الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

جدل في إسرائيل بسبب يهود إثيوبيا

تختلف طبيعة اليهود الإثيوبيين إلى حدٍّ كبير عن بقية اليهود في العالم لكن الحرب في أوكرانيا سلطت الضوء مجدداً على قضيتهم

كيوبوست- عبد الجليل سليمان

مع احتدام القتال بين الحكومة الإثيوبية وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي شمالي البلاد، 4 نوفمبر 2020، ومع نشوء مخاوف متزايدة من وصول أعمال العنف إلى مدينة غوندار مركز السواد الأعظم من اليهود الإثيوبيين، نظمت سلطات الهجرة الإسرائيلية بالتعاون مع الحكومة الإثيوبية، ديسمبر 2020، عمليات إجلاء جوي محدودة لمئات منهم ممن تربطهم قربى بالعائلات التي هُجرّت إلى إسرائيل قبل عقودٍ، عبر عملياتٍ سريّة، فيما يزال الآلاف ينتظرون دورهم.

لربما تذكرت وزيرة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية بنينا تامانو شطا (من أصل إثيوبي) هؤلاء، عندما وصفت بلادها خلال اجتماع دوري للحكومة الإسرائيلية تم تخصيصه لمسألة استيعاب اللاجئين من يهود أوكرانيا في إسرائيل، بأنها تُمارس “نفاق الرجل الأبيض” بتجاهلها اليهود الإثيوبيين الراغبين في الهجرة إليها، فيما تفتح أبوابها ليهود أوكرانيا.

لم تكتفِ الوزيرة بذلك، بل استطردت، وفقاً ليومية (معاريف) الإسرائيلية: “أعمل بلا توقف لاستيعاب من ينطبق عليهم قانون العودة من الأوكرانيين، لكني أريد أن أسمع صوتاً آخر يتحدث عن يهود إثيوبيا”، وأضافت: “أطالب بإنقاذٍ عاجل لمن ينطبق عليهم قانون العودة من إثيوبيا، حيث يعيشون الحرب منذ أكثر من عام أوضاعاً مزرية، لكن لا أحد هنا يفتح فمه من أجلهم”.

 يهود أوكرانيا أولاً

وزيرة الهجرة الإسرائيلية تستقبل فوجاً من اليهود الأوكرانيين- وكالات

الجدل الدائر في الأوساط الإسرائيلية، لم يبدأ من لحظة الوزيرة شطا، وإنما يعود إلى الإعلان الإسرائيلي باستقبال أكثر من 6 آلاف أوكراني، منذ انطلاق الشرارة الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا، 24 من فبراير الماضي، عندما كشفت سلطة السكان والهجرة في الحكومة الإسرائيلية، عن أن ما يربو على 6 آلاف أوكراني حطوا رحالهم بإسرائيل منذ اندلاع الحرب.

وبحسب يومية (معاريف) الإسرائيلية، فإنّ وزيرة الداخلية أييليت شاكيد، أعلنت الأحد المنصرم، عن استعداد بلادها لاستقبال 100 ألف يهودي وعائلاتهم من روسيا وأوكرانيا على حد سواء، فيما كشفت الوكالة اليهودية عن استقبال 300 يهودي قدموا في 3 طائرات من البلدان المجاورة لأوكرانيا.

وفي السياق نفسه، كانت منظمة الزمالة الدولية للمسيحيين واليهود، ومقرها القدس، أشارت إلى أنه ينبغي تسهيل إجراءات الهجرة إلى إسرائيل لنحو 100 ألف يهودي أوكراني، وقال يائيل برانوفسكي المدير التنفيذي للمنظمة أن مؤسسته شاركت بشكل فعال في مساعدة وإغاثة آلاف اليهود الذين نزحوا من منطقة دونباس، شرقي أوكرانيا، عندما اندلعت الحرب فيها عام 2014.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الإفريقي وإسرائيل.. حين يتسبب المراقب في أزمة

فقراء ولكن..

سلطت الحرب الروسية الأوكرانية الضوء على اليهود الإثيوبيين الذين تم وضعهم على قوائم انتظار الهجرة إلى إسرائيل، حيث أشارت تقارير متواترة إلى حياتهم الضنكة في قرى متناثرة في إقليمي أمهرا وتيغراي شمالي إثيوبيا، إذ ينشطون بجانب الزراعة المحدودة، في صناعة النسيج اليدوي والفخار والحدادة والصياغة، فيما تتولى النساء تربية الأطفال وتدبير المنازل.

لا إحصائية دقيقة حول عدد اليهود الإثيوبيين المعروفين بـ “بيتا إسرائيل” والفلاشا، والفرق بينهما أن الفئة الأولى فئة ظلت متمسكة بيهوديتها، فيما اعتنقت الثانية المسيحية الأرثوذوكسية تقيّة، بينما ظلت في السر على يهوديتها، إلا أنّ بعض المصادر الحكومية تقول إن زهاء 500 ألف مواطن يتوزعون بين إقليمي أمهرا وتيغراي، يُعتقد أنهم يهود.

اقرأ أيضاً: هل ستلعب إفريقيا دوراً في الحرب الروسية- الأوكرانية؟

استمر اليهود الإثيوبيون في الحياة، لكن بسبب الاضطهاد والعزلة أصبحت طبيعتهم اليهودية مختلفة إلى حد كبير عن بقية اليهود في العالم، حيث يؤسس الإثيوبيون معتقداتهم على القانون المكتوب (التوراة) وبعض التقاليد الشفوية التي تنتقل من جيل إلى جيل، ولا يعرفون ما هو التلمود.

مع مرورِ الوقت، أصبحت الحياة اليهودية محصورة إلى حد كبير في منطقة غوندار، شمالي غربي إثيوبيا. وفي عام 1862، خرجت مجموعة منهم بحثاً عن أرض الميعاد، متجهة نحو اليمن، لكن معظمهم مات جوعاً، ومن نجوا قرروا العودة إلى الديار، لكنهم عجزوا، فأسسوا مجتمعاً صغيراً خاصاً بهم في إقليم تيغراي المجاور، وانفصلوا عن مجتمعهم الأم، فاكتسبوا لغة مُختلفة هي التيغرينية.

شتات قديم

يهود إثيوبيون يتعبدون- وكالات

يقول الباحث والصحافي المتخصص في شؤون القرن الإفريقي، محمود أبوبكر لـ”كيوبوست”: بالنسبة لأوضاع اليهود الإثيوبيين في الداخل، ورغم أن لا أحد يستطيع الجزم بحقيقة أصولهم المُبكرة لكن لا أحد يشك أيضاً في كونهم يمثلون واحداً ليس من أقدم المجتمعات الإثيوبية فحسب، بل من أقدم مجتمعات الشتات اليهودي.

يضيف أبوبكر، يعيش جل اليهود الإثيوبيين في شمال إثيوبيا في سلسلة قرى فقيرة حول مدينة غوندار بإقليم أمهرا، فيما تعيش فئة منهم في إقليم تيغراي، وظلوا شبه منسيين لقرون طويلة قبل أن يسلط عليهم الضوء مجدداً أعقاب موجات الهجرة المتتالية إلى اسرائيل، والتي كان آخرها في نوفمبر 2020، والتي بفضلها أصبحت الكثير من البلدات اليهودية خالية من السكان، أهمها قرية ولغا فلاشا، 3 كيلومترات شمالي مدينة غوندار وقد تم تهجير جميع قاطنيها إلى إسرائيل عام 1984، حتى صارت خراباً ينعق فيها البوم، قبل أن تدب الحياة فيها مجدداً بعد تولي رئيس الوزراء الأسبق مليس زيناوي الحكم، عندما أعلنها عام 1996 منطقة سياحية، فأصبحت مقصداً للسياح، من أجل زيارة المقابر اليهودية، والوقوف على أطلال المنازل القديمة.

اقرأ أيضًا: مواجهات حادة بين الشرطة ويهود “الفلاشا” في إسرائيل بسبب مقتل مراهق من أصول إثيوبية

محمود أبوبكر

ومع تفاقم الصراع، وتصاعد القتال في إثيوبيا بين حكومة آبي أحمد ومتمردي إقليم تيغراي، قررت إسرائيل تسريع عمليات إجلاء نحو 3 آلاف من أقارب اليهود الإثيوبيين الذين بقوا في إثيوبيا؛ وذلك من خلال تفعيل اتفاقية 2015، بين الحكومتين الإثيوبية والإسرائيلية، إلا أن التنفيذ تأخر كثيراً لأسبابٍ عديدة أهمها إصرار الجانب الإسرائيلي على إخضاع الفئة المستهدفة إلى المزيد من التحقيقات حول هويتها اليهودية، حيث تُثار شكوك كبيرة حول يهودية الإثيوبيين المهجرين إلى إسرائيل، بعد أن تبين في مرات سابقة أن عشرات منهم ليسوا يهوداً، بحسب أبوبكر.

معايير مزدوجة

فتحي عثمان

من جهته، قال الباحث السياسي المتخصص في شؤون القرن الإفريقي، الدبلوماسي الإريتري السابق، فتحي عثمان لـ”كيوبوست”: تمنح إسرائيل جنسيتها لأي يهودي يرغب في الهجرة إليها من بقاع العالم شتى، لتمرير خططها التوسعية، حيث استهدفت اليهود الأوكرانيين والروس الفارين من العمليات العسكرية لتوطينهم في إسرائيل، بغية تغيير المعادلة الديموغرافية.

أما بالنسبة لليهود الإثيوبيين، فلا يخفى على أحدٍ ما يلاقونه من “عنصرية”، على عكس الاحتفاء بالأوكرانيين البيض بحسب عثمان، وهذا ما ذهبت إليه وزيرة الهجرة في مداخلتها عن (نفاق الرجل الأبيض)، وتعني بذلك أنه يتحدث بلسانين، فعندما يتعلق الأمر باليهود الأفارقة فإنه غير متعجل لجلبهم، وإنقاذهم من الحرب والجوع، وغير مكترث لكونهم يهوداً مثله، طالما أن لون بشرتهم مختلف، لكن إذا كان اليهودي أبيض فالأمر يختلف تماماً.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبد الجليل سليمان

مراسل السودان