الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
جدل في فرنسا مع بدء إغلاق مساجد وحل جمعيات متهمة بالتطرف
الخطوة تتزامن مع حملات انتخابية رئاسية يحاول فيها عدد من المرشحين إظهار قبضة حديدية في ملف مكافحة الإرهاب

كيوبوست
بدأت الحكومة الفرنسية إجراءاتٍ تهدف من خلالها إلى إغلاق 6 مساجد وحلّ عددٍ من الجمعيات؛ بسبب ترويجها للإسلام المتطرف، حسب ما أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، في مقابلةٍ مع صحيفة “لوفيغارو”، مؤكداً أن ثُلث أماكن العبادة الـ89، التي يشتبه في أنها متطرفة ومسجلة في قوائم أجهزة الاستخبارات، تمت مراقبتها منذ نوفمبر الماضي.
وقال وزير الداخلية الفرنسي إن الأجهزة الأمنية نفَّذت من 2017 حتى الآن نحو 24 ألف عملية تفتيش و650 عملية إغلاق لأماكن يقصدها متشددون، مشيراً إلى أن من بين الجمعيات التي سيُطلب حلها “دار النشر الإسلامية- نوي” التي تحرِّض على إبادة اليهود، وتفتي برجم المثليين.

مغازلة ناخبي اليمين الفرنسي

يمكن النظر إلى قرار وزير الداخلية باعتباره محاولة لمغازلة الناخبين من اليمين بشكلٍ أساسي، حسب أستاذ العلوم السياسية بمعهد العلوم السياسية في ليون، توفيق برقو، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن القرار يأتي في إطار محاولة إقناع الناخبين بقدرة الحكومة على مواجهة التطرف، والتصدي له عبر إجراءاتٍ رادعة، وباستخدام السلطات التي خوَّلها القانون.
وأضاف أن هذه القرارات تواجه الجماعات ذات الفكر المتطرف فقط، في الوقت الذي لا يواجه فيه أي من الجماعات المعتدلة مشكلاتٍ مع الدولة الفرنسية في ظلِّ تسجيل البيانات الخاصة بالنشاط، والالتزام بالإجراءات القانونية المطبقة في المدن المختلفة، وَفق ما تفرضه القوانين.
يمكن الاحتكام إلى القضاء للاعتراض على أي قراراتٍ صادرة من الحكومة الفرنسية، حسب المفكر الإسلامي وإمام مسجد بوردو الكبير في فرنسا، طارق إبرو، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن الحكومة الحالية مرَّرت قانون مكافحة النزعة الانفصالية، الذي يعطي سلطة أكبر لممثلي الحكومة المحليين؛ لكن في المقابل هناك فرصة للاعتراض على القرارات الإدارية التي تُتخذ منهم أمام القضاء الذي يمكنه إلغاء هذه القرارات.
لكن إبرو يرى أن هناك خطابات دينية يتم استخدامها تسيء إلى الإسلام قبل أن تخلَّ بالنظام العام، وهو أمر يرجعه إلى قدرة أية جمعية على إنشاء مسجد دون أن يكون لديها إمام مسؤول عن الخطاب الديني، الأمر الذي شجع المتطرفين وفي نفس الوقت أخاف الفرنسيين من التطرف، ومن ثمَّ جاءت القوانين وتحركات الحكومة والسياسيين من أجل مواجهة الخوف الذي ظهر لدى المجتمع الفرنسي.
اقرأ أيضًا: في حربها ضد الانفصالية.. فرنسا تغلق 9 مساجد متطرفة في شهر واحد!
يرى طارق إبرو أن المشكلة تكمن في عدم استيعاب ما يجب القيام به بشكل جيد؛ فهناك أعراف بالخطاب الديني يتم استخدامها في المجتمع الفرنسي لا تضع بعين الاعتبار الغرب، وكأن الغرب ليس له تاريخ أو عقلية؛ حيث يفتقد المتحدثون بها حدس المخاطبة، مشيراً إلى أن هناك فتاوى صدرت لا تُقبل حتى في بلاد الإسلام، وتضع المتحدثين بها تحت طائلة القانون.
اقرأ أيضًا: الإسلام السياسي في فرنسا والتوجه نحو الاستثمار في التعليم
وأوضح أن استخدامَ لغة خطاب إسلامي تعزل المسلمين؛ عقدياً ووجدانياً، عن المجتمع من خلال نقل فتوى قديمة واختطاف بعض آيات القرآن والأحاديث من سياقها وتطبيقها بشكلٍ لا يناسب روح الشريعة، أمرٌ يضر بالمسلمين عموماً ليس في فرنسا فقط؛ ولكن في الغرب، كون هذه الفتاوى تُظهر المسلمين متشددين، وتخلق خوفاً لدى المجتمعات الغربية من محاولات أسلمتها؛ الأمر الذي يدفع لتحركاتٍ حكومية وقانونية لمواجهة هذه المخاوف وطمأنة المجتمع.

جمعيات أخرى على طريق الحل
تصريحات وزير الداخلية الفرنسي تضمنت تأكيداً بأن هناك 10 جمعياتٍ أخرى عرضة لإجراءات الحل؛ من بينها أربع جمعيات ابتداءً من الشهر المقبل، في وقتٍ سيدخل فيه قانون مكافحة الانفصالية، الذي يرهن حصول الجمعيات على إعانات حكومية بمدى احترامها القيم الجمهورية، حيز التنفيذ بداية العام المقبل، وهو القانون الذي صوَّت عليه البرلمان الفرنسي بشكلٍ نهائي في يوليو الماضي، بعد جدلٍ استمر أسابيع.
يشرح برقو طرق الاعتراض على مثل هذه القرارات باللجوء إلى المحكمة الإدارية، ثم مجلس الدولة عبر درجتَين من القضاء، في ظلِّ اعتبار قرارات الغلق لأية منشأة مرتبطة بالحريات الفردية أو الجماعية أو الدينية الصادرة عن الحكومة، قرارات إدارية يُطعن عليها أمام القضاء.

وكان مجلس الدولة الفرنسي قد صدَّق، الأسبوع الماضي، على قرار الحكومة بحلِّ كلٍّ من “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في نفسا”، و”مدينة البركة”، في خطوةٍ تدعم الإجراءات الحكومية الفرنسية لمواجهة التطرف.
يؤكد توفيق برقو أن جماعات الإسلام السياسي، والجماعات المتطرفة، باتت لا تملك هامشاً كبيراً للمناورة؛ لعدَّة اعتبارات، من بينها المضايقات التي يتعرضون لها في دول الجوار، بالإضافة إلى تراجع شعبيتهم بشكلٍ ملحوظ، لافتاً إلى أن حتى قيامهم بأعمال عنف أو عمليات استفزازية لن يكون في صالحهم على الإطلاق؛ بل سيزيد من القيود المفروضة عليهم، والتي قد تصل إلى التوقيف ما لم يلتزموا بالقرارات الحكومية.