الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
جماعة “الإخوان” وبريطانيا: علاقات ملتبسة ومصالح متبادلة
بريطانيا وجماعات الإسلام السياسي: إلى أين تسير العلاقة الغامضة؟

كيو بوست – مصطفى أبو عمشة
يعود تاريخ العلاقات الملتبسة بين بريطانيا والإخوان، إلى أيام نشأة الجماعة في أواخر عشرينيات القرن المنصرم، تحديدًا عام 1928.
وتعتبر بريطانيا الملاذ الأول الآمن لقادة الجماعة وعناصرها في ظل ما يوفره القانون البريطاني من ضمانات للاجئين، علاوة على المزايا المالية التي يحصلون عليها بموجب ما توفره الحكومة البريطانية من مسكن ورواتب شهرية لكل لاجئ، الأمر الذي يشجع الكثيرين من قادتها وأعضائها على اللجوء إليها، خصوصًا في ظل تزايد التوترات السياسية والأمنية في العالم العربي، وفشل مشاريع “الإسلام السياسي” بعد ما يسمى بـ”ربيع الثورات العربية”.
اقرأ أيضًا: علاقة تاريخية متينة بين الإخوان المسلمين وبريطانيا، قد تنتهي قريبًا لهذه الأسباب!
واجهات ومؤسسات إخوانية في الصدارة
تعمل الكثير من المؤسسات والشركات والواجهات “الإخوانية” بشكل علني في بريطانيا، إذ أن هناك شبكة من 39 مؤسسة إعلامية أو حقوقية تروّج لفكر “الإخوان” في المملكة المتحدة، وتموّل قطر غالبيتها العظمى، بحسب ما يورد الكاتب والإعلامي ضرار بالهول.
وتعد “المنظمة الإسلامية للإغاثة” إحدى المؤسسات الإخوانية البارزة في بريطانيا، بالإضافة إلى “منتدى الشباب المسلم في أوروبا”، ومؤسسة “قرطبة للحوار العربي الأوروبي”، التي يديرها “الإخواني” العراقي أنس التكريتي. إضافة إلى ذلك، فإنّ “الرابطة الإسلامية في بريطانيا MAB” هي واحدة من أبرز الواجهات الإخوانية المهمة، التي تشترك في الكثير من أعمالها مع واجهات “إسلامية” أخرى.
ومن هنا، فإنّ تساؤلات عديدة تثار حول أهداف بريطانيا من احتضان الإخوان، وطبيعة العلاقة بين الطرفين، وحول إمكانية أن يستمر الاحتضان السياسي لها في ظل تزايد تصنيفها عربيًا على أنّها “إرهابية”.
علاقات ملتبسة ونفعية
يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية د. مصطفى أمين بأنّ علاقة جماعة “الإخوان” وبريطانيا هي علاقة ملتبسة وقديمة تعود لأيام مؤسس الجماعة، مرشدها الأول، حسن البنا، الذي كان قد تلقى دعمًا ماليًا عند تأسيس الجماعة من شركة قناة السويس، التي كانت –في حينه- عبارة عن خليط من الفرنسيين والإنجليز والأمريكيين، مشيرًا إلى أنّ دعوة الجماعة نشأت داخل “الكمبات” البريطانية.
كما أن الأراضي البريطانية تحتضن أكبر رؤوس أموال الجماعة، على رأسهم إخوان مصر وسوريا والأردن واليمن والعراق، إذ تسعى الجماعة عبر هؤلاء إلى توفير الغطاء القانوني لضمان عدم إثارة حفيظة الحكومة البريطانية.
اقرأ أيضًا: كتاب مترجم: هكذا جنّدت المخابرات البريطانية جماعات الإسلام السياسي
ويضيف أمين قائلًا: “تختلف معايير التصنيف بالإرهاب من قبل الغرب في طبيعتها عما هي عليه في العالم العربي، إذ تعتبر بريطانيا أنّ أي حراك أو نشاط سياسي لا يعد عملًا إرهابيًا، الأمر الذي يعقّد من طبيعة العلاقة بين الطرفين، مشيرًا إلى أنّ بريطانيا ليس لديها الرغبة -عبر حكوماتها المتعاقبة وأحزابها السياسية المختلفة- في محاربة الإخوان أو تصنيفهم في قائمة الإرهاب”.
من جانبه، يرى د. لورينز فيدينو، مدير برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن بأن نهج بريطانيا تجاه الإخوان “محايد إلى حد ما”؛ فلا هو داعم، ولا هو معارض لعملهم. كما أن البريطانيين يريدون تحقيق توازن بين الداخل والضغوط الخارجية، وهذا يعني في الغالب قطر، التي لها وجود وتأثير كبير في المملكة المتحدة، مضيفًا: “لكنني أقول إن الأمور أفضل من 10 سنوات مضت، أو عندما وصل مرسي إلى السلطة”.
احتمالية تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية في بريطانيا
في عام 2014، أصدرت الحكومة البريطانية تقريرًا خاصًا بتقييم وضع الإخوان في بريطانيا، ومن أبرز ما جاء فيه أن جماعة الإخوان المسلمين هي منظمة إشكالية للغاية، ما زالت تمارس العنف، لكن من الصعب تحديدها كمنظمة إرهابية بموجب القانون البريطاني.
وبحسب د. فيدينو، فإن سببين وراء عدم تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كإرهابية في بريطانيا:
1) حكومة تيريزا ماي لا تشعر بخطورة جماعة الإخوان المسلمين، كما كان يفعل سلفها ديفيد كاميرون، الذي اعتقد بعمق أكثر أن الإسلاموية كانت مشكلة.
2) من وجهة نظر قانونية، من الصعب على البريطانيين القيام بأشياء معينة، مثل تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، لكن هذا لا يعني أنهم لن يتخذوا إجراءات شديدة تجاه الإخوان، فالبريطانيون يتحملون وجود العديد من قادة جماعة الإخوان المسلمين، والمنظمات، والجمعيات الخيرية، والأعمال التجارية على أرضهم.
اقرأ أيضًا: في برغماتية الإخوان المسلمين: هكذا تبدل جلدهم أكثر من مرة!
وحول إمكانية اتخاد بريطانيا إجراءات معينة ضد قيادات أو مؤسسات إخوانية في بريطانية، يجيب فيدينو قائلًا: “من الممكن أن تتخذ الحكومة البريطانية إجراءات على بعض الأفراد أو بعض الجمعيات الخيرية، في حال خرقوا القانون؛ أي أنها قد تكون إجراءات ضد أفراد أو جمعيات محددة”، معتبرًا أن الحديث عن إخوان بريطانيا، ليس قضية رئيسة في النقاشات البارزة في المملكة المتحدة الآن.
خدمات ودعم لوجيستي لبريطانيا
يعتبر الباحث مصطفى أمين أن العلاقات بين الطرفين تتراوح بين الفتور والانتعاش؛ فبريطانيا أول دولة غربية فتحت أبوابها للجماعة في عهد الرئيس عبد الناصر. وبدأت هذه العلاقة المتبادلة-النفعية تقوى حتى ثورة 25 يناير/كانون الثاني، إذ راهنت لندن على صعود ظاهرة “الإسلام السياسي”، وهذا ما انعكس بالسلب على طبيعة العلاقات البريطانية-المصرية، لكن لندن بدأت تدرك مؤخرًا بأنّ هناك متغيرات جديدة تحصل في المنطقة، تتمثل في تراجع مشروع “الإسلام السياسي”، الأمر الذي سيؤثر على مستقبل علاقاتها بـ”الإخوان”.
ويرى الصحفي المصري المقيم بلندن خالد البري، بأنّ جماعة “الإخوان” في الفترة الأخيرة تعرضت لتمحيص أكثر، لتزايد الأصوات بتنصيفها كـ”إرهابية”، بالإضافة إلى تعرضها لسلسلة ضغوطات إعلامية تؤكد صلتها بالإرهاب، مشيرًا إلى أنّ أحد الأسباب الرئيسة في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو تدفق اللاجئين إليها، الأمر الذي زاد من مخاطر تعرضها للإرهاب.
وحول المغزى الحقيقي الذي يجعل بريطانيا تحتضن “الإخوان”، يذهب البري إلى موافقة أمين في أنّ الإخوان يوفرون خدمات نفعية للحكومة البريطانية، كأن يقدموا أنفسهم على أنّهم الوسيط بينها وبين الجماعات الإسلامية الأخرى، وأنّهم قادرون على التهدئة والإثارة في الوقت نفسه، مشيرًا إلى أنّ الإخواني أنس التكريتي كان قد قدم نفسه كوسيط للإفراج عن الرهائن الأجانب بالعراق.
اقرأ أيضًا: الدعم القطري والتركي للإخوان يعزز من الانقسامات في المجتمعات الإسلامية
وهذا يحمل -بحسب البري- رسائل مبطنة من “الإخوان” للحكومة البريطانية بأننا –كإخوان- نستطيع التحدث بالنيابة عنكم وحمل مطالبكم للجماعات المتطرفة. إضافة إلى ذلك، فإنّ بريطانيا تستفيد من الجماعة كورقة ضغط على حكومات المنطقة، أو كـ”العصا الغليظة” التي ترفعها متى شاءت.
وحول مستقبل علاقة الجماعة ببريطانيا، يرى البري بأنها تعتمد على مستقبل “الإخوان” في الشرق الأوسط، مؤكدًا بأنّ استمرار الضغط عليها ومحاصرتها عربيًا سينعكسان على وضعها في بريطانيا، إذ لن يصبح لها قيمة حقيقية مع مرور الوقت، بعد أن كانت تسوّق نفسها على أنّها جماعة تقدم خدمات نفعية.
مستقبل علاقة بريطانيا بجماعات “الإسلام السياسي”
يتوقع الخبير في شؤون الحركات الإسلامية د. خالد الزعفراني بأنّ الاحتضان السياسي البريطاني لجميع فصائل تنظيمات “الإسلام السياسي”، على رأسهم “الإخوان”، سيستمر، لأنّ هذه سياسة إستراتيجية لها منذ الثورة العربية الكبرى بزعامة الشريف حسين، وهذا ما حدث بالفعل أيضًا مع الثورة “المهدية” في السودان وغيرها.
ويشير الزعفراني إلى أنّ بريطانيا تتبنى كل فصائل “الإسلام السياسي” لتوجهها وتخترقها وتحقق من خلالها مصالحها في المنطقة، مشددًا على أنّ اختراق تلك التنظيمات يهدف بالدرجة الأولى إلى الضغط على دولها، لتتعرف من خلالها على أخبارها وأسرارها، وليسهّل من المهام السياسية والاستخبارية لبريطانيا.
وحول كيفية تعاطي السعودية والإمارات ومصر مع مثل هذا الملف في ظل ما تربطها من علاقات قوية مع بريطانيا، يؤكدّ الزعفراني على أهمية ممارسة الضغط السياسي عليها عبر بوابة المصالح لتحد من نشاط “الإخوان” على أرضها، كما يحث على أن تتواصل تلك الدول مع صناع القرار فيها لبيان خطورة تلك الجماعات على مصالحها، ولتؤكدّ زيف ادعاءاتها بأنّها معتدلة، الأمر الذي سيسهم -بحسب الزعفراني- في تقويضها وإضعافها، مشددًا على أنّ ذلك يتحقق عبر قوة الضغط بالمصالح والنشاط المكثف أمام دوائر صنع القرار، إذ أنّ هذه الخطوة ستساهم في إضعاف “الإخوان” والتقليل من تأثيرهم داخليًا وخارجيًا.
وأيًا يكن الأمر، فإنّ من الصعب التكهن بطبيعة الهدف الذي تسعى بريطانيا من خلاله إلى توظيف هذه الجماعات لتحقيق أهدافها المرحلية والإستراتيجية. وحتى وإن اعتقدت هذه الجماعات أنّه لا بأس من تقوية أواصر هذه العلاقات، وفتح قنوات تواصل مع الغرب، لأجل الوصول إلى مراميها السياسية وتحقيق مصالحها الأيديولوجية، فهي لم تعد تجد حرجًا في التعاطي مع مثل هذا الأمر سيرًا على النظرية الميكافيلية بأنّ “الغاية تبرر الوسيلة”.
حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا