الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

جذور حزب الله العميقة في فنزويلا: سيناريوهات ما بعد الإطاحة بمادورو

ماذا سيحل بحزب الله في حالة الإطاحة بمادورو؟ وهل ستتواصل نشاطاته غير المشروعة؟

ترجمة كيو بوست عن مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث والتطوير

بقلم المحلل السياسي الأمريكي كولين بي كلارك.

أكدت تقارير في الآونة الأخيرة على وجود مجموعات إرهابية ناشطة على الأراضي الفنزويلية، جميعها ركزت على حزب الله اللبناني بشكل خاص. وبالفعل، تفيد المعلومات بأن حزب الله يمتلك “خلايا نشطة” في فنزويلا، يجري تمويلها وتدريبها وتجهيزها من عملاء إيرانيين. قد تصدم هذه المعلومات بعض المحللين في مجال السياسة الأمنية الدولية، ممن لم يأخذوا بعين الاعتبار نشاطات الحزب اللبناني في القارة الأوسع. في الحقيقة، حافظ حزب الله على وجود دائم له في أمريكا اللاتينية، لا سيما في منطقة الحدود الثلاثية سيئة السمعة، وهي منطقة فوضوية متمردة على القانون، تشكل نقطة تلاق بين الأرجنتين وباراغواي والبرازيل.

اقرأ أيضًا: شبكة تمويل حزب الله في أميركا اللاتينية تحت النار

ولكن حتى خارج منطقة الحدود الثلاثية، فإن حزب الله راسخ جدًا في فنزويلا، إذ عمل منذ فترة طويلة على إنشاء بنية تحتية ضخمة لأنشطته الإجرامية في البلاد، شملت الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والتهريب غير المشروع. وعلى سبيل المثال، تعدّ جزيرة مارغريتا قبالة سواحل فنزويلا مرتعًا إجراميًا معروفًا لدى عناصر حزب الله، يتخذون منه ملاذًا آمنًا ومنطلقًا نحو عمليات تنطوي على نشاطات إجرامية مثل المخدرات وغسيل الأموال. وفي ظل نظام الرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز، اتخذت الحكومة نهجًا أكثر نشاطًا لتوفير ملاذ آمن لعملاء ومناصري حزب الله في فنزويلا.

يعتقد البعض أن تغيير النظام السياسي في فنزويلا سيؤدي إلى طرد جميع عناصر الحزب من البلاد، لكن هنالك أسبابًا وجيهة تدعو آخرين إلى التشكيك في قدرة الدولة على تغيير علاقتها الإشكالية مع المجموعة الشيعية اللبنانية، حتى في ظل حكم رئيس موال لواشنطن.

لدى حزب الله تاريخ طويل وقذر في فنزويلا؛ فقد مارس الكثير من النشاطات الإجرامية على مدار سنين طوال، ويمكننا الاستشهاد ببعضها. في بداية الألفة الثانية، قاد عضو حزب الله “شكري حرب” عصابة لتهريب الكوكايين والمخدرات وغسيل الأموال تحت كنية “طالبان”، وذلك عبر أراضي فنزويلا وبنما، باعتبارهما محورين حيويين في عمليات أسفرت عن نقل كميات كبيرة من المخدرات، من الأراضي الكولومبية تجاه الولايات المتحدة وغربي إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. وقد أشرف “حرب” على غسيل أموال عائدات تهريب الكوكايين إلى عملتي البيزو الكولومبي والبوليفار الفنزويلي، ما منح حزب الله صافي أرباح بنسبة 8% إلى 14%.

اقرأ أيضًا:  لماذا اختار حزب الله منطقة حدودية في أمريكا اللاتينية كمنصة لأنشطته؟

وقد اعتمد حزب الله على المتعاطفين في مجتمعات الشتات من الشيعة، بما في ذلك فنزويلا، من أجل التقليل من مخاطر انكشاف عملياته بشكل كبير. وتفيد معلومات مؤكدة أن ضباط أمن الحدود الفنزويليين ومسؤولي وكالات إنفاذ القانون لم يكونوا راغبين في مقاومة رشاوى حزب الله التي ازدادت في خضم اليأس العام في البلاد. جرى دفع تلك الرشاوى إما عبر أعضاء في حزب الله أو من عملاء لهم يمكثون على الأراضي الفنزويلية.

وبالنظر إلى حالة عدم الاستقرار الحالية في فنزويلا، فمن الطبيعي أن نتساءل عما سيحدث لحزب الله في ظل حكومة يقودها زعيم المعارضة خوان غوايدو، الذي اعترفت بشرعيته كحاكم للبلاد دول عدة، أهمها الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وإسبانيا، وعشرات الدول الأخرى.

من المؤكد أن حكومةً بقيادة غوايدو ستبذل نشاطًا أكبر لمكافحة وجود حزب الله على الأراضي الفنزويلية، ليس من الناحية الظاهرية فحسب، بل من الناحية العملية كذلك، مثل السعي بقوة أكبر لتقويض شبكة الحزب الإجرامية ونشاطاتها غير المشروعة، وبالتالي التأثير في إيران بشكل حتمي. علاوة على ذلك، من المرجح أن تسعى واشنطن إلى الاعتماد على غوايدو لاتخاذ إجراءات صارمة ضد جميع النشاطات المرتبطة بإيران في أنحاء المنطقة المختلفة، وهو شيء متوقع في ظل الدعم الأمريكي غير المحدود له.

ولكن هنالك فرقًا كبيرًا بين الإرادة والقدرة؛ ففي حين أن حكومةً بقيادة غوايدو قد تُظهر في البداية رغبة سياسية قوية لمواجهة حزب الله وإيران، لاسترضاء إدارة ترامب على الأقل، إلا أن فنزويلا كدولة تواجه تحديات هائلة في محاولة إعادة بناء مجتمعها الممزق، وبالتالي قد لا يستطيع غوايدو اتخاذ إجراءات حقيقية ضد الحزب اللبناني كما ترغب واشنطن. وبكلمات أخرى، قد يضطر غوايدو إلى وضع حزب الله على أسفل أولويات حكومته بما يتناقض مع رغبات الولايات المتحدة.

اقرأ أيضًا: كيف سمح أوباما لحزب الله بالتخلص من مأزقه عبر المخدرات؟

إن الطبيعة المهتزة للجيش وأجهزة الأمن الفنزويلية تشير إلى وجود فجوة خطيرة في قدرة الدولة على التعامل مع هكذا تهديدات. ومن الجدير ذكره أن فنزويلا حافظت على روابط وثيقة مع روسيا عسكريًا، وبالتالي من غير المعروف ما هي نسبة قوات الأجهزة الأمنية التي ستبقى موالية للحكومة الجديدة.

هنالك أيضًا قضية إيران. يحظى حزب الله بدعم كامل من النظام الإيراني الذي يوفر له ما يزيد عن 700 مليون دولار سنويًا، وفقًا لبعض التقديرات. أما فنزويلا، فتوفر نقاط دخول إيرانية إلى قارة أمريكا اللاتينية، وهي موطئ قدم لن تتخلى عنها طهران دون خوض معركة حقيقية.

علاوة على ذلك، تحتفظ موسكو بمصالح روسية راسخة في فنزويلا عبر دعمها للرئيس نيكولاس مادورو، وهو ما يحثها على دعم عوامل الصمود للرئيس الفنزويلي. وقد حذرت موسكو الولايات المتحدة مؤخرًا من التدخل عسكريًا في فنزويلا، وهو تطور هام جدًا. علاوة على ذلك، انخرط حزب الله في تعاون وثيق مع روسيا على الأراضي السورية، وهو ما يحث الرئيس بوتين على رؤية الحزب اللبناني بمنظور إيجابي، باعتباره لاعبًا لن يحاول التدخل في محاولات روسيا لتوسيع نفوذها في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

اقرأ أيضًا: القصة الكاملة لمسارات تهريب المخدرات من إفريقيا إلى أوروبا

 

الخلاصة

من شأن الإطاحة بنظام مادورو أن يؤثر سلبًا في نشاطات حزب الله في فنزويلا، لا سيما أن مخالب التنظيم تمتد إلى أعلى مستويات الحكومة الفنزويلية الحالية، عبر شخصيات متعددة، أهمها وزير الصناعات طارق العسيمي، المقرب جدًا من حزب الله.

ومع ذلك، يمتلك حزب الله جذورًا عميقة في فنزويلا، ومن غير المرجح أن يجري طرده من البلاد بشكل كامل، بصرف النظر عن أولويات إدارة ترامب وتحالفها مع حكومة بقيادة غوايدو. إن أفضل سيناريو بالنسبة لواشنطن هو قبول “حكومة غوايدو” بمواجهة حزب الله، شريطة أن تقبل الحكومة الجديدة بالوجود الأمريكي في البلاد لتدريب القوات الفنزويلية على المهارات الضرورية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهذا السيناريو يرتبط بالطبع بتقديم مساعدات أمريكية سخية للبلاد أولًا.

 

المصدر: مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث والتطوير

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة