداحة تقليد التجربة الإيرانية المشؤومة، وربما أسهم عمل حسن إيرلو على الملف اليمني منذ عام 2015 بشكل كبير في نقل هذه التجربة. ومن بين الأمثلة السريعة التي يمكن الاستشهاد بها هو هوس الحوثيين بإنفاق الأموال على جبهات القتال منذ الأشهر الأولى لسيطرتهم على معظم الأصول الحكومية؛ بما فيها البنك المركزي اليمني وتوزيع الوقود، إضافة إلى الاستمرار في جني الأموال من خلال أنشطة غير مشروعة؛ مثل الابتزاز وتجارة السوق السوداء والتهريب.
إن هذا الأسلوب في توليد الأموال واستخدامها يشبه إلى حد كبير أسلوب إدارة النظام الإيراني لموارده المالية؛ حيث يقوم النظام بتخصيص نحو من 6 إلى 10 مليارات دولار سنوياً للحرس الثوري والوحدات التابعة له كـ”فيلق القدس”. كما يُعتبر الحرس الثوري كياناً اقتصادياً قوياً في إيران؛ حيث تسيطر الشركات المرتبطة به على 20% من الاقتصاد الإيراني، ويمارس “فيلق القدس” السيطرة على الصناعات الاستراتيجية والخدمات التجارية ومؤسسات السوق السوداء.
تمنحنا عقود من حكم النظام الإيراني المتشدد عدداً لا حصر له من سمات الدولة القمعية؛ بداية من الوصول إلى الحكم من خلال التمرد ومررواً بالاستحواذ على كامل سلطة البلاد، ووصولاً إلى القمع والانتهاكات بحق المعارضين والسكان. وبالنظر إلى التاريخ والأيديولوجية المشتركة بين السفير الإيراني في اليمن وذراع إيران السابقة لتصدير ثورتها، قاسم سليماني، فإنه يُخشى دخول اليمن في نفق مظلم لا سبيل سهل للخروج منه.