الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

حركة النهضة التونسية تسير نحو العزلة السياسية

رغم تصدرها نتائج الانتخابات التشريعية..

كيوبوست-تونس

من المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، الأربعاء 9 أكتوبر 2019، النتائج الأولية الكاملة للانتخابات التشريعية بعد استكمال فرز النتائج لكل الدوائر الانتخابية التي يبلغ عددها 33 دائرة وبعد النظر في التقارير الواردة حول المخالفات والإخلالات حول سير العملية الانتخابية، حسب ما أعلنت عنه الهيئة في ندوة صحفية.

 وحسب النتائج التقديرية لشركة “سيغما كونساي” المختصة باستطلاع الآراء، تصدَّرت حركة النهضة الترتيب بـ17.5 في المئة من الأصوات، يليها حزب “قلب تونس” بحصوله على 15.6 في المئة من الأصوات، بينما حلّ الحزب الدستوري الحر في المرتبة الثالثة بنسبة 6.8 في المئة، يليه ائتلاف الكرامة بنسبة 6.1 في المئة، وفي المرتبة الخامسة حزب التيار الديمقراطي بنسبة 5.1 في المئة.

النهضة والعزلة السياسية

تشير النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التونسية إلى خسارة حركة النهضة الإسلامية نحو 29 مقعدًا في مجلس النواب؛ وهو الانحدار الذي لا يحجبه تصدرها للنتائج بـ40 مقعدًا من أصل 217 مقابل 69 في انتخابات 2014، و89 مقعدًا في انتخابات المجلس التأسيسي في 2011، وهو ما يؤكد أن الحركة خسرت أكثر من نصف خزانها الانتخابي في هذه الاستحقاقات التشريعية.

هذه الخسارة التي يرجعها عدد من المراقبين إلى عدة أسباب؛ من بينها غضب نسبة كبيرة من قواعدها التي تتبنى مواقف متطرفة من “التنازلات” التي قدمتها في سبيل بقائها في الحكم، لا سيما تجاهلها مطالب بتطبيق “الشريعة” وإلغاء قوانين الأحوال الشخصية، وموقفها من أنصار النظام السابق.

اقرأ أيضًا: حركة النهضة تُقر بهزيمتها في الانتخابات

ويرى المتابعون للمشهد السياسي في تونس، خلال هذه الفترة، أن حركة النهضة تسير لا محالة باتجاه عزلة سياسية رغم تصدرها نتائج الانتخابات البرلمانية؛ خصوصًا على إثر إعلان الأحزاب الفائزة بأكبر عدد من المقاعد، قرارها عدم التحالف معها؛ مما سيجعل من مهمة “النهضة” تشكيل الحكومة القادمة عملية شبه مستحيلة.

وستكون “النهضة” بحاجة إلى تأمين 69 مقعدًا تضاف إلى 40 مقعدًا التي حصلت عليها، وذلك للحصول على أغلبية 109 نواب؛ وهي مهمة غاية في الصعوبة، بالنظر إلى رفض الأحزاب التي تمتلك أكبر عدد من المقاعد الدخول معها في تحالفات، وهو ما سيزيد من أزمتها ويفتح طريق الفشل أمامها في تشكيل الحكومة القادمة.

وعلى ضوء هذا النفور من التحالف مع حركة النهضة وغياب الدعم السياسي لها داخل البرلمان، يتوقع المراقبون أن تجد الحركة إشكالية كبيرة في تشكيل الحكومة القادمة، وصعوبة في عقد ائتلاف برلماني مع أحزاب أخرى وقائمات مستقلة؛ لتأمين الحصول على مصادقة البرلمان، بالأغلبية، لحكومة جديدة.

باسل ترجمان

ويرى الصحفي والمحلل السياسي باسل ترجمان، أنه بعد فوز “النهضة” بنتائج الانتخابات التشريعية، والتي هي جراء فشل وتشتت وفقدان ثقة الناخبين في القوى السياسية الوسطية الحالية التي رمت بنفسها من أجل الحكم في تحالف مع الحركة، رغم أنها شاهدت كيف دمَّر التحالف مع “النهضة” الأحزاب التي تحالفت معها بعد الانتخابات التشريعية في سنة 2011. هذه الثقة المفقودة ومقاطعة نسبة 24 في المئة من الناخبين لهذه الانتخابات مقارنةً بانتخابات 2014، والمقاطعون هم أساسًا ممن انتخبوا هذه القوى في السابق قبل أن تخون هذه القوى ناخبيها وتتحالف مع حركة النهضة.

اقرأ أيضًا: الموتى يُصَوِّتون ويُمَوِّلون حركة النهضة في تونس

وأضاف ترجمان، في حديث خاص إلى “كيوبوست”، أن الحركة لديها قدرة على تشكيل حكومة بالتحالف مع قوى اليمين الديني المتطرف والأحزاب القريبة من “النهضة”؛ لكن هذه الحكومة ستكون معزولة محليًّا ودوليًّا، لأنها ستضم أطرافًا متطرفة، وتكون حولها اتهامات كثيرة في مستوى الأوساط الدولية، وهذه القوى ترى من حركة النهضة إبعاد حزب “تحيا تونس” الذي يقوده رئيس الحكومة يوسف الشاهد، باعتباره من أحزاب المنظومة السياسية القديمة والموصوفة بأعداء الثورة، بينما تريد “النهضة” إبقاء حزب “تحيا تونس” في الحكومة؛ ليكون عنوان طمأنة للأطراف الدولية بأنها لن تكون حكومة متطرفين وتهدِّد الأمن والسلم الاجتماعيَّين في تونس، أو تشكل تهديدًا للأمن والاستقرار الإقليميَّين.

 وأشار الصحفي والمحلل السياسي إلى أن الحركة لديها متسع من الوقت للتفاوض مع الأطراف التي تستعد للتحالف معها؛ لتكون لها حكومة بحدود الممكن الانتخابي الذي أفرزته نتائج الانتخابات.

مغازلات “النهضة” لكسب التحالفات

وفي أول تعليق له عقب الإعلان عن النتائج الأولية، أكد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، في مؤتمر صحفي، أن الحركة بـ”حاجة إلى شركاء لتشكيل الحكومة القادمة”، وبدأ مباشرةً في مغازلة معارضيه؛ خصوصًا حزب “قلب تونس” وتغيير موقفه، حيث أكد الغنوشي أن “النهضة” ليست مسرورة باستمرار وجود رئيسه نبيل القروي في السجن، “ونتمنى لو كان الأمر يخضع لرغبتنا أن يكون خارج السجن”.

في السياق نفسه، قال الغنوشي، في ندوة صحفية عقدتها الحركة للإعلان عن فوزها في الانتخابات التشريعية: “نتجه اليوم إلى محاربة الفساد والفقر وتطوير مؤسسات الدولة وتحسين حياة المواطن اليومية، وهذا تحدٍّ كبير لا يقدر عليه حزب واحد؛ ولذلك سنستمر في سياسة الشراكة وفي البحث عن شراكات على أساس برنامج واضح؛ هو مقاومة الفساد والفقر وتحسين ظروف العيش وتطوير الحياة الاقتصادية والخدمات الصحية”.

نبيل القروي رئيس حزب “قلب تونس”

وأضاف الغنوشي: “الحكومة القادمة ستكون حكومة شراكة مفتوحة للكفاءات المستعدة للعمل مع حركة النهضة.. (النهضة) يدها مفتوحة لكل الكفاءات والطاقات المتحزبة وغير المتحزبة؛ من أجل النهوض باقتصاد البلاد”.

 هذا التعاطف قوبل بردة فعل مخيبة لآمال الغنوشي من قِبَل الحزب الذي أعلن أن “التحالف مع حركة النهضة أمر مستحيل، والحوار معها مرفوض أيضًا”.

وأكد القروي، في رسالة وجهها منذ أيام إلى راشد الغنوشي، أن حزبه لن يتحالف مع “النهضة”، لما لاحقها من شبهات قوية معززة بملفات جدية، وارتكابها جرائم خطيرة بحق الوطن والشعب التونسي جراء الاغتيالات التي ذهب ضحيتها سياسيون معارضون؛ مثل شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وأمنيون وجنود ومدنيون عزّل، وكذلك لتورطها في التغرير بشباب تونس وتسفيره إلى بؤر التوتر للقتال مع التنظيمات الإرهابية.

اقرأ أيضًا: إثارة ملف الجهاز السري لحركة النهضة وإحالته إلى القضاء

كما حذَّر “قلب تونس” من “كل محاولات النّيل من نزاهة الانتخابات والتأثير على نتائج عملية الفرز التي تُجرى الآن بمراكز الاقتراع التي وحدها قادرة على إعطاء النتائج الصحيحة والمطابقة للواقع”…

وفي السياق ذاته، أعلن حزب “التيار الديمقراطي” الذي حصل على 14 مقعدًا، أنه سيكون في المعارضة، وأنه لن يتحالف مع “النهضة”؛ لأن مشروعه يتناقض مع مشروعها، وهو الموقف نفسه الذي اتخذه حزب “الحر الدستوري”؛ حيث أكدت زعيمته عبير موسى، أنها لن تضع يدها مع الإخوان وأنها ستصطف وراء المعارضة.

تجدر الإشارة أنه حسب الدستور التونسي، إذا فشل البرلمان الجديد طوال شهرَين في المصادقة على تشكيل حكومة تتزعمها شخصية يرشحها الحزب الفائز بالمرتبة الأولى؛ فعندها يكلف رئيس الدولة شخصية ثانية من خارج هذا الحزب، وإن فشل في الفوز بثقة أغلبية النواب في ظرف شهرَين يُحل البرلمان، وتتم الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة