الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
حركة شباب المجاهدين الصومالية.. هل ستُفجّر طاولة حوار “شيخ محمود”؟
تحتاج حكومة حسن شيخ محمود -بجانب مدِّ يدها للسلام وجذب رجال الدين من المذاهب والتيارات كافة- لمقارعة شيوخ التطرف

كيوبوست- عبد الجليل سليمان
منذ انتخابه رئيساً للصومال للمرة الأولى (2012-2017) وإلى تتويجه بحصة رئاسية أخرى عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية مايو الماضي، لم يحِدْ حسن محمود الذي يتمتّع بعلاقات وطيدة مع حركة الإصلاح ذات الميول الإخوانية، عن مقولته الأثيرة في وصف حركة شباب المجاهدين الصومالية المُصنفة إرهابية، إذ ظلّ يُردّد دائماً: “الشباب ليست مجرد ميليشيا عادية، هي أيديولوجيا. لا يُمكن أن تُحارب بالسلاح فقط، مجموعة الشباب العسكرية هُزمت، ولكن الأيديولوجيا ما تزال باقية، وعلينا أن نتصدى لها بالحوار”.
لذلك لم تبدُ تصريحات الرئيس الصومالي ليومية إيكونوميست البريطانية مؤخراً، برغبته في الحوار مع الحركة الجهادية؛ غريبة على المراقبين للشأن الصومالي، إذ تسعى إدارة شيخ محمود إلى تحقيق نوع من الاستقرار السياسي النسبي للبلاد التي ظلّت تعاني منذ عقود حروباً أهلية وقبلية، وسيطرة للحركات الإسلامية المتشددة على مناطق واسعة، من خلال إجراء مصالحة وطنية، عوضاً عن استمرار القتال بين القوات الصومالية، وعناصر حركة شباب المُجاهدين المتشددة؛ الذي ربما أدّى إلى فشل الدولة الصومالية وانهيارها.
بيد أن استعادة الاستقرار تتطلب الكثير من العمل في عدة جبهات، أكثرها تعقيداً هي مهمة الدفع بالحركة إلى الانخراط في الحياة السياسية المدنية السلمية، وإعادة إدماج عناصرها الذين تتراوح أعدادهم وفقاً لأحدث التقديرات ما بين (4 إلى 7 آلاف) عنصر؛ في المجتمع والحياة العامة، ولعل ذلك ما دفع عبد الرحمن ورسما نائب زعيم الحركة إلى إعلان رفض مبادرة شيخ محمود، وإبدائه عزم حركته المضي قُدماً في سبيل إطاحة الحكومة، وتحقيق حلم الدولة الإسلامية، على حد تعبيره، الأمر الذي فسّره مراقبون على أنه محاولة لرفع سقف مطالب شباب المجاهدين من أجل الحصول على مكاسب أكثر، إذا ما تسنّى التئام حوار بينها والحكومة.
اقرأ أيضاً: مصحوباً بزفة من الدعم الدولي.. شيخ محمود إلى حكم الصومال ثانية
حكومة المُدنْ

بالنسبة للصحفي والكاتب المهتم بشؤون القرن الإفريقي، عبد القادر حكيم، فإن الراصد للجدول الزمني لحركة تطور شباب المجاهدين، لن يرى مؤشراتٍ لتسوية سياسية على المدى المنظور، فعدا رغبة الرئيس، لا مُعطيات على الأرض تشي بإمكانية تحقُق هذه التسوية.
يضيف حكيم مُتحدثاً إلى “كيوبوست”، ما تزال الحكومة الصومالية تكافح من أجل إيجادِ نفسها، وتكريس سلطتها خارج المدن الكُبرى، فيما تبسط حركة شباب المجاهدين نفوذها، وتفرض سيطرتها، على مساحاتٍ شاسعة من الريف الصومالي، بل ويمتد نفوذها إلى خارج الصومال، إذ ما تزال تملك القدرة على تنفيذ هجماتٍ إرهابية في بلدان أخرى بشرق ووسط إفريقيا.
اقرأ أيضاً: صراع سياسي يفتح أبواب الصومال على المجهول
بحسب حكيم، فإن ضعف الدولة الصومالية، وتفككها، يستتبعه بالضرورة ضعف الجيش والقوات الأمنية، وعزا ذلك إلى ضعف الكفاءة، وغياب الولاء للحكومة المركزية بين عناصر الجيش، حيث تدين جُل عناصر القوات الصومالية إلى القبيلة في المقام الأول، ولربما يأتي الولاء للوطن في المؤخرة، بسبب ذلك فشلت كل المقاربات الأمنية، خاصة تلك التي ابتدرها الرئيس السابق فرماجو.
ولعل، يستطرد حكيم في حديثه لـ”كيوبوست”، في دعوة حسن شيخ محمود إلى الحوار مع المجاهدين، تسكيناً ضرورياً للأوضاع المشتعلة، لكن معادلة القوة أيضاً مهمة في هذا السياق، فحركة الشباب لن تقبل بالجلوس على طاولة حوار، ما لم تر عصا الحكومة بجانب جزرتها، وحتى الآن لا أحد يرى يد شيخ محمود الباطشة، الأمر الذي قد ينسف رغبته من أساسها.
يد حانية لا تكفي

تحتاج حكومةُ حسن شيخ محمود، بجانب مدِّ يدها للسلام، إلى إظهار قوتها ووحدة عقيدة جيشها، كما تحتاج إلى جذب رجال الدين من المذاهب والتيارات كافة لمقارعة شيوخ التطرف في حركة الشباب، حجة بحجة وفتوى بفتوى، وكذلك عليها أن تنتبه لدور زعماء القبائل، وحُكام المقاطعات.
يمضي حكيم في تحليله، مُستدركاً، أن إمكانية النجاح في هذه الجوانب متوفرة لدى شيخ محمود لكونه ذا ميول إسلامية معتدلة، ويمكنه استثمار القبول الذي يحظى به بين النخب القبلية والدينية، وحكام المقاطعات، في الضغط على الحركة لجلبها إلى طاولة الحوار، مع الأخذ في الاعتبار أن الحركة نفسها ليست على قلب رجلٍ واحد، وفقاً لعبارته، إذ يُرجّح أن تنقسم على نفسها إذا ما وقّع فريق منها اتفاقاً مع الحكومة.
يعتقد حكيم، أن عناصر الحركة التي تنتسب إلى قبيلة هويه، كبرى العرقيات الصومالية التي تقطن العاصمة مقديشيو، ووسط وجنوب الصومال، وتمتد إلى إثيوبيا عبر إقليم أوغادين (شرق الصومال)، وإلى شمال كينيا، ربما قبلت دعوة (ابنها) شيخ محمود واستجابت لها، إلا أن عناصر الحركة من القبائل الأخرى قد تمثل حجر عثرة أمام أي تسوية مُحتملة. يختم حكيم إفادته لـ”كيوبوست”، مُشيراً إلى أنّه حال تحقق انقسام في الحركة، فإنّ شيخ محمود يكون قد قطع نصف الطريق إلى استعادتها من ميدان القتال إلى معركة البناء.
اقرأ أيضاً: حركة الشباب الصومالية.. من الغايات الدينية إلى الأهداف المالية
تشطٍ مُحتمل

وفي السياق نفسه، يمضي عبد الله جرمه، المحلل السياسي والباحث في الشؤون الإفريقية، معتبراً دعوة الرئيس الصومالي حركة شباب المجاهدين إلى وضع السلاح، والانضمام إلى الحراك السياسي السلمي، من أجل بناء دولة القانون والمؤسسات، عملاً سياسياً بنّاءً يستبطن رؤية استراتيجية، بغض النظر عن قبول أو رفض الحركة لها، فهو الرابح في الحالتين، ففي حال تعنت الحركة ورفضها الحوار، فإن شن الحرب عليها سيكون مُبرراً كما أن إشراك قوة إقليمية ودولية للمساعدة في هزمها سيجد قبولاً وتأييداً شعبياً في الغالب.
صحيح، وفقاً لجرمه الذي تحدث إلى “كيوبوست”، فإنّ حركة الشباب تعتبر الأقوى بين الحركات الإرهابية الجهادية في العالم بأسره، حيث تدير مساحات معتبرة من الريف الصومالي، وتضطلع بتقديم الأمن والخدمات الصحية والتعليمية، بما يفوق ما تقدمه الحكومة في المناطق التي تديرها، لكن ذلك ليس كافياً لجعلها متماسكة وغير قابلة للاختراق على المدى الطويل، خاصة أن شيخ محمود يحظى بتقديرٍ من بعض الكوادر العليا في الحركة، إذ يعتبرونه صادقاً في ما ذهب إليه من دعوة للحوار، وإن بدا رد فعلها تجاهها سلبياً للوهلة الأولى، إلا أن ذلك على سبيل كسب الوقت، وتحقيق المزيد من المكاسب المادية، إذ تسيطر على مناجم الفحم، وبعض الموانئ والأراضي الزراعية بما يدرُّ عليها مئات الملايين من الدولارات سنوياً.
يختم جرمه، بقوله، الأكثر ترجيحاً هو قبول بعض قادة الحركة بالحوار، دون إعلان وقف العمليات العسكرية، بما يعطيها مساحة أكبر للمناورة، لكن سيجابه هذا السيناريو -حال تحققه- بمقاومة عنيفة من القادة الراديكاليين للحركة، إذ ستبلغ حد التصفيات الجسدية المتبادلة، وهذا أيضاً يصب في مصلحة الدولة المركزية، وحكومة شيخ محمود.