الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

“حجازي” اللغة العربية.. غياب فادح لعالمٍ جليل

عبد الله الغذامي لـ"كيوبوست": "حجازي قدَّم دراسات ثرية عن اللغة العربية عبر القرون، وخصَّ الدرسَ اللغوي الحديث بتركيزٍ شديد"

كيوبوست- إيهاب الملاح

توفي فجر الأربعاء الماضي (11 ديسمبر) العالم الجليل، وأستاذ اللغويات الحديثة، الأستاذ الدكتور محمود فهمي حجازي، عن 79 عامًا، أمضاها مخلصًا في خدمة الإنسانية والثقافة واللغة العربية التي من خلال جهوده العلمية والأكاديمية كرَّس الدرس العلمي لها، وأزال عنها الكثير من الشبهات والخرافات التي علقت بها، وأسَّس مدرسة لغوية علمية أصيلة، خليقة بالاستمرار والنماء في درس اللغة العربية، ضمن منظومة علم اللغة الحديث، في جامعات العالم ومؤسساته الأكاديمية الرصينة.

اقرأ أيضًا: الشعر كوسيلة للتواصل وتحسين الحالة النفسية والصحية

كان اسمه معدودًا بين أساتذة اللغويات الحديثة في العالم أجمع، وشُهر بنبوغه الفذ وإجادته المذهلة لعددٍ من اللغات الحية والقديمة. فقد درس اللغتَين العربية والألمانية معًا، وحصل على شهادة الليسانس في كليهما معًا، في الوقت الذي عكف فيه على دراسة اللغتَين الإنجليزية والفرنسية وبرع فيهما. ويُذكر أنه تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1958 التي حصل منها على الليسانس الممتازة في الآداب، وكان أول فرقته وأصغر خريجيها. وحينما ابتعث إلى ألمانيا للحصول على درجة الدكتوراه عام 1960، درس بالإضافة إلى تخصصه الدقيق في علم اللغة، وعلم اللغات المقارن، واللغات السامية، عددًا من اللغات القديمة؛ منها اللاتينية والآرامية والأكادية والسريانية، وتعلم فضلًا عن ذلك اللغات العبرية والتركية والفارسية

ورغم أنه نأى بنفسه تمامًا عن الشهرة والأضواء في عالمنا العربي، ورغم تكريمه وحصوله على أغلب وأهم الجوائز العلمية والأكاديمية الرفيعة؛ فإنه في الوقت ذاته حاز شهرة غير مسبوقة في جامعات أوروبا، وألمانيا بالأخص، وبسبب نبوغه وعبقريته تولَّى الإشراف على تنفيذ مشروعات ثقافية وحضارية كبرى، وأُسند إليه تأسيس جامعات كبرى (جامعة نور مبارك بألماطي عاصمة كازاخستان) والإشراف على إعداد مناهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في دول عديدة؛ منها ماليزيا وإندونيسيا وباكستان ودول من آسيا الوسطى، وارتبط اسمه في الترجمة بأكبر موسوعتَين في الأدب والتراث العربي؛ هما: “تاريخ الأدب العربي” لكارل بروكلمان، و”تاريخ التراث العربي” لفؤاد سزكين.

ترك حجازي عددًا وافرًا من الكتب والمؤلفات والأعمال الموسوعية التي صارت منذ ظهورها وحتى الآن كتبًا مرجعية لا غنى عنها ليس فقط لطلاب الدراسات اللغوية في الجامعات العربية، إنما أيضًا لكل متصل بالثقافة اللغوية العامة، وما يتصل منها بالأخص باللغة العربية، والإنتاج اللغوي العربي في تراثنا القديم؛ من أهم هذه الكتب:

«منهج السيرافي في التحليل اللغوي» (باللغة الألمانية)، و«اللغة العربية عبر القرون»، و«علم اللغة بين التراث والمناهج الحديثة»، و«علم اللغة العربية»، و«مدخل إلى علم اللغة»، و«الأسس اللغوية لعلم المصطلح»، و«البحث اللغوي»، و«اللغة العربية في العصر الحديث»، و«أصول الفكر العربي الحديث عند الطهطاوي»، و«طه حسين.. دراسة ومختارات ووثائق»، كما أشرف على وترجم أكثر من عشرين مجلدًا؛ منها «تاريخ الأدب العربي» لبروكلمان، و«تاريخ التراث العربي» لفؤاد سزكين.

وكان له جهد ملموس في التخطيط وتنفيذ المشروعات الكبرى في إطار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وفي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بماليزيا. اختير خبيرًا بمجمع اللغة العربية منذ عام 1975، ثم انتُخب عضوًا به عام 1999. ونال وسام الاستحقاق الاتحادي من الطبقة الأولى لجمهورية ألمانيا الاتحادية لعام 1977، وجائزة جامعة القاهرة التقديرية في العلوم الإنسانية 1998، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1998، والدكتوراه الفخرية بدرجة أستاذ من جامعة اللغات العالمية في كازاخستان ووسام رئيس جمهورية كازخستان 2013، وقبل وفاته بعام تقريبًا حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والأدب.

اقرأ أيضاً: أفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين (الجزء الأول)

د.حسن الشافعي

في نعي العالم الجليل

وقد نعى الدكتور حجازي نخبةُ الفكر والثقافة واللغة في مصر والعالم العربي؛ الدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، نعاه قائلًا: “ستبكي عليك المجامع اللغوية في العالم العربي والإسلامي، ستبكي عليك ألماطي بدولة كازخستان التي أسست فيها جامعة نور مبارك لخدمة اللغة العربية، ستبكي عليك عشرات الجامعات في العالم. كنت تقول دائمًا أنا لا أخشى الموت فلقد وهبتُ عمري كله للغة العربية لغة القرآن الكريم».

من جانبه، قال الناقد والأكاديمي السعودي، أستاذ النقد والنظرية في كلية الآداب، قسم اللغة العربية، بجامعة الملك سعود بالرياض، الدكتور عبد الله الغذامي، لـ”كيوبوست”: “إن الثقافة العربية فقدت برحيل محمود فهمي حجازي عالمًا جليلًا سخَّر عمره كله للبحث العلمي، وكان يحمل شعلة طه حسين وتلاميذ طه حسين الأوائل، سهير القلماوي، وشوقي ضيف، وكان لسهير القلماوي أثر عميق عليه، وهي التي عرف عنها جيل الآداب في القاهرة روحها الوثابة للمعرفة، وكانت تغرس في طلبتها هذه الروح؛ مما يجعل شعلة طه حسين متقدة عبر التوارث النبيل للمعرفة، وفي ما يخص الدكتور محمود فهمي حجازي، فإنه تحمل شروط هذه الرسالة الخالدة وجعل تخصص اللغة العربية مشروع حياته”.

اقرأ أيضًا: هل يهدد الإيموجي مستقبل اللغة؟

الدكتور عبد الله الغذامي

وتابع الدكتور الغذامي: “حجازي قدَّم دراسات ثرية عن اللغة العربية عبر القرون، وخصَّ الدرسَ اللغوي الحديث بتركيزٍ شديد، وعرض لدور اللغة في السياسة، في واحدٍ من أقرب كتبه لروح العصر، وكانت أولى خطواته العلمية هي أخطر الخطوات؛ حيث تصدى مشاركًا في عمل معجم عربي/ ألماني، عمله في مطلع حياته الأكاديمية، وهذا طبع في نفسه روح الجدية والمثابرة.. بما أن عمل المعاجم يمثل أشد الدروس اللغوية تحديًا وجسارة، وظلت هذه الروح تساير بحوثه كلها في دقته على تتبع التفاصيل الأولية ليبني منها تصورات تفضي لاجتهادات شجاعة في علم اللغة، وهذه منهجية علمية عملية تعطي قدوة محفزة لمَن تلاه من الباحثين، وكأنه يرد الدين لأستاذه طه حسين، وهو المحفز المعنوي الأول في العصر الحديث لكل أجيال الباحثين، وهي روح أخذ بها محمود فهمي حجازي في نموذجه العملي في البحث اللغوي، الذي لازم عمره كله”.

خيري دومة

وبدوره، نعى الدكتور خيري دومة، الناقد والأكاديمي المصري، رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، الأستاذَ الجليل، قائلًا: “في أوائل الثمانينيات كنا ندرس في قسم اللغة العربية بآداب القاهرة مقررًا بعنوان (مدخل إلى الدراسة اللغوية). لم نرَ الدكتور محمود فهمي حجازي؛ لأنه كان يدرس في إحدى الجامعات العربية، لكننا قرأنا كتابه هذا: (مدخل إلى علم اللغة). ولا أذكر أنني قرأت شيئًا بعده في علم اللغة الحديث إلا وجدت بذرته في هذا الكتاب المنشور في أوائل السبعينيات.كان الكتاب بسيطًا وعميقًا وممتعًا. من يومها تعلمنا الدرس، كم هو متعب ورائع، أن تتعلم العلم الغربي اللامع المعقد، ثم تقدمه لقرائك ومستمعيك وتلاميذك في صورة بسيطة وناصعة. رحم الله أستاذنا الجليل وجازاه خير الجزاء”.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة