الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
حان الوقت للتشدد مع “طالبان”

كيوبوست- ترجمات
ليزا كورتيس♦
بعد مرور عام على تولي “طالبان” زمام السلطة في أفغانستان، ليس هنالك ما يشير إلى تغير في سلوك ونهج هذه الجماعة المتطرفة عما كانت عليه عندما سيطرت على البلاد أول مرة عام 1996. مجلة “فورين أفيرز” نشرت مقالاً بقلم ليزا كورتيس، تناقش فيه الوضع في أفغانستان وسبل تعامل المجتمع الدولي مع “طالبان” لدفعها إلى التخلي عن نهجها المتشدد.
تشير كورتيس إلى أن “طالبان” لم تفِ بوعودها بإعادة فتح مدارس البنات في البلاد، وأنها لا تزال تؤوي الجماعات الإرهابية كما ثبت بعد مقتل أيمن الظواهري في ضواحي كابول بغارة من طائرة أمريكية مسيرة. وتدعو كورتيس الولايات المتحدة وشركاءها إلى الاعتراف بهذا الواقع، وتبنِّي نهجٍ أكثر تشدداً مع “طالبان” بدلاً من تشجيعها على تقديم الوعود الكاذبة والأعذار لسلوكها الفظيع، دون أن يؤثر هذا النهج على وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب الأفغاني.
اقرأ أيضاً: أفغانستان بعد عام من حكم طالبان.. أوضاع كارثية وتهديدات أمنية متصاعدة
كان العديد من المراقبين يأملون في أن تساعد رغبة “طالبان” في الحصول على المساعدات الإنسانية والشرعية الدولية في تغيير سلوكها المتطرف فور وصولها إلى السلطة. وبعد يومَين من استيلاء “طالبان” على كابول، أكد المتحدث باسم “طالبان”، في أول مؤتمر صحفي رسمي للحركة، أن قيادة “طالبان” ملتزمة بالسماح للنساء بالعمل والدراسة والمشاركة في المجتمع “في حدود ما تسمح به الشريعة الإسلامية”. واليوم تحظر الحركة على النساء والفتيات، فوق 12 عاماً، العمل والذهاب إلى المدرسة، ويخضعن لقيود مشددة جديدة على مغادرتهن منازلهن دون مرافقة رجل من أقربائهن، وكذلك ارتفعت معدلات زواج الأطفال والعنف المنزلي. كما قامت “طالبان” بحل اللجنة الأفغانية لحقوق الإنسان، وحظرت الأنشطة السياسية، واعتقلت قادة المجتمع المدني.
وقد وثَّقت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان، منذ أغسطس الماضي، أكثر من 237 حالة قتل خارج نطاق القانون نفذها أعضاء في حركة طالبان، وكان من بين الضحايا 160 شخصاً من موظفي الحكومة السابقة وقوات الأمن فيها. وأدت الضغوط التي مارستها الحركة على وسائل الإعلام إلى إغلاق أكثر من ثُلث المنافذ الإخبارية في البلاد.

كانت “طالبان” قد تعهدت بموجب اتفاقية الدوحة التي أبرمتها مع الولايات المتحدة، بمنع “القاعدة” من استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها؛ ولكن مقتل الظواهري في منزل يملكه أحد مساعدي وزير الداخلية بالإنابة سراج الدين حقاني، في إحدى ضواحي كابول، يؤكد عدم التزام “طالبان” بتعهدها، وأنها لا تزال تحافظ على علاقاتها الوثيقة مع “القاعدة”.
وتختلف كورتيس مع بعض الخبراء الذين يقولون بضرورة التواصل رفيع المستوى بين الولايات المتحدة و”طالبان”؛ لمنع انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، ولضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى مَن هم في أمسّ الحاجة إليها. وترى أن التعامل مع “طالبان” سوف يشجعها على الاستمرار في انتهاكاتها حقوق الإنسان وسيقوِّض استقرار البلاد على المدى الطويل.
اقرأ أيضاً: بعد عام على عودة “طالبان”.. التاريخ يعيد نفسه!
في الشهر الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنه لن يتم الإفراج عن 3.5 مليار دولار من الأصول الأفغانية المجمدة. وفي 14 سبتمبر، أعلنت إدارة بايدن أنه سيتم توزيع هذه الأموال على الشعب الأفغاني من خلال صندوق دولي يديره مسؤولون في الحكومة السويسرية وخبراء أفغان؛ لضمان عدم وصول هذه الأموال إلى “طالبان”.
ولكن كورتيس ترى أن أهم خطوة لردع “طالبان” هي إعادة حظر السفر الدولي على جميع قادة الحركة، الذي انتهى مفعوله في عام 2019 عندما فشل مجلس الأمن في التوصل إلى اتفاق على تمديده بفعل معارضة روسيا والصين. ومنذ ذلك الوقت يستفيد قادة “طالبان” من إلغاء حظر السفر، ويحاولون اكتساب الشرعية الدولية بحضور المؤتمرات في النرويج وأوزبكستان، بينما تستمر الحركة في انتهاك حقوق المرأة وقمع المجتمع المدني في البلاد.

وإلى جانب التقليل من التعاطي الدبلوماسي مع “طالبان”، يجب على الولايات المتحدة التركيز على إيجاد طرق مبتكرة لمساعدة ودعم المجتمع المدني الأفغاني؛ من خلال دعم الجمعيات التي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان وتعزز حقوق المرأة والحريات الإعلامية. ويمكن لواشنطن تخصيص المزيد من الموارد لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان. ومن الضروري أن يحافظ المجتمع الدولي على إجماعه غير الرسمي على عدم الاعتراف بـ”طالبان” كحكومة شرعية للبلاد قبل أن تفي الجماعة بتعهداتها وتقطع علاقاتها مع الجماعات الإرهابية.
اقرأ أيضاً: أفغانستان تحت حكم “طالبان” ستكون مرتعًا للإرهاب الدولي
وتشير كورتيس إلى أنه بعد مرور أكثر من خمسة أشهر منذ أن تراجعت “طالبان” عن وعودها بإعادة فتح مدارس البنات، وبعد أن أنفقت الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات لدعم المنظمات التي تدافع عن حقوق المرأة الأفغانية، فإن الولايات المتحدة تواجه التزاماً أخلاقياً تجاه النساء الأفغانيات اللاتي ساعدت في تمكينهن. وقد وثقت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان العديد من الانتهاكات ضد النساء والفتيات؛ بما في ذلك القتل والتعذيب وقمع الحريات. وهذه تصرفات غير مقبولة، ولا بد من أن تعكس سياسة الولايات المتحدة هذا الأمر من خلال تبني نهج أكثر صرامة تجاه “طالبان” حتى تفي بوعودها السابقة باحترام حقوق جميع الأفغان.
♦مديرة برنامج الأمن لمنطقة المحيطَين الهندي والهادي في مركز الأمن الأمريكي الجديد.
المصدر: فورين أفيرز