الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دولية
حبيب الملا: الدورة الاقتصادية العالمية ستعود إلى طبيعتها فور انتهاء الجائحة
في حديثه إلى "كيوبوست" يشدد الملا على أن عودة رؤوس الأموال للتدفق بين قطر ودول الخليج ستأخذ بعض الوقت.. معرباً عن تفاؤله بالحزم الاقتصادية والمبادرات التي أقرتها دولة الإمارات العربية المتحدة

كيوبوست
في حديثٍ خاص أجراه مع موقع “كيوبوست”، أكد رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة “بيكر آند ماكينزي” حبيب الملا، أهمية المبادرات والحزم الاقتصادية التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة؛ للتخفيف من تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد، متفائلاً بعودة سريعة لعجلة الاقتصاد العالمي فور القضاء على تلك الجائحة.
ويعد الملا من المرجعيات القانونية في الدولة، وقام بتمثيلها في عدد من المحافل الدولية، كما قام بصياغة الهيكل القانوني الذي أدى إلى تأسيس مركز دبي المالي العالمي كأول منطقة حرة مالية في الإمارات، وهو الرئيس السابق لسلطة دبي للخدمات المالية.

في هذا الحوار ركز الملا أيضاً على آثار اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل على اقتصاد البلدَين، وعلى الأفق الذي تبحث عنه دول الخليج لإيجاد مصادر اقتصادية بديلة للنفط في المستقبل القريب.
إلى نص الحوار:
♦ يمر العالم ومنطقتنا بظروف اقتصادية نتيجة جائحة كورونا، وقد ذكر البعض من أهل المال والأعمال، أن الأزمة والظروف سيولدان أزمة مشابهة في حجمها وبصماتها بالأزمة المالية العالمية 2008- 2009، السؤال هو: ما تقديركم لهذه التشابهات؟ وكذلك التشابه في الآثار الناتجة على المديين القصير والمتوسط؟
– في تصوري أنه لا يوجد أي مجال للمقارنة بين أزمة 2008- 2009، والأزمة الحالية؛ لسبب جوهري: في الأزمة السابقة كان هناك خلل هيكلي في تركيبة الاقتصاد العالمي؛ مثل فقاعة الرهن العقاري، وغيرها، فحتى لو لم يحدث حدث طارئ، كانت الأزمة في طريقها للانفجار. أما في الأزمة الحالية فالوضع مختلف تماماً؛ فالمرتكزات الأساسية للاقتصاد العالمي كانت متينة وتجري في الدرب الصحيح، وجاءت جائحة لا علاقة لها بالاقتصاد؛ موضوع صحي بشكل خالص، وأدت إلى وقف حركة البشر وانتقال البضائع والسلع ورؤوس الأموال؛ هذا الظرف هو الذي أدى إلى إيقاف عجلة الاقتصاد، وإطلاق المشكلات التي تواجهها مختلف الدول، ولذلك فإنه بمجرد انتهاء هذه الجائحة إما: بسبب اللقاح وإما تحقق مناعة القطيع؛ فالمرتكزات الأساسية للاقتصاد صحيحة، وستساعد على عودة الدورة الاقتصادية بشكل حيوي.

♦ استجابت حكومات مختلفة في أوروبا وشرق آسيا للظروف الحالية، عبر إطلاق برامج عاجلة للانتعاش الاقتصادي، ما تقييمكم للخطوات الشبيهة التي أطلقتها الحكومات الخليجية والعربية؟
-بالنسبة إلى الحزم الاقتصادية، فإن دولاً عديدة حول العالم أطلقتها لمساعدة قطاع الأعمال؛ خصوصاً المشروعات الصغيرة والناشئة، وذلك كي تتمكن من تلافي جائحة كورونا.. في منطقتنا قامت دول قليلة بإطلاق مثل هذه الحزم، وفي الخليج فإن الإمارات تحديداً كانت سباقة لذلك. كلنا نذكر المبادرة التي أطلقها المصرف المركزي واحتوت 100 مليار درهم دعماً للسيولة في القطاع المصرفي؛ ومن خلالها استطاعت البنوك المشاركة في هذه المبادرة أن تتيح الحوافز والتسهيلات لعملائها عن طريق تأجيل سداد الأقساط والقروض وغير ذلك، وأرى أن الخطوات التي اتخذتها دولة الإمارات في هذا الصدد سواءً عن طريق حزمة المصرف المركزي أو المبادرات من تأجيلات وتخفيضات الرسوم الحكومية، كانت استباقية ومن شأنها تحريك العجلة الاقتصادية وتخفيف آثار جائحة كورونا.
اقرأ أيضًا: ثقة في الاقتصاد الإماراتي.. سندات أبوظبي تسجل طلبات أضعاف المعروض منها
♦ تمتلك الإمارات ثاني أكبر اقتصاد عربي، وهو الاقتصاد الأكثر ديناميكية في منطقتنا، ومؤخراً عقدت الدولة اتفاقية سلام مع إسرائيل التي تتمتع باقتصاد حديث وصناعي، ما رؤيتكم للتعاون الاقتصادي بين البلدَين؟ كيف يمكن للإماراتيين أن يستفيدوا مما تمتلكه إسرائيل من صناعات ومهارات وسوق؟
-أنا لا أزال على رأيي بأن إسرائيل ستكون المستفيد الأكبر من هذه العلاقة، نحن دورنا سينصب حالياً على الاستيراد أكثر من الطرف الآخر. وإسرائيل لديها الكثير مما تقدمه، وبالذات في التكنولوجيا، وخبراتها في توظيفها في مجالات الزراعة والمياه والقطاع الطبي وأمن المعلومات والأمن السيبراني وكذلك في الصناعات العسكرية.. في كل هذه القطاعات أرى أن الشركات والمؤسسات التجارية والاستثمارية في الإمارات تتطلع باهتمام للتعاون مع الجانب الإسرائيلي.
شاهد: فيديوغراف.. اتفاق السلام الإماراتي- الإسرائيلي لحظة فريدة
♦ ما القطاعات الاقتصادية في الإمارات التي ستشهد انتعاشاً سريعاً نتيجة الاتفاقية مع إسرائيل؟ وما توقعكم لحجم الانتعاش فعلياً؟
-من الجانب الإماراتي، فإن القطاع الذي سيستفيد ربما أكثر من غيره، هو قطاع السياحة والنقل؛ ولكن طبعاً قياساً للاستفادة الإسرائيلية فستكون الاستفادة الإماراتية أقل على الأقل في اللحظة الحالية، بينما من الممكن مع الوقت وتوسع الاستثمارات المشتركة أن تزيد الاستفادة الإماراتية وتتضاعف.

♦ كيف من الممكن لدبي أن تلعب دوراً محورياً في الربط بين شبكتها من الأسواق وقربها من أقاليم مختلفة وبين الاقتصاد الإسرائيلي؟
-دبي دورها مركزي؛ بسبب البنية التحتية الممتازة التي تملكها، وأيضاً شبكة العلاقات والخدمات التي تتمتع بها؛ كل هذا يؤهل دبي لأن تكون حلقة وصل محورية فعالة في الربط بين الأسواق الآسيوية تحديداً وإسرائيل. وأظن أن هناك مبادرة من إحدى المؤسسات التجارية؛ وهي مجموعة شركات الحبتور في قطاع السيارات التي تقوم باستيرادها من مصانعها في آسيا لتصديرها إلى إسرائيل. ولكن الوقت سيثبت كيفية استفادة دبي من موقعها المحوري وخبراتها العريقة وبنيتها في هذا المجال.
اقرأ أيضًا: كيف يغير اتفاق السلام الإماراتي- الإسرائيلي خارطة التحالفات في المنطقة؟
♦ ما قراءتكم للتغييرات التشريعية الأخيرة التي خطتها حكومة الإمارات من ناحية تأثيرها على أداء الدولة اقتصادياً؟
-اتخذت الدولة منذ زمن طويل قراراً استراتيجياً بتبني النهج الاقتصادي الليبرالي وفلسفة الاقتصاد الحر وتمكين حرية الأسواق في الدورة الاستثمارية والتجارية. للأسف الترجمة التشريعية لهذا التوجه الاقتصادي لم تكن موجودة؛ فكانت التشريعات في وادٍ والسياسة الاقتصادية في وادٍ آخر. التعديلات التشريعية الأخيرة بدأت ولأول مرة تحاكي التوجه الاقتصادي؛ وهي في تصوري ترجمة للفلسفة الاقتصادية التي تبنتها الدولة، فحرية تملك الأجنبي كامل الشركات وحرية الاستثمار والحريات الاجتماعية؛ كلها من شأنها أن تؤدي إلى رسوخ مكانة البلد الاقتصادية، وستساعد على استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، ولعل تغييرات مثل الإقامة طويلة الأمد للمستثمرين من الفئة الذهبية وتعديلات قانون الجنسية.. كلها تصب في هذا الاتجاه، المهم أن يزداد وضوح الخارطة التشريعية التي تجمع كل هذه الجزئيات؛ حتى لا تكون التعديلات الأخيرة جزئيات غير مترابطة ومتناسقة، يعني هذا الجانب الذي يفترض أن تقوم به وزارة الاقتصاد من ناحية تنسيق الخارطة التشريعية كما ذكرنا.
اقرأ أيضًا: الإمارات العربية المتحدة تقر إصلاحات على قانون الأحوال الشخصية والأسرة
♦ يُطلق الخليجيون بين الفترة والأخرى رؤى للتحول الاقتصادي لعصر ما بعد النفط، ما أبرز نقاط القوة والضعف في هذه الرؤى والخطط؟
-طبعاً الفكرة من وراء ذلك جيدة والنيَّات جيدة، ونتمنى نجاح هذه الخطوات؛ بحيث يقل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد أو مصدر أساسي للدخل. لكن لديّ ملاحظتان أساسيتان على هذه الخطط:
الملاحظة الأولى: أنها كلها عبارة عن استنساخ لتجربة وحيدة وفريدة في المنطقة، وحتى نكون صريحين هي تجربة دبي. وما نجحت فيه دبي قد لا تنجح فيه دول أخرى؛ ليس بسبب عدم قدرتها على هذا النجاح، ولكن هذا النموذج قد لا يلائم اقتصادها. دبي مثلاً تفتقر إلى مصادر الطاقة التقليدية الأحفورية، فكان طبيعياً توجه المدينة منذ القدم لتنويع مصادر دخلها عبر الاستثمار والعمل في قطاعات الخدمات والسياحة والضيافة والنقل.. إلخ، هذه قطاعات ذات خصوصية؛ حيث تحتاج إلى يد عاملة كثيفة ودورات اقتصادية متعددة وهامش الربح فيها بسيط، ولذلك هناك دول لديها مكانة استراتيجية في قطاع الطاقة العالمي ولا تحتاج إلى أن تنافس بشدة في قطاع الخدمات مثلاً حتى تنوع اقتصادها؛ نعم يمكن أن تطور هذه القطاعات كرافد للاقتصاد، ولكن يمكن أن تقوم بجهد أكبر في تنويع مصادر دخلها عبر التركيز على الصناعات؛ ومنها الصناعة المرتبطة بالطاقة الهيدروكربونية، على سبيل المثال. أو حتى الاستثمار في أسواق المال، ولنا في ذلك مثال ناجح وهو صندوق الاستثمارات السيادي في النرويج الذي تم التخطيط له برؤية بعيدة المدى وبعمل احترافي وبإدارة مستقلة ومهنية، واليوم أصبح هذا الصندوق رافداً أساسياً للاقتصاد النرويجي. هذا مثال قد يناسب أكثر دول لديها طاقة هيدروكربونية كبيرة ولديها فوائض مالية كبيرة أكثر من اعتمادها على قطاعات السياحة والضيافة والتجزئة.
والملاحظة الثانية: أن هذه الخطط حتى الآن -باستثناء تجربة دولة الإمارات- ليست ملموسة بعد على أرض الواقع؛ يعني ما زالت خططاً نظرية وعلى الأوراق.
♦ تتجه دول الخليج مؤخراً إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة؛ مثل إلغاء نظام الكفالة أو منح الملكية الكاملة للمستثمر الأجنبي.. وغيرهما من الإجراءات، في تقديركم كيف سيؤثر ذلك على الطبقة الخليجية الوسطى؟
-أرى أن هذه الخطوات تأخرت للغاية، وكان يجب أن ندخل الألفية ونحن قد عبرنا هذه الجسور. فتصوري الشخصي أننا متأخرون عن الركب العالمي؛ ولكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً. أما عن تصوري لتأثير هذه الخطوات على الطبقة الوسطى، لا أظن أن هناك تأثيراً على المديين المتوسط أو الطويل؛ نعم بعض الأفراد قد يخسرون الدخل الناتج عن نظام كفالة الشركات، ولكن من الممكن في نظري أن تكون مصادر أخرى تُعين على تعويض هذه المداخيل المفقودة، هل اتخذت الحكومات خطوات في هذا الاتجاه؟ الجواب لا.
الحكومات قامت بتعديل التشريعات وتركت هذا الجانب، وكان يمكن أن تكون هناك حلول مرحلية ومؤقتة تساعد على امتصاص آثار القرارات؛ حتى لا تتأثر الطبقة الوسطى. تصوري الشخصي أن الخطورة على الطبقة الوسطى تأتي من منافسة القطاع العام للقطاع الخاص وتوسعه على حساب هذا القطاع. وهذا يناقض الفلسفة التي تقف خلف التحول إلى عصر ما بعد النفط، إذا كانت دول الخليج جادة فعلاً في التحول إلى عصر لا ترتكز فيه اقتصادياً على النفط، فيفترض أن تدعم القطاع الخاص وتقويه وتمنحه الحوافز ولا تنافسه؛ خصوصاً أن المنافسة غير عادلة بين القطاعَين العام والخاص.. دعم القطاع الخاص سيؤدي إلى تقوية الطبقة الوسطى وعدم التأثير على مداخيلها ومعيشتها.

♦ بعد الحل الذي توصلت إليه القمة الخليجية الأخيرة في العلا، هل سيعود تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات بين دول مجلس التعاون كما كان سابقاً؟ أم أن هناك حواجز تعيق ذلك؟
-أظن أن مسألة عودة رؤوس الأموال إلى التدفق قد تأخذ بعض الوقت قبل الوصول إلى التدفق المطلوب أو معدل التدفق السابق لها. يعني مثلاً إذا نظرنا إلى الأمور بموضوعية وصراحة، فقد استطاعت قطر إنشاء بعض الصناعات المحلية لتعوض البضائع التي كانت تستوردها سابقاً، كما نشَّطت علاقاتها مع تركيا وإيران، وحتى الأردن استفاد من مقاطعة قطر؛ فبعض مراكز التصدير موجودة في الأردن وتركيا وغيرهما، ولذلك أظن أن المسألة ستأخذ بعض الوقت، وفي النهاية القرار الاقتصادي ينظر إلى عوامل؛ مثل الدولة التي توفر خدمات أفضل وبنية تحتية أفضل وأسعاراً أفضل ورسوماً أقل هي التي ستتفوق في هذا الجانب.

♦ أخيراً، هل نستطيع أن نتفاءل بعام 2021 اقتصادياً؟
-شخصياً، أنا متفائل جداً بعام 2021 من الناحية الاقتصادية بالنسبة إلى دولة الإمارات تحديداً؛ مؤشرات ذلك واضحة حيث رأينا ارتفاعاً في أسعار العقارات في بعض المناطق، ورأينا زيادة في الحركة في قطاع التجزئة، وشهدنا نسب إشغال عالية في الفنادق، وعودة الحركة إلى طيران الإمارات والناقلات الأخرى. أظن أن الأمور لو أكملت في هذا الاتجاه واستطاعت الدولة أن تنفذ خطتها في توزيع اللقاح، فإن عام 2021 سيكون أفضل من التوقعات الاقتصادية السابقة التي كانت تقدر أن هذا العام سيكون متأثراً بجائحة كورونا.