الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
حروب اليوم أضحت تحت رحمة القدرات الاستخباراتية

كيوبوست- ترجمات
شيجيرو كيتامورا♦
انقضى عام منذ أن بدأت روسيا غزوها لأوكرانيا، وقد أبدى الأوكرانيون مقاومة أقوى من المتوقع، ويرجع الفضل في ذلك أساساً إلى الدعم الاستخباراتي من الولايات المتحدة. وفي هذا التحليل يوضح شيجيرو كيتامورا، الأمين العام السابق لوكالة الأمن القومي اليابانية، أهمية الاستخبارات في الحرب الحالية. ففي 24 فبراير 2022، غزت القوات الروسية أوكرانيا من ثلاث جهات: عبر الحدود البيلاروسية في الشمال، والحدود الروسية في الشرق، وشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في الجنوب. وقد حصلت الولايات المتحدة على الخطوط العريضة لخطة الغزو هذه في أواخر أكتوبر 2021. وحسب ما ورد، أطلع الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الرئيسَ الأمريكي بايدن، في 27 أكتوبر، على نيَّة روسيا مهاجمة أوكرانيا في وقت واحد من اتجاهات متعددة؛ بهدف الاستيلاء على العاصمة الأوكرانية كييف، في غضون ثلاثة إلى أربعة أيام، وإزاحة الرئيس الأوكراني زيلينسكي، من السلطة، وتنصيب نظام “دمية” صديق للكرملين. وقال ميلي إن الجيش الروسي سيندفع غرباً لاحتلال معظم أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: هنري كيسنجر: كيف نتجنب حرباً عالمية أخرى؟
بناءً على ذلك، بدأت أوكرانيا وحلف الناتو والولايات المتحدة الاستعداد لغزو روسي واسع النطاق قبل أربعة أشهر من بدء القوات الروسية توغلها في أوكرانيا. في أوائل نوفمبر 2021، تحدث مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، عبر الهاتف مع الرئيس الروسي بوتين؛ لكن هذا لم يكن سوى التأكيد النهائي للمعلومات الاستخباراتية التي كانت لدى واشنطن بالفعل. عندما زار بيرنز كييف في يناير 2022؛ للقاء زيلينسكي، يعتقد أنه أبلغ الزعيم الأوكراني بالتفصيل بالعملية الروسية المخطط لها، وتعهد بتقديم الدعم الاستخباراتي.

في 3 مارس، بعد وقت قصير من الغزو الروسي، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، آنذاك، جين ساكي، في مؤتمر صحفي: “لقد واصلنا وتبادلنا باستمرار قدراً كبيراً من المعلومات الاستخباراتية التفصيلية في الوقت المناسب حول خطط روسيا وأنشطتها مع الحكومة الأوكرانية؛ لمساعدة الأوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم. نحن نفعل ذلك منذ شهور. ويشمل ذلك المعلومات التي من شأنها أن تساعدهم على إبلاغ وتطوير ردهم العسكري على الغزو الروسي”. على الرغم من قلة القوات الأوكرانية عدداً وعدة مقارنة بنظيرتها الروسية؛ فإن القوات الأوكرانية استطاعت الصمود أمام الهجمات الروسية بفضل الدعم الاستخباراتي من الولايات المتحدة.
من غير المرجح أن تُشن الحروب الحالية بين القوات المسلحة النظامية ذات القدرات القتالية المماثلة. ولا يمكن لدول مثل أوكرانيا، التي لا تملك ما يكفي من القوات والقوة النارية، أن تكون لها الغلبة إذا استخدمت التكتيكات نفسها التي يستخدمها خصومها المتفوقون. لمواجهة أعدائهم، يجب عليهم استخدام حلول حربية بديلة يصعب على العدو التنبؤ بها والتعامل معها، ويُصطلح على تسميتها “الحرب غير المتماثلة”. إن الاختلاف في القوة العسكرية من حيث الأفراد والذخائر لا يحدد دائماً الفائز والخاسر في حرب غير متماثلة. تلعب الاستخبارات دوراً حاسماً في التأثير على نتيجة الحرب. كما قال الحكيم الصيني القديم لاو تزو: “المرونة تغلب الصلابة”. وحقيقة أن الدعم الاستخباراتي الأمريكي لأوكرانيا أحبط طموحات بوتين؛ يوضح ذلك بوضوح.

الولايات المتحدة تتفوق على روسيا
دعونا نتفحص كيف استخدمت القوات المسلحة الأوكرانية بشكل فعال المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها الولايات المتحدة في هجماتها المضادة ضد الجيش الروسي. في منتصف يناير 2022، شن قراصنة روس هجمات سيبرانية على المؤسسات الحكومية الأوكرانية. ومع ذلك، قُلِّص الضرر إلى الحد الأدنى. في أواخر عام 2021، نشرت وحدة في الخطوط الأمامية، تابعة للقيادة السيبرانية الأمريكية وغيرها من المتخصصين الغربيين في الاستجابة الإلكترونية السريعة في أوكرانيا؛ لتحديد البرامج الضارة في شبكات البنية التحتية وإزالتها. كما ساعدت شركة “مايكروسوفت” الأمريكية وغيرها من شركات القطاع الخاص في عملية الدفاع عن الشبكة لأوكرانيا. يمكن القول أيضاً إن الاستعداد الشامل بفضل التعاون الوثيق بين القطاعَين العام والخاص قد نجح في تقليل الأضرار التي لحقت بأوكرانيا من العملية السيبرانية الروسية الكبرى.
هاجم الجيش الروسي مطار أنتونوف، مطار شحن دولي، في ضواحي كييف، في بداية غزوه؛ لكنه لم يتمكن من الاستيلاء على المنشأة بسرعة وسهولة. تعرَّضت القوات والمروحيات الروسية المحمولة جواً إلى أضرار جسيمة خلال هجومها على المطار؛ حيث اعترضها الأوكرانيون الذين استفادوا من المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها الولايات المتحدة.
اقرأ أيضًا: ما الحرب السيبرانية؟
وقعت العديد من عربات القتال والنقل اللوجستي المدرعة الروسية فريسة لصواريخ “جافلين” المحمولة المضادة للدبابات أمريكية الصنع التي أطلقتها القوات الأوكرانية. وقال مسؤولون حكوميون أوكرانيون رفيعو المستوى: إن القوات المسلحة الأوكرانية جمعت صور الهواتف الذكية للمواطنين وبيانات تحديد الموقع الجغرافي؛ لاستخدامها في العمليات العسكرية. كان هذا الاستخدام الأكثر أهمية لتطبيقات الهاتف المحمول في أوكرانيا ممكناً بفضل المساعدة المالية الأمريكية والدعم التكنولوجي الهائل من شركات التكنولوجيا الأمريكية.
في أبريل 2022، غرقت سفينة موسكفا، إحدى كبرى السفن الروسية، في أسطول البحر الأسود الروسي بعد هجوم أوكراني باستخدام صواريخ “نبتون” أوكرانية الصنع المضادة للسفن. ربما يكون من المعقول الاعتقاد بأن القوات الأوكرانية اعتمدت على دعم المخابرات الأمريكية لهذا الهجوم. وحسب ما ورد أيضاً، قُتل قرابة 12 جنرالاً روسياً في أوكرانيا في مايو 2022. ويُعتقد أن بعضهم استخدم خدمات اتصالات تجارية غير مؤمنة لقيادة القوات والسيطرة عليها؛ ما سمح بتحديد موقعهم الجغرافي من قِبل الجانب الأوكراني. استخدم الجيش الروسي في البداية أجهزة لا سلكي خارجية تعتمد على “نظام القفز الترددي” (FHSS)؛ تقنية إرسال قيمة مضادة للتنصت. لكن عمليات التشويش في أوكرانيا كانت قوية لدرجة أن النظام الروسي أصبح غير قابل للاستخدام.

ثم دمَّر الجيش الأوكراني مستودعَ ذخيرة روسياً تلو الآخر خلف الخطوط الأمامية. كما حرروا خيرسون، جنوب أوكرانيا، من خلال تدمير الجسور الحيوية للإمدادات اللوجستية العسكرية الروسية. في عام 2022 وحده، زودت أوكرانيا بعدد 20 نظاماً صاروخياً مدفعياً عالي الحركة (HIMARS) أمريكي الصنع. تتطلب الضربات الدقيقة إدخال بيانات لا تتعلق فقط بخطوط الطول والعرض للهدف؛ ولكن أيضاً بارتفاعه ومعلومات رقمية دقيقة ثلاثية الأبعاد. وإذا لم تتوفر هذه المعلومات، فإن هذه الأسلحة لن تكون فعَّالة.
بالإضافة إلى تعزيز قدرات أوكرانيا على جمع المعلومات الاستخباراتية، سمحت الولايات المتحدة للأوكرانيين بالتشويش على أصول الاستخبارات والاستطلاع الروسية. على وجه التحديد، كشفت وزارة الدفاع الأمريكية، في أغسطس، عن تسليم كييف صواريخ “هارم” (HARM) المضادة للرادار؛ القادرة على ضرب أنظمة الرادار الروسية. وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في برنامج تليفزيوني، في سبتمبر، إن الولايات المتحدة “ستضاعف” جهودها لتزويد الأوكرانيين بالمعدات والذخائر اللازمة.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تستعد لهجمات إلكترونية روسية مع تصاعد الصراع في أوكرانيا
دروس لليابان
الآن دعونا نطبق الدروس المستفادة من الحرب في أوكرانيا على اليابان. اعتمدت الصين استراتيجية منع الوصول/ حرمان العدو من دخول المنطقة (A2/AD). وفي حالة حدوث حالة طوارئ في تايوان أو بحر الصين الجنوبي، ستنشر الصين قواتها المسلحة لإحباط العمليات العسكرية الأمريكية في سلسلة الجزر الثانية، التي تحيط بغرب المحيط الهادئ، بما في ذلك غوام. وتستهدف بكين منع القوات الأمريكية من اختراق سلسلة الجزر الأولى الأقرب إلى البر الرئيسي للصين. أحد الأغراض الحاسمة لهذه الاستراتيجية هو ضمان التفوق الجوي للصين من خلال شن هجمات جوية باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات؛ لشل وصول القوات الجوية للعدو والدفاعات الجوية، ثم سحق قواعد العدو وما شابه ذلك بتركيز عال من الأفراد العسكريين والأسلحة والذخيرة.
في بيئة معادية ناجمة عن حالة طوارئ، ستكون مسألة حياة أو موت تعزيز القدرة على البقاء من خلال توزيع موارد الدفاع وتغيير أماكنها بشكل فعَّال، بما في ذلك الأفراد وأنظمة الأسلحة والذخيرة والوقود ومراكز القيادة، قبل تعرضها إلى الهجوم. لذا، اليابان بحاجة ماسة إلى وضع خطة مُسبقة لتسهيل إعادة توزيع الدفاعات الجوية والطائرات وتغيير أماكنها بسرعة؛ بناء على معلومات استخباراتية دقيقة.
♦الأمين العام السابق لوكالة الأمن القومي اليابانية
المصدر: يوميوري شيمبون