الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
حالة الحركة الجهادية: مقابلة مع ديفيد جارتنشتاين-روس

كيوبوست- ترجمات
لقد كان من دواعي سرور موقع “عين أوروبية على التطرف” التحدثُ مع ديفيد جارتنشتاين روس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “فالنز جلوبال”، وكبير المستشارين في قسم الحرب غير المتماثلة في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، حول كتاب جديد شارك في تأليفه، بعنوان «أعداء قريبون وبعيدون: كيف تضع الجماعات الجهادية الاستراتيجيات وتخطط وتتعلم؟»..
*عين أوروبية: بداية، تهانينا على كتابك الجديد؛ «أعداء قريبون وبعيدون». لقد أحدث “الربيع العربي” تغييرات خطيرة في الوضع السياسي في المنطقة. في ذلك الوقت اعتقد الكثيرون أنه يبشر بأفول الجماعات الجهادية. كيف ترى تأثيره على الحياة السياسية في المنطقة ووجود تنظيم القاعدة؟
-جارتنشتاين: إن الرأي القائل بأن ثورات الربيع العربي كانت إيذانًا بأفول نجم الحركات الجهادية لم يكن رأي الكثيرين فقط، بل كان في الواقع رأي الغالبية العظمى أيضًا من المراقبين، ودوائر الاستخبارات الأمريكية. وفي وقتٍ لاحق، روى مايكل موريل، مسؤول كبير في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في وقت تلك الثورات، أن دوائر الاستخبارات الأمريكية “اعتقدت وأخبرت صانعي السياسة أن انفجار التمردات الشعبية من شأنه أن يلحق الضرر بتنظيم القاعدة من خلال تقويض روايته”.
وهذا الإجماع التحليلي الذي تشكّل حول هذا الموضوع دفعني أنا وتوماس جوسلين، المؤلف المشارك معي، إلى اعتبار التقييمات التحليلية لثورات الربيع العربي، والجماعات الجهادية، واحدة من ثلاثة “أخطاء إجماع” كبرى ارتكبها مجالنا على مدى العقد الماضي.

إذا تدبرت الأمر، تجد أن التقييم التحليلي المتعلق بالربيع العربي والجماعات الجهادية كان دائمًا موضع شك كبير. فكرة إمكانية تنحية الحركات الجهادية جانبًا متجذرة في افتراضٍ مفاده أنه عندما يسيطر عدم الاستقرار على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فسوف تُهمّش الجماعات المسلحة، ولا تستطيع التفكير في إيجاد طريقة لاستغلال هذه التغييرات. لكن الواقع يشير إلى أن الجماعات المسلحة بشكلٍ عام، وليس الجهادية فقط، تزدهر في حالات الفوضى.
تأثير الربيع العربي على الجماعات الجهادية، في هذه المرحلة، واضح تمامًا. وحقيقة أن التغييرات الثورية ساعدت الجماعات المسلحة لا تعني أن التغيير الديمقراطي غير ضروري في المنطقة، كما أنها لا تلغي الانتفاضات. ولكن المنظمات المسلحة ازدهرت بشكلٍ كبير كنتيجة مباشرة للفوضى السياسية في المنطقة.
فلقد شهدت كل من سوريا وليبيا انتفاضات الربيع العربي، والتمرد المسلح في كلا البلدين واضح تمامًا. أما تونس فقد مرّت بفترة كانت فيها الجماعات الإسلاموية المتشددة في مرحلة صعود، ووقعت هجمات كبيرة عديدة في الدولة. ورغم أن هذا الاتجاه قد تلاشى على ما يبدو، فإنني أرى أن مستقبل الجماعات الإسلاموية المتشددة في تونس غير مؤكد. بعبارةٍ أخرى، قد تنتعش هذه الجماعات مرة أخرى. كما أن الاتجاه في مصر واضح نسبيًا. وكما نوقش في العديد من الكتابات الأكاديمية، نجحت مصر في دحر الجماعات الإسلامية المتشددة بشكلٍ أساسي بحلول مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد أن بالغت تلك الجماعات في تقدير قوتها في هجوم الأقصر عام 1997. واليوم، على الرغم من ذلك، يتنامى التشدد مرة أخرى في مصر، خاصة فرع داعش في سيناء. علاوة على ذلك، كانت إحدى النتائج غير المباشرة للثورة الليبية أنها أنتجت قدرًا أكبر من حالة عدم الاستقرار في مالي ومنطقة الساحل الأوسع، التي استفادت منها العديد من الجماعات المسلحة. النقطة الأساسية التي أثرتها أنا وتوم في هذا الكتاب هي أن الجماعات الجهادية هي منظمات قادرة على التعلم. وبالتالي، يمكنها إيجاد طرق للاستفادة من الفوضى.
اقرأ أيضًا: تداعيات تصفية أمريكا للظواهري على “الجماعات الجهادية” حول العالم
*عين أوروبية: استخدم داعش عناصر مثل جنيد حسين لتنفيذ هجمات متعددة في الغرب. من نواحٍ كثيرة، يبدو أن أساس هذا الاتجاه كان أنور العولقي، الذي استمر تأثيره بعد وفاته. هل يمكنك تفسير هذا “العامل العولقي” في الجماعات الجهادية الحديثة؟
-جارتنشتاين: في هذا الكتاب، أصف أنا وتوم العولقي بأنه “المتبني المبكر” الرئيس بين الجهاديين لوسائل التواصل الاجتماعي. لقد كان العولقي شخصية أكثر جاذبية وإقناعًا بكثير من جنيد حسين، كونه كان متحدثًا بليغًا، ويتمتع بمؤهلات قوية في العلوم الدينية، وله تأثير قوي كمُنظٍّر ومرشد متشدد.
ومع ذلك، في ذروة نشاط جنيد حسين، استطاع إلهام وتيرة من الهجمات التي تنافس أو تفوق الوتيرة التي ألهمها العولقي خلال ذروة الرجل الأخير. لماذا؟ السبب الرئيس، في رأينا، هو أنه على الرغم من أن العولقي كان من أوائل من استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه فشل في فهم الإمكانات الكاملة لوسائل التواصل الاجتماعي. ذلك أنه طفق يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كما لو كانت مدونة. أما جنيد حسين فقد استفاد بشكل كامل مما يسميها جي إم بيرجر باسم “العلاقة الحميمة عن بعد” التي يمكن أن تنتجها وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أصبح كثير من الأشخاص، الذين كان يتعامل معهم كل يوم، يعتبرون حسين كأحد معارفهم أو أصدقائهم الحميمين.

إضافة إلى ذلك، فخلال حياة جنيد حسين، تبنى داعش نموذج التخطيط الافتراضي للهجمات، الذي غيّر العلاقة بين بيئة المعلومات والمهاجمين المحتملين. وحيث كانت وسائل الإعلام الجهادية في يومٍ من الأيام تحث الناس ببساطة على الانضمام إلى الحركة أو العمل في خدمتها، استفاد نموذج التخطيط الافتراضي للهجمات لتنظيم داعش من التقدم المحرز في الاتصالات عبر الإنترنت، والتشفير لهندسة عملية، يستطيع من خلالها كبار عناصر التنظيم توجيه المهاجمين الفرادى مباشرة، وتجنيد العملاء، وإقناعهم بالتحرك، ثم لعب دور قوي في وضع التصورات، واختيار الأهداف، وتوقيتاتها، وتنفيذ الهجمات.
هذا يقودني إلى واحدة من مساهماتنا النظرية الرئيسة في هذا الكتاب: منحنى تبني التكنولوجيا من قبل الأطراف الفاعلة العنيفة من غير الدول. يوضح المنحنى كيف أن الطرف الفاعل العنيف من غير الدول يميل بمرور الوقت إلى أن يصبح أكثر كفاءة في استخدام التكنولوجيا بشكل جديد.
وهناك أسباب عدة لزيادة الكفاءة مع مرور الوقت. لقد أصبحت الأطراف الفاعلة العنيفة من غير الدول أفضل في استخدام التكنولوجيا، من خلال عملية التكرار والتجريب. وإضافة إلى ذلك، عادة ما تطرأ تحسينات على التكنولوجيا نفسها. وفي حين أن الشركات تدخل هذه التحسينات التكنولوجية من أجل مصلحة العملاء، فإن الأطراف الفاعلة العنيفة من غير الدول تستفيد منها أيضًا.
التبني المبكر
اتسمت أولى محاولات الأطراف الفاعلة العنيفة من غير الدول لاستخدام التكنولوجيا بمعدلات فشل مرتفعة.
|
التكرار
تنقح الأطراف الفاعلة العنيفة من غير الدول طريقة استخدامها للتكنولوجيا، وتشهد التكنولوجيا نفسها تحسينات معاصرة. |
التقدم
تحقق الأطراف الفاعلة العنيفة من غير الدول معدلات نجاح كبيرة في استخدام التكنولوجيا. هذا النجاح غالبًا ما تسهله التحسينات التي تدخلها شركات التكنولوجيا نفسها من أجل المستخدمين.
|
التنافس
تنفذ الجهات الحكومية وشركات التكنولوجيا وغيرها من الأطراف المعنية تدابير مضادة.
|
وهكذا، يوضح مثال أنور العولقي أهمية تتبع المتبنين الأوائل لوسائل التواصل الاجتماعي. ويوضح أيضًا كيف أنه مع تقدمنا من خلال منحنى تبني التكنولوجيا العنيفة للجهات الفاعلة من غير الدول، يمكن أن يصبح العملاء اللاحقون أكثرَ خطورة مما كان عليه المتبنون الأوائل، حتى لو كانت العناصر التي تستخدمها لاحقًا ليست متساوية من الناحية الموضوعية مع المتبنين الأوائل.
*عين أوروبية: أشارت الكثير من قضايا الإرهاب في بريطانيا، على سبيل المثال، إلى الدور الرئيس الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي. هل هناك مبالغة في جانب التجنيد عبر الإنترنت للجماعات الجهادية؟
-جارتنشتاين: نعم، هناك مبالغة في جانب التجنيد عبر الإنترنت للجماعات الجهادية من قبل بعض المراقبين. ومع ذلك، فلا ينبغي لهذه الحقيقة أن تنتقص من الأهمية العامة للتجنيد عبر الإنترنت. عندما يبالغ الباحثون في أهمية الفضاء الرقمي، على عكس المساحات والشبكات المادية، فمن المحتمل أن يكون السبب الأساس هو أنه من الأسهل عليهم إجراء البحوث في الفضاء الرقمي.
وكما قلت، سواء كان ذلك مبالغًا فيه أم لا، فقد أثبت جانب التجنيد عبر الإنترنت للجماعات الجهادية أيضًا أنه مهم للغاية.
اقرأ أيضًا: داعش يعيد لملمة صفوفه في سوريا والعراق وعبر مواقع الإنترنت
*عين أوروبية: في انفصاله عن تنظيم القاعدة، هل كان داعش أكثر أهمية باعتباره شرخًا في الحركة الجهادية أم أن منهجيته أحيَت حركة متراجعة؟
-جارتنشتاين: يجب النظر إلى انفصال داعش عن القاعدة على أنه شرخ داخل الحركة الجهادية، وليس شيئًا أحيَا حركة متراجعة. لقد حدث هذا الصدع في فبراير 2014، على الرغم من أن التوترات بين القاعدة وداعش كانت تتصاعد منذ فترة طويلة قبل ذلك.
في وقت الانقسام بين القاعدة وداعش، كان واضحًا أن الحركة الجهادية في مرحلة صعود ولم تكن في حالة تراجع. لقد أوجزت بالفعل بعض العواقب العامة للربيع العربي على الحركة الجهادية. بحلول وقت انقسام تنظيم داعش عن القاعدة، كانت هذه العواقب الثانوية واضحة تمامًا:
-شهدت سوريا ظهور الجماعات الجهادية في طليعة القتال ضد نظام الأسد. ووقعت ليبيا في براثن حرب أهلية لم يكن الجهاديون فيها هم اللاعب المهيمن، لكنهم تمكنوا من إيجاد مساحة للعمل. والواقع أنهم في نهاية المطاف سوف يستولون مؤقتًا على مدن مثل سرت ودرنة.
-شهد الجهاديون فترة طويلة من النمو في تونس ومصر. واستطاعوا القيام علنًا بالدعوة في كلا البلدين.
-كان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قد اجتاح شمال مالي بحلول عام 2012. أدّى التدخل العسكري الفرنسي المثير للجدل في عام 2013 إلى إزاحة سيطرة الجماعة، لكنه تسبب في حربٍ مطولة للمتمردين.
وبالتالي، فأرى أنه من الخطأ النظر إلى انقسام داعش والقاعدة على أنه شيء أَحْيَا حركة متراجعة. كانت الحركة في مرحلة نمو وقت الانقسام. لقد رأينا بوضوح بعد الانقسام أن هناك مساحة كبيرة في المشهد لكل من القاعدة وداعش لمواصلة تنفيذ أجنداتهما في الوقت نفسه.

*عين أوروبية: أدخل تنظيم داعش عقائد ومفاهيم جديدة. هل ميزته هذه بشكل جدّي عن تنظيم القاعدة، أم أنها كانت إلى حد كبير استمرارًا للاستراتيجيات الموجودة بالفعل؟
-جارتنشتاين: هذا سؤال وجيه. والإجابة مزيج من كليهما.
يجب أن يُنظر إلى داعش على أنه امتداد لـ “تنظيم الزرقاوي” المرتبط بـ “أبو مصعب الزرقاوي”. اكتسب الزرقاوي، اسمه الحقيقي أحمد فاضل نزال الخلايلة، سمعة دولية سيئة بسبب وحشيته، ونجاحه كزعيم مسلح، في المقام الأول خلال حرب العراق. وهذا ما جعل الزرقاوي أحد أكثر الرجال المطلوبين في العالم، حيث عرضت الحكومة الأمريكية مبلغ المكافأة نفسه لمن يدلي بمعلوماتٍ عن الزرقاوي مثل المبلغ الذي عرضته بشأن أسامة بن لادن.
بايع الزرقاوي أسامة بن لادن علنًا في عام 2004، وأعاد تسمية جماعته تنظيم القاعدة في العراق. وعلى الرغم من قسم البيعة، كان للزرقاوي دائمًا رؤية استراتيجية مختلفة عن القيادة العليا لتنظيم القاعدة. كان الزرقاوي أكثر وحشية وأكثر طائفية بشكلٍ علني، وهما عاملان دفعا إلى توبيخ شهير في عام 2005 من جانب أيمن الظواهري، نائب بن لادن آنذاك، وخليفته كأميرٍ لتنظيم القاعدة، الذي قتل في يوليو 2022.
وإضافة إلى الاختلافات الاستراتيجية بين تنظيم الزرقاوي، والقيادة العليا لتنظيم القاعدة، كان هناك عامل مؤثر آخر شكّل الصراع بينهما تمثل في هزيمة تنظيم الزرقاوي/تنظيم القاعدة في العراق في الفترة 2007-2008. وقد كانت هناك عوامل متعددة وراء هذه الهزيمة. أحدها كان الانتفاضة القبلية السنية ضد تنظيم القاعدة في العراق.

فقد رأى العديد من زعماء العشائر السنية أن التنظيم الجهادي وحشي ويتبنى مفاهيم غريبة، ويفرض بالقوة شكلًا قمعيًا من العقيدة الإسلامية، غريبة عن العراق. شكّل هؤلاء القادة حركة الصحوة، التي لعبت دورًا محوريًا في هزيمة تنظيم الزرقاوي خلال هذه الفترة. علاوة على ذلك، أجرت الولايات المتحدة تغييرين رئيسيين على نهجها في العراق ساهما في انتكاسات تنظيم الزرقاوي: زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق، وتغيير طريقة عمل هذه القوات بشكلٍ كبير، حيث تحوّلت إلى مكافحة التمرد الذي يقوم به السكان.
بحلول أواخر عام 2007، كان تراجع حظوظ تنظيم الزرقاوي واضحًا ومرئيًا للولايات المتحدة والجهاديين على حد سواء. بعد ذلك، وعلى الرغم من العديد من عمليات إعادة التسمية، والمحاولات لإخفاء صلاته بتنظيم القاعدة، يبدو أن تنظيم الزرقاوي/داعش ظل جزءًا من تنظيم القاعدة حتى الانقسام الذي حدث في فبراير 2014. لم يكن الانقسام نتاجًا للفشل بل للنجاح: بحلول عام 2014، كانت الحركة الجهادية تشهد نموًا في المسرح العراقي-السوري، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الحرب الأهلية السورية.
كل هذا يفسّر لماذا أقول إن عقائد داعش ومفاهيمه الجديدة ميّزت بشكلٍ واضح التنظيم عن القاعدة، وأن هذه العقائد والمفاهيم كانت إلى حد كبير استمرارًا للاستراتيجيات القائمة بالفعل. عندما انقسمت القاعدة وداعش، كان نهج داعش مختلفًا تمامًا عن نهج تنظيم القاعدة، الذي تحرّك في اتجاه وحشية أقل علنية في أعقاب هزيمة 2007-2008 في العراق كما ذكرنا.
في المقابل، كان تنظيم داعش مصرًا على مواصلة وحشيته أو حتى زيادتها. وبالتالي، في حين أن نهجه كان يتناقض مع نهج قيادة القاعدة، ولكنه كان يتسق مع النهج القائم مسبقًا لتنظيم الزرقاوي. وفي هذا الصدد، يشير أحدث تقرير للأمم المتحدة، يبحث داعش والقاعدة، إلى أن أساليب القاعدة هي الأكثر فعالية بين الاثنين بمرور الوقت.
اقرأ أيضًا: الانسحاب الغربي يساعد على عودة داعش
*عين أوروبية: من خلال إقامة خلافة في سوريا والعراق، هل وضع داعش الأساسَ لحركة جديدة من خلال إظهار أن الخلافة ممكنة، أم أنه أثبت صواب رأي تنظيم القاعدة من خلال إظهار أن “استراتيجية الخلافة الآن” كانت فشلًا ذريعًا؟
-جارتنشتاين: كلاهما. كما أسلفت القول، استمد تنظيما داعش والقاعدة دروسًا مختلفة جدًا من هزيمة تنظيم الزرقاوي في الفترة 2007-2008. كما أنهما تعلّما دروسًا مختلفة من محاولة داعش إقامة خلافة في سوريا.
وإذا نحيّنا جانبًا التصورات المختلفة للجماعات، أود القول إن محاولة داعش إقامة خلافة أظهرت بموضوعية أن الدولة الجهادية، حتى مع قتال العالم بأسره لها، يمكن أن تستمر لفترة أطول بكثير مما توقعه العديدُ من المراقبين الخارجيين، بمن فيهم أنا.
ولكن من ناحيةٍ أخرى، أظهرت محاولات داعش لإقامة خلافة أيضًا أن استراتيجية التنظيم، المتمثلة في مواجهة أعداء جدد باستمرار، وخوض حرب مع الجميع في وقت واحد، ليست مستدامة بخلاف استراتيجية تنظيم القاعدة في بناء التحالفات.

*عين أوروبية: على الرغم من هزيمة “خلافته” وتدميرها، هل سيتمكن داعش من التعافي أم أنه أُصيب في مقتل؟
-جارتنشتاين: يبدو أن داعش بدأ يتعافى بالفعل. إذ أن هناك إشارات متباينة بشأن أدائه في مسرح العمليات في العراق/سوريا، لكنني أود أن أقول إن المؤشرات بشكل عام -على الرغم من أنها قد تكون موضع خلاف- تشير إلى أن التنظيم يتعافى في ذلك المسرح.
ومع ذلك، فإن مجال النمو الرئيس لداعش كان في إفريقيا. فلقد تمكّن داعش، من بين أمورٍ أخرى، من فتح جبهات قتال جديدة في دول لم تكن تعتبر في السابق بؤرًا للجهاديين. ولعل الوضع في شمال موزمبيق يجسّد هذه الدينامية.
اقرأ أيضًا: من سيخلف قادة داعش المقتولين؟
*عين أوروبية: في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعودة حكم طالبان، أضحت الولايات المتحدة تواجه تهديدات إرهابية متجددة. ذلك أن قوة كل من القاعدة وولاية خراسان-داعش في تنامٍ ويمكن أن يشكلا تهديدًا كبيرًا خارج أفغانستان. هل ناقشت هذه المسألة في كتابك؟
-جارتنشتاين: نعم، لدينا فصل طويل يناقش كيف استطاع تنظيم القاعدة الصمود بعد عقدين من الجهود الغربية لمكافحة الإرهاب والتمرد في أفغانستان. في الأساس، استخدم تنظيم القاعدة سياسة النَفَس الطويل. كما أنه قلّل في كثيرٍ من الأحيان من وجوده في أفغانستان.
وهناك العديد من الأسباب التي دفعته إلى القيام بذلك، لعل أبرزها تجنّب إعطاء زخم للاعتراضات التي تقول إن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان من شأنه أن يجلب تحديات كبيرة لمكافحة الإرهاب. تنظيم داعش- خراسان، بشكلٍ عام، أضعف بكثير من طالبان. ومع ذلك، فقد تكون ولاية خراسان أكثر عزمًا على تنفيذ عمليات خارجية في الوقت الحاضر من تنظيم القاعدة.
عين أوروبية: شكرًا لكم على هذه المقابلة القيّمة!
المصدر: عين أوروبية على التطرف