الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربيةمقالات

جو بايدن والشرق الأوسط الجديد

كيوبوست

دينيس ساموت♦

يقوم الرئيس الأمريكي جو بايدن، هذا الأسبوع، بأول زيارة له للشرق الأوسط منذ توليه منصبه. ستشمل هذه الزيارة دولتَين فقط؛ هما إسرائيل والمملكة العربية السعودية، اللتان تمثلان أفضل المصالح الأمريكية الجوهرية في المنطقة منذ عقود من الزمن.

قبل أيام قليلة، أوضح بايدن، في مقال له نشرته صحيفة “ذا واشنطن بوست”، أهداف زيارته؛ فالمصالح الأمريكية في المنطقة معروفة للجميع، وتتمثل في أمن إسرائيل، واستقرار أسعار النفط وأمن المنطقة بشكل عام. ولكن المقاربة التي يجب انتهاجها لضمان هذه المصالح قد تغيرت بشكل كبير.

اقرأ أيضًا: لماذا سأزور المملكة العربية السعودية؟

منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 كانت الولايات المتحدة تقف إلى جانبها في جميع الصراعات التي دارت في الشرق الأوسط. ولم يجرؤ أي رئيس أمريكي حتى على الابتعاد قليلاً عن هذه السياسة بأي شكل من الأشكال. ونتيجة لذلك كان دعم إسرائيل هو ما يرسم معالم علاقات الولايات المتحدة مع دول العالم العربي المجاورة. وقد مرت هذه العلاقات على مدى الأعوام السبعين الماضية بالعديد من التقلبات؛ ولكن الاستثناء الوحيد كان شعور الولايات المتحدة بأن لها علاقة خاصة مع المملكة العربية السعودية. وقد بدأت هذه العلاقة كعلاقة تجارية مرتبطة بشكل أساسي بموارد الطاقة السعودية؛ ولكنها سرعان ما توسعت لتشمل الجوانب السياسية والأمنية. وقد تجاوزت هذه العلاقة العديد من الاختبارات التي ربما كان أخطرها هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي خطط لها ونفذها متطرفون سعوديون. لطالما كان الدعم الأمريكي للمملكة ثابتاً وتبادلياً في الوقت نفسه. السعوديون ضمنوا تدفق النفط إلى العالم بأسعار معقولة، وفي المقابل ضمنَ الأمريكيون أمن المملكة؛ ولكن لم يكن ذلك دون مقابل، فعلى مدى عقود أنفقت المملكة مليارات ومليارات الدولارات على شراء الأسلحة والخبرات العسكرية الأمريكية، التي كانت بحاجة إلى بعضها فقط وليس كلها. وهذه العلاقة بين زعيمة العالم الديمقراطي بقيمه الليبرالية، ومنبت الإسلام، المملكة الصحراوية التي يحكمها نظام ملكي، لم تكن تخلو من الغرابة؛ ولكنها استمرت لأنها كانت تخدم كلا الطرفَين. كان الرؤساء الأمريكيون يرحبون باحترام خصوصيات المملكة، وأصبح الحكام السعوديون بارعين في التكيف مع خصوصيات الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين بفترات حكمهم القصيرة، وأحياناً متطلباتهم الضيقة التي يجب إشباعها من خلال صفقات أسلحة إضافية.

الملك سلمان مع جو بايدن- أرشيف

قبل عامَين تعرَّضت هذه العلاقة الحميمة إلى هزة؛ فقد مرت كل من المملكة والولايات المتحدة بأوقات صعبة على الصعيد الداخلي، حيث أدت سياسة حافة الهاوية التي اتبعها الرئيس السابق ترامب، إلى وصول النظام السياسي الأمريكي إلى نقطة الأزمة، في حين كان ولي العهد السعودي يقود تغييرات داخلية في بلاده اعتقد كثيرون أنها سوف تستغرق عقوداً إن لم تكن قروناً لتُكتمل؛ ولكن هذا الأمر كان له ثمنه أيضاً. وقد زادت العلاقة الشخصية الدافئة بين الرجلَين من تعقيد الأمور. ولا شك أن وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض مثَّل لحظة اختبار للعلاقات بين الدولتَين.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – أرشيف

حاول بايدن أن يغير نمط العلاقة من علاقة مصالح متبادلة إلى علاقة معيارية، وقد فعل ذلك بطريقة خرقاء وساذجة إلى حد بعيد؛ حيث اعتُبرت المصالح الأمريكية في المملكة غير ذات مغزى بالمقارنة مع تحول اهتمام الولايات المتحدة نحو وسط آسيا والمحيط الهادي. كان ذلك خطأ كبيراً؛ لأن القيادة السعودية لأسواق النفط تحظى بأهمية فائقة في هذه الأوقات العصيبة، وزيارة بايدن للمملكة تثبت ذلك. ولكن هذا لا يعني أن بايدن أو أي زعيم غربي آخر سيكون قادراً على تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان عندما تقع مثل هذه الانتهاكات. الرأي العام في بلدانهم لن يسمح لهم بذلك، وهذا ما يجعل حقوق الإنسان عاملاً مهماً في هذه المعادلة. وفي الأسبوع الماضي، أقرت السعودية نظام/ قانون العقوبات، والذي بعد إقراره سيضع حداً لاجتهادات المحاكم والقضاة وعدم معرفة مصير بعض الجرائم؛ لعدم وجود قانون واحد رئيسي يرجع إليه الكافة، وعلى الأخص ما له علاقة بالحريات الشخصية والاجتماعية.

ولهذه الأسباب سبقت زيارة بايدن أشهر من المفاوضات وراء الكواليس بين المسؤولين الأمريكيين والسعوديين. وبعد أن تم إنجاز كل المفاوضات الصعبة تأتي هذه الزيارة الرمزية من أجل إبرام الصفقات التي تم التوافق عليها وللتأكيد أن كلا الجانبَين لا يزال يحتاج إلى الآخر.

اقرأ أيضاً: بايدن كان دائماً بحاجة إلى المملكة العربية السعودية

ولكن للمضي قدماً في المستقبل، لا بد للطرفَين من إدارة كل من علاقاتهما الثنائية والنتائج المرجوة بشكل أفضل؛ فحتى العلاقة القائمة على تبادل المصالح يجب أن تكون قائمة على قواعد متينة وليس على عوامل وجماعات الضغط أو على ليّ الأذرع من وراء الكواليس. وباختصار، يجب أن تكون العلاقة أكثر احترافية والأهم من ذلك أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل.              

وهذا أمر ضروري؛ لأن التحديات المقبلة هائلة. وفي الوقت الراهن يوحد التهديد الإيراني -ولو ظاهرياً- اثنتَين من دول الشرق الأوسط ذات الأهمية الجوهرية للولايات المتحدة، إسرائيل والمملكة العربية السعودية. والدول الثلاث ترى في إيران قوة خطيرة ومزعزعة للاستقرار، وتخشى من تحولها إلى قوة نووية. السعودية تخوض بالفعل حرباً بالوكالة مع إيران في اليمن. والآن يحتدم الجدل حول ما إذا كان ينبغي إشراك إيران أم احتواؤها أم مواجهتها. ومن المؤكد أن تهيمن هذه المسألة على المحادثات هذا الأسبوع بين القيادة الأمريكية ونظيرتَيها السعودية والإسرائيلية. وهذه الدول الثلاث تحتاج إلى أن تتحلى بالمرونة في مقاربتها للمسألة الإيرانية، كما ينبغي لها تجنب سياسة حافة الهاوية والمغامرة؛ لأن الحرب المفتوحة مع إيران ستكون كارثية على منطقة الشرق الأوسط برمتها.

الحرس الثوري الإيراني يهدد المنطقة- أرشيف

ومع ذلك، فهنالك عامل جوهري لا بد من أخذه بعين الاعتبار؛ فالتهديد الإيراني آخذ في التطور، وإيران تقترب بشكل متسارع من روسيا والصين. ومع دخولنا في مرحلة استقطاب عالمي حاد، ستصبح هذه العلاقة أوثق. ويضع الرئيس بايدن على رأس جدول أولوياته في زيارته إلى إسرائيل والمملكة العربية السعودية، هذا الأسبوع، النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط. وقد تعاملت إسرائيل والعديد من دول الخليج علانيةً مع الروس في السنوات الأخيرة، ورحبت بحرارة بالإيماءات الصينية. وهذه العلاقات لن تختفي بين ليلة وضحاها؛ ولكن بايدن يأمل أن يأخذ بعض التطمينات بشأن حدودها قبل أن يغادر المنطقة.

وتبقى قضية الأمن في قلب العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة التي تبحر في مياه مجهولة. والتطبيع الأخير لعلاقات بعض دول المنطقة مع إسرائيل -الذي أصبح رسمياً مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، والقائم ولكن بشكل غير رسمي مع العديد من الدول الأخرى- يفتح آفاقاً جديدة لبنية أمنية جديدة في الشرق الأوسط؛ ربما لن يكون شبيهاً بحلف شمال الأطلسي كما يقترح البعض. لقد صمد حلف الناتو لأكثر من سبعين عاماً؛ لأنه منظومة من القيم تم اختبارها بجدية في مناسبات عديدة، وليس مجرد تحالف عسكري ملائم لأطرافه. وهو تحالف قائم على أُسس قوية مكنته من الاستمرار لفترة طويلة ومن حشد قواه بسرعة عند الضرورة، كما رأينا في الأشهر الأخيرة إبان الغزو الروسي لأوكرانيا.  وعلى الرغم من وجود منصة أمنية إقليمية في الخليج/ الشرق الأوسط من نوع ما، والتي يمكن للولايات المتحدة وغيرها المشاركة فيها مباشرة أو بشكل غير مباشر؛ فيبدو أن هذا الأمر قد أصبح قيد الدراسة بشكل جاد، ويأمل بايدن في أن يعطي بعض المؤشرات بهذا الشأن خلال زيارته.

مراسم توقيع اتفاقية السلام التاريخية بين الإمارات وإسرائيل – وكالات

وبشكل عام، وعلى الرغم من البداية المتعثرة، تستطيع إدارة بايدن أن تترك بصماتها على الشرق الأوسط من خلال إقامة علاقاتها على أُسس أقوى وأكثر استدامة. ولكنَّ هنالك قضيتَين غير مكتملتَين حتى الآن قد تفسدان هذا التوجه؛ اليمن وفلسطين.

اقرأ أيضاً: “نيويورك تايمز”: زيارة بايدن إلى السعودية انتصار للواقعية السياسية

فالحرب في اليمن خلفت أكبر أزمة إنسانية في عصرنا. ويبدو أن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أبريل ما زال صامداً، وأصبح الوقت ملائماً للانتقال إلى مفاوضات سلام حقيقية. وينبغي للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تنسيق مواقفهما وإعطاء عملية السلام دفعة إلى الأمام. وعلى المدى القصير سيتعين على بايدن طمأنة السعوديين بأن التهديدات من وكلاء إيران في اليمن سوف يتم التعامل معها بالشكل المناسب. إن خطة طموحة لإخراج اليمن من بؤسه الحالي هي أمر ضروري؛ ولكن تحقيق السلام يجب أن يأتي أولاً.

وأخيراً، فلسطين.. ما دام لم يتم التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية؛ فإن الكثير من الرؤى المستقبلية الخاصة بالشرق الأوسط سوف تبقى حبراً على ورق ومجرد أمنيات. ولا يبدو أن إدارة بايدن لديها الرغبة أو القدرة على التعاطي مع هذه المسألة بطريقة فعالة. ولذلك فهي ستكتفي بالمراقبة، وسيبقى العبء على إسرائيل -التي تمتلك معظم الأوراق- لاتخاذ خيار استراتيجي، ويجب على أصدقائها العرب تشجيعها؛ فالشرق الأوسط الجديد دون حل للقضية الفلسطينية هو ضرب من الخيال.

لقراءة الأصل الإنكليزي: the NEW MIDDLE EAST

♦مدير مركز LINKS Europe في لاهاي. يكتب بانتظام في شؤون الأمن الأوروبي والعلاقات الخليجية والعلاقة بين الاتحاد الأوروبي وجيرانه. [email protected]

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة