الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةمقالات

حرب أوكرانيا لن تتحول إلى حرب عالمية.. ولكن من المرجح حدوث المزيد من الاضطرابات العنيفة

كيوبوست

د.دينيس ساموت♦

مضى عام على إعطاء الرئيس فلاديمير بوتين، أوامره بغزو أوكرانيا في 24 فبراير 2022. كان في حينها يأمل في تحقيق انتصار حاسم سريع على الأرض، وردود فعل معتدلة من المجتمع الدولي. ولكنه أخطأ في حساباته في هذين الأمرين.

الأوكرانيون لم يستقبلوا الغزاة كمحررين؛ بل أظهروا مقاومة بطولية في غاية الشجاعة. والرد الدولي كان سريعاً وحاسماً. وعانت روسيا الانتقادات والنبذ والعقوبات. وقدمت أوروبا والولايات المتحدة والدول ذات التفكير المماثل دعماً على مستوى غير مسبوق لأوكرانيا.

وعلى الرغم من خطأ حساباته؛ فإن بوتين فشل في اتخاذ خطوات لتصحيحها. وباستثناء تحديد نطاق عملياته بشكل أساسي في مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، استمر بوتين في غزوه واحتلاله في حرب مدمرة ومكلفة للغاية من الناحية الإنسانية بالنسبة إلى أوكرانيا. وبعد مرور عام كامل، أقسم الجانبان أنهما سيقاتلان حتى تحقيق النصر.

اقرأ أيضًا: بعد عام من الحرب في أوكرانيا.. مزيد من البؤس ولا نهاية في الأفق

هل ستقع حرب عالمية؟

يخشى كثيرون من أن يتصاعد هذا النزاع إلى حرب عالمية شاملة، وهذا خطر لا يمكن استبعاده بشكل كامل. فإذا ما استمعت إلى خطابات الرئيس بوتين -بما فيها كلمته التي ألقاها هذا الأسبوع- فإنك ستخرج بانطباع بأن هذه الحرب هي حرب وجودية بالنسبة إليه، وأنه سيستخدم كل الأسلحة الموجودة في الترسانة الروسية؛ بما في ذلك الأسلحة النووية. وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق بالنسبة إلى الغرب، لدرجة أن مجرد الحديث عنه يجعل من بوتين رمزاً للشر.

ولكن، هل وصلت روسيا إلى حافة الهاوية؟ وهل أصبح مثل هذا السيناريو أمراً ممكن الحدوث؟ الجواب بالتأكيد هو لا. صحيح أنه توجد منطقة رمادية بين مستقبل روسيا ومستقبل بوتين ربما تؤدي إلى إثارة المخاوف، وأن بوتين قد يخلط بسهولة بين مستقبله السياسي وإرثه التاريخي، وهذا ما يشكل خطراً في الوقت الحالي؛ لكن روسيا نفسها ليست تحت تهديد وجودي. فهذه الحرب لا تدور على أراضيها، بل على التراب الأوكراني، والذين يقاتلون الروس هم أوكرانيون وليسوا أمريكيين أو بريطانيين أو ألمانيين. كما أن الاقتصاد الروسي قد تراجع بسبب العقوبات؛ ولكنه لم يُصب بالانهيار. ولا تزال أكبر دولة في العالم تتمتع بالعمق الاستراتيجي والموارد الكافية لمواجهة العقوبات إلى حد كبير على الأقل.

شنت روسيا حرباً على أوكرانيا نهاية فبراير الماضي

ولكن هذا لا يعني أن روسيا لديها القدرة على مواصلة حرب طويلة في أوكرانيا؛ وهي بالتأكيد لا تمتلك القدرة على خوض حرب عالمية ما لم تقرر الصين الانضمام إليها. ولكن هذا لا يبدو احتمالاً وارداً في الوقت الحالي. ربما تشعر الصين في وقت ما في المستقبل بالقوة الكافية لشن حرب عالمية أو المشاركة فيها في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها إذا ما شعرت أن الغرب قد تجاوز خطوها الحمر، أو لغرض تحدي الهيمنة الغربية؛ ولكن هذا لن يحدث في المستقبل القريب. وجميع المؤشرات تدل على أن الصين غير مرتاحة للحرب في أوكرانيا، وتريدها أن تنتهي في أسرع وقت ممكن؛ لأن اقتصادها يعتمد على الوصول إلى الأسواق العالمية، مما يجعلها تخشى من أن تشملها العقوبات.

قبل أيام قليلة أوضح وزير الخارجية الصيني، أثناء زيارته إلى أوروبا، أن ما تريده الصين هو تسوية تفاوضية للحرب في أوكرانيا، وليس تصعيدها. وكرر العبارة المعروفة التي تقول إنه لا يمكن خوض حرب نووية، ولا يمكن كسبها؛ في ما اعتُبر أنه رسالة موجهة إلى بوتين وليس إلى الغرب.

اقرأ أيضًا: الحرب في أوكرانيا ستنتهي على طاولة المفاوضات

ربما تغير الصين موقفها هذا إذا ما كانت القوات الأمريكية على وشك الدخول إلى موسكو، ولكن هذه السيناريوهات هي مادة للخيال العلمي (وبعض دعاة الكرملين) وليست حقيقة؛ لذلك فإن الصين ستعطي بوتين بعض الدعم المعنوي، وستحمي ظهر روسيا في حربها مع أوكرانيا؛ ولكنها لن تنضم إلى روسيا في شن حرب عالمية ثالثة.

ولكن حقيقة أن الحرب العالمية غير ممكنة في المستقبل القريب لا تعني عدم وجود مخاطر أخرى، وأن الحرب الحالية في أوكرانيا لا يمكن أن تتصاعد. فعند القراءة بين سطور السياسة الخارجية الروسية خلال السنة الماضية، يمكن للمرء أن يلحظ بوادر استراتيجية جديدة بدأت بالتشكُّل. فلصرف الغرب عن تركيزه على أوكرانيا ربما تجد موسكو أنه من الملائم إشعال عدد من الحرائق الأخرى في مناطق قريبة أو بعيدة من العالم؛ حيث تتمتع بنفوذ كاف. وفي حين أن هذا السيناريو بعيد تماماً عن كارثة حرب نووية، فهو قادر على إغراق العالم في مزيد من الاضطرابات.

حرب روسيا وأوكرانيا- وكالات

ومن السيناريوهات التي يمكن تنفيذها خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة:

بيلاروسيا

لطالما طمحت روسيا في توريط بيلاروسيا في الصراع الأوكراني. ولكن أليكساندر لوكاشينكو كان لاعباً بارعاً؛ تمكن حتى الآن من التملص من مبادرات بوتين غير الملائمة بالنسبة إليه. لكن الرئيس البيلاروسي لديه أجندته الخاصة في ما يتعلق بالعلاقة مع جارته بولندا، فالتوتر المتزايد على الحدود بين البلدَين الذي أدى إلى وقوع بعض أعمال العنف، سوف يشغل الغرب؛ ولكن يثير الكثير من المشكلات ما دام الروس ليسوا متورطين فيه بشكل مباشر. وقد أدت بعض تصريحات لوكاشينكو الأخيرة إلى إثارة الكثير من التوتر مع بولندا، وإثارة قلق الكثير من سكان مناطقها الحدودية مع بيلاروسيا. وخلال زيارته إلى وارسو هذا الأسبوع؛ طمأن الرئيس الأمريكي جو بايدن، بولندا ودول أوروبا الشرقية الأخرى بالضمانات الصلبة الواردة في ميثاق الناتو. ولكن الولايات المتحدة أيضاً لا ترغب في المزيد من التصعيد، ولذلك لا بد من معالجة أي استفزازات تأتي من بيلاروسيا بحذر شديد وحسابات دقيقة.

اقرأ أيضاً: من الخاسر في الحرب الاقتصادية العالمية… أوكرانيا، روسيا، أم الاتحاد الأوروبي؟!

مولدوفا

الوضع في مولدوفا متوتر أصلاً، وتتمركز القوات الروسية في قاعدة عسكرية في منطقة ترانسدتيستريا الانفصالية؛ حيث يقوم قسم من السكان بدعم من موسكو بالضغط على حكومة البلاد الموالية للغرب. قبل بضعة أيام ألغى بوتين مرسومه الصادر عام 2012 بشأن “تنفيذ السياسة الخارجية لروسيا” الذي نص، من بين أمور أخرى، على الالتزام بالبحث الجاد عن حلول لنزاع ترانسدتيستريا على أسس تحترم سيادة مولدوفا وسلامة أراضيها ووضعها المحايد. ولا يمكن الآن استبعاد بعض الإجراءات لإضفاء الطابع الرسمي على انفصال ترانسدتيستريا عن مولدوفا؛ إما من خلال الاعتراف باستقلالها وإما بضمها إلى روسيا. وقد ذهبت حكومة مولدوفا أبعد من ذلك عندما اتهمت روسيا بالتخطيط لانقلاب في البلاد.

جنوب القوقاز وآسيا الوسطى

نص مرسوم بوتين لعام 2012 الذي تم إلغاؤه، على أن روسيا “ستتمسك بقوة بالمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة التي تتطلب تطوير العلاقات الودية بين الدول على أساس المساواة واحترام سيادتها وسلامة أراضيها”. وحقيقة أن موسكو لا ترغب في أن تكون مقيدةً بهذه الالتزامات هي أمر معبِّر تماماً. وهذا ما يسبب الآن قلقاً كبيراً في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى التي عانت هيمنة موسكو لسنوات طويلة والتي كانت على مدى الأعوام الثلاثين الماضية تسعى لتوطيد استقلالها. وتمتلك موسكو في هذه الدول مجموعة من أدوات القوة الناعمة والصلبة التي يمكنها استخدامها لزعزعة استقرار الحكومات المحلية. وربما يقرر الكرملين أن الوقت قد حان لإظهار بعض الحزم وتذكير هذه الحكومات بنقاط ضعفها (وبأن لا تشعر براحة كبيرة في علاقاتها مع الغرب).

شنت روسيا حرباً على أوكرانيا نهاية فبراير الماضي- أرشيف

إيران

تشكِّل الجمهورية الإسلامية ورقة رابحة في يد موسكو؛ حيث ازداد التعاون بين طهران وموسكو بشكل كبير منذ غزو روسيا لأوكرانيا. فقد زودت إيران روسيا بطائرات حربية فتاكة تسببت في أضرار جسيمة في المنشآت والمعدات الأوكرانية. ومع أنه لا يزال من غير الواضح ما الذي حصلت عليه إيران في مقابل ذلك، فإن روسيا تنظر إليها الآن كحليف موثوق ومفيد. وهنالك العديد من الطرق التي يمكن لإيران من خلالها مساعدة حليفتها من خلال تصعيد التوترات في الشرق الأوسط.

منطقة الساحل وإفريقيا الوسطى

بعد أن أشاحت الولايات المتحدة بنظرها عن إفريقيا خلال رئاسة دونالد ترامب، لا بد لواشنطن وحلفائها الآن من التعامل مع عدم الاستقرار الكبير في منطقة الساحل وإفريقيا الوسطى؛ حيث استخدمت روسيا مجموعة من الأدوات -بما في ذلك مجموعة فاغنر- لإثارة المتاعب. وتمتلك روسيا في هذه المنطقة أيضاً موارد كافية لتكون مصدراً للمشكلات بتكلفة قليلة للغاية. وإذا ما أرادت إزعاج الغرب؛ فإنها قادرة بسهولة على استغلال هذه المنطقة بتكلفة قليلة.

اقرأ أيضاً: ندوة “عين أوروبية على التطرف” بشأن التداعيات العالمية لغزو روسيا لأوكرانيا

ما زال بإمكان الضغوط الدولية أن تعيد بوتين إلى رشده

توشك الحرب في أوكرانيا أن تدخل عامها الثاني، ومن غير المرجح أنها ستنتهي قريباً. وكلا جانبيها لديه الموارد الكافية للقتال لفترة طويلة. ومن المستبعد تصعيد القتال فيها إلى حرب عالمية. فروسيا لا تملك القدرة على مواجهة الغرب عسكرياً بمفردها، والصين غير مستعدة لذلك؛ على الأقل في الوقت الحالي. لكن روسيا قادرة على زيادة التوترات العالمية وممارسة المزيد من الضغط على الغرب في مناطق نفوذها.

حافظت العديد من دول نصف الكرة الجنوبي؛ مثل الهند وجنوب إفريقيا وغيرهما من الدول غير المنحازة، على مواقفها السلبية في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، على الرغم من أن هذا الغزو يشكل انتهاكاً صريحاً لميثاق الأمم المتحدة ويهدد الأمن والسلم العالميين. ويجب لهذه السلبية أن تنتهي؛ إذ يمكن إعادة فلاديمير بوتين إلى رشده من خلال ممارسة ضغوط دولية أكبر، وإذا لم يتم ذلك فهو قد يميل إلى نقل هذا الصراع إلى المستوى التالي، وقريباً ربما تتورط فيه العديد من الدول الأخرى.

♦مدير مركز “لينكس يوروب” في لاهاي، ورئيس تحرير موقع commonspace.eu.، يكتب بانتظام في قضايا الأمن الدولي والأوروبي، وعن علاقات أوروبا بدول جوارها.

لقراءة الأصل الإنكليزي:  Beyond Ukraine, further violent turmoil is likely

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة