الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

جغرافيا سياسية جديدة: كيف توسّع روسيا نفوذها العسكريّ إلى لبنان؟

روسيا نحو ترسيخ نفوذها في المنطقة العربية!

ترجمة كيو بوست –

نشرت مجلة “غلوبال سيرتش” الكندية مقالة تتحدث فيها عن بروز جغرافيا سياسية جديدة في الشرق الأوسط، تنطوي على دخول روسيا في “تحالف” اقتصادي عسكري مع لبنان، في خضم النزاعات الإسرائيلية اللبنانية على حقول الغاز والنفط الواقعة بين البلدين. ويعتقد المؤلف والكاتب الأمريكي البارز “ويليام إنغهدل” أن موسكو تقود “لعبة شطرنج” سياسية بشكل فعال، تُحرّك فيها الأتراك والإيرانيين والسوريين واللبنانيين، فضلًا عن “تقييد” الإسرائيليين على طاولة اللعبة.

 

تتكشف معالم التحول الجيوسياسي مع انضمام العديد من الأطراف التي تصارع من أجل الاستحواذ على الموارد الطبيعية. ومن الواضح أن حرب الطاقة المقبلة ستتمحور في لبنان على وجه التحديد؛ إذ يتركز النزاع الجديد بين إسرائيل ولبنان حول الترسيم الدقيق للمنطقة الاقتصادية الفاصلة بين البلدين، التي تنطوي على موارد هيدروكربونية غنية جدًا – النفط والغاز.

وتتضح المعادلة شيئًا فشيئًا مع وجود جهات فاعلة رئيسة تضم الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية، وحزب الله، وسوريا، وروسيا، وربما الولايات المتحدة في المنظور القريب. وكان الشلل السياسي داخل لبنان، والحرب في سوريا قد منعا لبنان من البحث بنشاط عن الغاز والنفط في حدود شواطئها الاقتصادية، إلا أن ذلك تغير بشكل جذريّ بعد تدخّل روسيا وانخراطها في لبنان بشكلٍ جريء.

 

شراكةٌ اقتصادية واسعة

احتفلت بيروت في التاسع من شباط/فبراير بقيام الرئيس اللبناني ميشيل عون بتوقيع اتفاقية مع شركة نوفاتيك الروسية، للتنقيب عن النفط والغاز في القطاع البحري اللبناني، الأمر الذي استدعى هجومًا حادًا من وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الذي وصف الاتفاقية بـ”الاستفزازية للغاية”، مشددًا على أن حقول الغاز تتبع لإسرائيل وحدها فحسب.

وبرغم الاحتجاجات الإسرائيلية والتهديدات التي أطلقها ليبرمان، تواصل شركة نوفاتيك الروسية، المقربة من فلاديمير بوتين، خطواتها قدمًا للبدء في الحفر في “الكتلة 4″ المتنازع عليها، و”الكتلة 9” الواقعة في منطقة ضمن مطالبات إسرائيل، على بعد 15 ميلًا بحريًا من المنطقة المتنازع عليها.

 

تعاونٌ عسكريٌّ عميق

وبعد الترحيب اللبناني بالمشاركة الروسية الاقتصادية الضخمة على شواطئ بيروت، أذنت موسكو لوزارة الدفاع الروسية بالإعداد لمعاهدة تعاونٍ عسكريّ تتضمن “إطارًا شاملًا للتنسيق” مع الجيش اللبنانيّ. ووفقًا لمصادر رفيعة المستوى، فإن المعاهدة تشمل مناورات عسكرية مشتركة مكثفة، مقابل السماح باستخدام الموانئ والمطارات والقواعد الجوية اللبنانية من قبل الجيش الروسيّ.

كما ويشمل “التعاون العسكريّ الروسيّ اللبناني” تبادلًا للمعلومات حول الوسائل الدفاعية، وتعزيز القدرات الأمنية اللبنانية؛ بما في ذلك تدريب الكوادر والقوات المسلحة، فضلًا عن تبادل الخبرات في مجال تكنولوجيا المعلومات، وإنشاء آليات للتعاون بين الجيشين.

وتعمل روسيا على غلغلة وجودها العسكري في لبنان من أجل استكمال حلقة النفوذ التي بدأتها بقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، والقاعدة البحرية في طرطوس، فضلًا عن التعاون غير الخفيّ مع الإيرانيين والأتراك. ومن الواضح أن التحالف الناشئ بين موسكو وبيروت لا يروق أبدًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ وهذا ما يفسر الهجمات الإسرائيلية المأساوية الأخيرة التي تعززت في العاشر من شباط/فبراير داخل المجال الجوي السوري. وعلى ما يبدو، فإن النشاط الإسرائيلي العسكري الأخير يعبّر عن قرار إسرائيلي استباقي لعرقلة الأمر الواقع؛ الذي سيثمر عن تعزيز خطوط الإمداد الإيرانية السورية إلى حزب الله.

وليس من قبيل الصدفة أن صبّ الرئيس فلاديمير بوتين جام غضبه على بنيامين نتنياهو الأربعاء 14/2/2018، عبر مكالمة هاتفية، يطالبه فيها بإيقاف الهجوم الإسرائيلي على سوريا، وهو ما أكدته قناة CNN الأمريكية في تقرير لها. ووفقًا للقناة الأمريكية، فإن اتصالًا غاضبًا من بوتين أدى إلى إيقاف الهجوم الإسرائيلي على سوريا مطلع هذا الأسبوع.

وقال الكاتب والباحث الإسرائيلي، رونان بيرغمان، للقناة الأمريكية إن “العملية الإسرائيلية توقفت برمتها بعد اتصال بوتين الغاضب، ما دفع نتنياهو إلى توجيه الأوامر للجيش من أجل وقف الهجوم وإلغاء خطة توجيه الضربات القاسية لسوريا”. واعتبر بيرغمان أن ذلك “يُظهر من هو السيد الحقيقي في الشرق الأوسط؛ روسيا وليس أمريكا”.

وتشير المعطيات السياسية الأخيرة إلى أن روسيا ركزت في الآونة الأخيرة على مدّ نفوذها في الشرق الأوسط ليشمل الأراضي اللبنانية بشكلٍ فعليّ، وهذا ما شددت عليه مجلة “ميدل إيست مونيتور” البريطانية، إذ عنونت تقريرها الأسبوع المنصرم بـ”الأساطيل الروسية تسيطر على موانئ لبنان”. ووفقًا لها، فإن مسؤولي وزارة الدفاع الروسية يعملون بشكل متواصل مع نظرائهم اللبنانيين لصياغة معالم التعاون العسكري المعمق بين الجانبين. وأضافت المجلة أن “مسودة الاتفاقية تنص على فتح الموانئ اللبنانية أمام السفن الحربية الروسية والأسطول العسكري الروسي، بالإضافة إلى جعل المطارات اللبنانية محطة عبور للطائرات والمقاتلين الروس، مقابل قيام الخبراء العسكريين الروس بتدريب وتقوية عناصر الجيش اللبناني”.

من الواضح أن روسيا تتجه بثبات نحو إقامة دورٍ دائمٍ لها في المنطقة المتقلبة، للعب دور الملك الوسيط صانع السلام، في ظل تضائل مصداقية واشنطن التي لم تفِ بوعودها الكثيرة إلى هذه اللحظة. وبالتأكيد، فإن إقدام روسيا على الشراكة الاقتصادية مع لبنان، وتوسيع نفوذها العسكري إلى الأراضي اللبنانية، لم يكن قرارًا وليد اللحظة، بل هي خطوة واحدة في لعبة شطرنج تقودها موسكو.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة