الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

حرب تجارية أمريكية – أوروبية: من الطرف الأقوى؟

ترامب في اختبار قوة مع القارة العجوز

كيو بوست – 

مع مطلع حزيران/يونيو 2018، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض التعرفة الجمركية الجديدة على الصلب والألمنيوم القادمين من أوروبا والمكسيك وكندا، في أولى خطوات ما وصفها سياسيون ومراقبون بحرب تجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا.

ولا يفصل المراقبون هذه الإجراءات الأمريكية عن سياق ما سمي باختبار قوة تخوضه واشنطن ضد القارة العجوز، بعد مواقف الأخيرة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني وقضايا خلافية أخرى.

اقرأ أيضًا: هل يشعل ترامب حربًا اقتصادية عالمية مع الاتحاد الأوروبي؟

ما معالم هذه الحرب التجارية؟ وهل تنجح أوروبا في صدها والوقوف في وجه التهور والصدام الذي غلب على السياسات الأمريكية منذ تولي ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض؟

 

بداية الإجراءات

في تفاصيل القرار الأمريكي، ستفرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية بمقدار 25% على واردات الصلب، و10% على واردات الألومنيوم خلال الأيام المقبلة.

وفي أول الردود، قال وزير المالية الفرنسي، برونو لو مير إن الرسوم ستكون “غير مبررة، وخطيرة”. وعبرت بريطانيا عن “خيبة أملها” من القرار، فيما وصفته مفوضة الاتحاد الأوروبي للتجارة، سيسيليا مالمستروم، بأنه “يوم سيء للتجارة العالمية”.

وحذر لو مير، من اندلاع حرب تجارية قد تبدأ خلال “أيام قليلة”، في حين أصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تعليق له على تويتر، على أن الولايات المتحدة “نُهبت تجاريًا لسنوات من قبل الدول الأخرى”.

وصدرت كندا والمكسيك ودول الاتحاد الأوروبي مجتمعة ما قيمته 23 مليار دولار من الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة عام 2017، أي قرابة نصف إجمالي واردات الصلب والألومنيوم البالغة قيمتها 48 مليار دولار.

وردًا على الخطوة الأمريكية، أصدر الاتحاد الأوروبي قائمة من 10 صفحات بالسلع الأمريكية التي ستخضع لتعريفات جمركية.

 

هل تتصدى أوروبا لترامب؟

في تصور أبعاد ما يمكن أن تصل إليه الأمور بين أوروبا وواشنطن في غمار المواجهة التجارية المندلعة، يقول أستاذ العلوم السياسية، في المركز الدولي للجيوبوليتيك في باريس، د. خطار أبو دياب، إنه “بالرغم من التضخيم، لن تطال الرسوم الجمركية من أوروبا مقتلًا، لأن الحصة الاقتصادية في الواقع صغيرة: 1,5% من مبيعات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، و1% فقط من الصادرات الفرنسية”.

اقرأ أيضًا: 3 دول ستشارك في حرب عالمية كبرى قريبًا

“لكن بالنسبة للمفوضية الأوروبية ولفرنسا، تدور المواجهة أساسًا حول بقاء النظام الاقتصادي الدولي وقواعده، ولكن أيضًا حول جوهر العلاقة الثنائية عبر الأطلسي”، يصيف أبو دياب.

ويعزو أبو دياب قرار واشنطن، إلى هجوم أمريكي على مبدأ التحالف عبر الأطلسي: “ما يظهر عمق الفجوة التي أخذت تتسع عبر المحيط الأطلسي”، لكنه يبرهن عن ضعف بنيوي لأوروبا التي استنفرت للدفاع عن اتفاق نووي مع إيران من أجل حماية شركاتها الناشطة هناك، فإذ بها ستستنتج على الأرجح عدم قدرتها على بلورة رد متماسك على حروب تجارية، وغير جاهزة لتحدي أو مقارعة واشنطن”، وفقًا لأبو دياب. 

جهات أخرى ترى أن قطاعًا ليس بالبسيط في الولايات المتحدة سيتضرر بشكل كبير من الرسوم الجمركية، فقطاعات السيارات والطائرات والآلات والتجهيزات، التي تعتمد على الصلب والألمنيوم ستشهد ارتفاعًا في تكاليف الإنتاج، الأمر الذي سيؤدي على المدى الطويل إلى عكس ما يريده ترامب، “ألا وهو إعادة التوازن إلى الميزان التجاري الأميركي الخاسر”، وفق تقارير ألمانية.

رغم الاستنكار الأوروبي الكبير، والوعيد بالرد، إلا ان موقف القارة لا يبدو موحدًا؛ ففي حين تتصدر فرنسا حملة التصدي للولايات المتحدة، تختلف اللهجة بالنسبة لألمانيا. يرجع ذلك إلى أنه وفي حال شملت الرسوم السيارات الألمانية، فإن ذلك يعني ضربة موجعة لألمانيا التي تصدر سنويًا حوالي نصف مليون سيارة، يرتبط بها عشرات الآلاف من أماكن العمل.

“ومن هنا تخشى دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها ألمانيا من أن تأخذ المشكلة أبعادًا انتقامية، بحيث يلي كل رد فعل على قرارات ترامب خطوات مماثلة من قبله، بشكل يفتح الباب على مصراعيه أمام حرب تجارية تقود إلى حرب اقتصادية، تهدد بحدوث كساد عالمي لا تحمد عقباه على الجميع”، جاء في تقرير لقناة دويتشه فيلة الألمانية. 

 

من الطرف الأضعف؟

تشير التقارير إلى أن تفاصيل العلاقات التجارية الثنائية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين تعطي توصرًا بأن إدارة دونالد ترمب في موقف قوة وليس الضعف كما كان متصوَّرًا.

“ما يشجع ترامب على المضي في سياساته الحمائية هي الانتصارات التي حققها منذ أن بدأ من مطلع هذا العام بالتلويح بإجراءات لتقييد الواردات المتدفقة إلى بلاده”، قال مصدر في منظمة التجارة العالمية لصحيفة الشرق الأوسط. 

وأضاف المصدر أن «ترامب متسلح بتنازلات حصل عليها في ملف رسوم الصلب والألمنيوم من الأرجنتين والبرازيل وأستراليا، فلمَ لا يتطلع لأن يحصل على تنازلات مماثلة من الدول الأخرى كما يحلو له الاعتقاد حتى الآن. كما أن الصدام الذي بدأه مع الصينيين يبدو أنه يحقق بعض أهدافه، ما دامت استمرت الصين في تقديم تنازلات كالتي قدمتها البارحة بخفض جمارك استيراد الألبسة ومستحضرات التجميل والكهربائيات والسمك، بالإضافة إلى عشرات السلع الأخرى الآتية من الولايات المتحدة الأميركية، علمًا بأن الخفض يتراوح بين 50 و75%. ويأتي ذلك بعد أن أعلنت بكين الأسبوع الماضي تنازلًا رمزيًا كبيرًا بخفض جمارك استيراد السيارات من الولايات المتحدة».

“يمكن تسجيل الموقف الأوروبي في خانة حفظ ماء الوجه، وعلى قاعدة عدم إدارة الخد الأيسر بعد تلقي صفعة على الأيمن”، قال مصدر أوروبي لصحيفة “الشرق الأوسط”، واعتبر التلويح الأوروبي ليس إلا للوقاية من إجراءات أمريكية أخرى.

 

ترامب يقلب الموازين

يلخص د. خطار أبو دياب معالم الإستراتيجية الخارجية منذ تسلم ترامب الحكم بمفاصل عدة غلبت على سياساته وقراراته:

1-“إعادة العظمة لأميركا” و”أميركا أولاً” شعاران يتلازمان في السياسة والاقتصاد؛ تنفيذًا للوعود الانتخابية، ولكي تعيد واشنطن الإمساك بناصية “الشمولية الاقتصادية”.

2- أهمية البعد الآسيوي من ناحية إدارة العلاقة مع الصين التي تتهيأ لتكون في حدود العام 2030 بمثابة الاقتصاد العالمي الأول، والقوة العسكرية والتكنولوجية الموازية للقوة الأميركية. وتأتي الحرب التجارية والاقتصادية المقننة مع الصين، والحوار، بعد المبارزة مع كوريا الشمالية ضمن سياق ديمومة النفوذ والمصالح الأميركية في هذا المجال الحيوي.

3- تحجيم الصعود الروسي عبر العقوبات، واستمرار الضغوط على أكثر من محور، والعمل على منع عودة الدفء في العلاقات الروسية – الألمانية، والروسية – الأوروبية. 

4- إضعاف الاتحاد الأوروبي عبر دعم البريكست، والصعود السيادي في بعض الدول، لأن التعامل مع الدول الأوروبية منفردة يضمن استمرار نفوذ واشنطن التي خسرت الوجود البريطاني في بروكسل.

5- الشرق الأوسط حيث يبرز هدف احتواء إيران ومحو إرث إدارة باراك أوباما، وكذلك التماهي مع إسرائيل، والعودة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية مع الأطراف العربية الأخرى. وفي هذا السياق يبرز التنافس الاقتصادي الأميركي – الأوروبي، لأن أوروبا كانت تعوّل على السوق الإيرانية بعد الاتفاق النووي، لأنها تعتبر باقي اقتصاد المنطقة مرتبطًا بعجلة المصالح الأميركية.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة