الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

جبن الـ”فيتا”.. تجديد الصراع بين اليونان والدنمارك

كيوبوست

ليست الأرض ومواردها الطبيعية وحدها هي السبب المؤدي إلى نشوب خلافات بين الدول، فقد تكون قطعة جبن سبباً في ذلك، فإنها على بساطتها قد تعني الكثير بالنسبة إلى ثقافة وإرث شعبٍ ما، إذا ما تم تحضيرها بطريقةٍ خاصة واكتسبت عبر السنين اسماً ومكانة في ثقافة المطبخ؛ حيث يشكل الطعام جزءاً من ثقافة أي شعب، فهو يؤرخ لهوية الشعب وذائقته، لذلك فقد تدخل الدول في صراعاتٍ للحفاظ على موروثها الغذائي، وهذا ما ينطبق على اليونان والدنمارك؛ فقد دخلت الأولى في مواجهة مع الدنمارك، ولجأت إلى الاتحاد الأوروبي لحماية جُبنتها، فما القصة؟

جدل حول منشأ الـ”فيتا”

كما الأديب الذي يحاول أن يحافظ على أعماله الأدبية من السرقة، عبر قوانين حفظ حقوق الملكية الفكرية، تحاول اليونان الحفاظ على جبنة “فيتا” التي تحمل رمزية ثقافية في المطبخ اليوناني، من السرقة على يد الدنمارك، فقد فوَّضت اليونان الاتحاد الأوروبي للشروع في إجراءات قانونية ضد الدنمارك؛ بسبب تقليدها جبنة الفيتا.

اقرأ أيضاً: رابندرانات طاغور.. قناة اتصال الثقافة الهندية بالعالم

وفي بيانٍ أصدرته وزارة الزراعة اليونانية، قالت فيه إن وزير الزراعة اليوناني وافق على تفعيل الإجراءات القانونية التي اتخذتها المفوضية الأوروبية ضد الدنمارك؛ لانتهاكها قوانين متعلقة ببلد المنشأ لمنتج معين؛ حيث تعتبر جبنة “فيتا” منتجاً يونانياً رمزياً.

وعن موقف الدنمارك، فعلى ما يبدو أنها تتجاهل اعتراض اليونان، فقد أشار البيان إلى أن الدنمارك “رفضت التعاون” مع قوانين الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، عندما سمحت للمنتجين الدنماركيين بتصنيع جبن مماثل لـ”الفيتا”، وتصديره إلى دول خارج الاتحاد.

جبنة الفيتا.. تاريخ

ترتبط جبنة الفيتا ارتباطاً وثيقاً بالميثولوجيا الإغريقية، فوفقاً للملحمة اليونانية أوديسة (القرن الثامن ق.م)، للشاعر هوميروس، فإن شخصية أسطورية لعملاقٍ يُدعى Polyphemus يمتلك عيناً واحدة، هو مَن ابتكر صناعة جبنة الفيتا. فبينما كان يستخدم جلدة مصنوعة من معدة الحيوانات ككيس يحفظ فيه الحليب، بدأ قوام الحليب السائل يتحول إلى الصلابة نتيجة تخثره، وبناء عليه تعتبر “الفيتا” اليوم الجبنة التي حضَّرها  .Polyphemus

تمثال لوجه العملاق الأسطوري Cyclope Polyphemus

والمؤكد هو أن اليونانيين قديماً استخدموا حليب الأغنام في صناعة الجبن بنفس التقنية، وحفظوه بمحلولٍ ملحي، مطلقين عليه اسم “جبن” فقط، بينما تطوَّر الاسم خلال القرن السابع عشر إلى “فيتا”، بمعنى “شريحة”.

وتُعبِّر “الفيتا” عن الريف اليوناني. الفلاحون هناك ظلوا يصنعونها من حليب الأغنام، ومؤخراً أُدخل حليب الماعز في إنتاجها.

حرب الجبن

على الرغم من أن اليونان تمكنت من تصنيف “الفيتا” كأحد المنتجات المحمية وفقاً لتصنيف (PDO) التابع للمفوضية الأوروبية عام 2002؛ فإن المعارك بينها وبين الدنمارك ما زالت مستمرة، والصراع امتد ليشمل دولاً أوروبية أخرى. ففي عام 2005، ألغت محكمة العدل الأوروبية استئنافاً قدمته ألمانيا والدنمارك، بدعم من فرنسا وبريطانيا، بخصوص حق منتجيها في مواصلة استخدام اسم “فيتا” لأجبانهما البيضاء المخزنة بمحلول ملحي.

جُبن الـ”فيتا”

وفي عام 2018، طالبتِ المفوضية الأوروبية الدنماركيين المنتجين لـ”الفيتا” بالتوقف عن بيع الجبن المقلد منها إلى الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وبدلاً من استخدام حليب الأغنام، تحايلوا على القرار، بتصنيع البديل الدنماركي باستخدام حليب البقر المبيض كيميائياً، وهو أكثر نعومة وتماسكاً، وسُمي بـ”مكعبات السَّلطة” أو “الجبن الأبيض”؛ ولكن طريقة تصنيعه تتم بذات التقنية التي تُصَنَّع بها “الفيتا” (غمرها بمحلول ملحي).

اقرأ أيضاً: مجلة أوروبية تكشف: هكذا تتسلل الولايات المتحدة إلى ثقافة الشعوب الأخرى

وخرج النزاع على “الفيتا” من إطار الاتحاد الأوروبي ووصل إلى قارة أمريكا الشمالية؛ حيث وقَّع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع كندا في عام 2013، بخصوص اسم جبنة فيتا المصنعة في كندا، في حين أنهت بروكسل عملها مع منتجين أمريكان للجبنة ذاتها.

بات من الصعب نسب الأكلات والأطعمة إلى بلدانها الأصلية؛ فهناك تداخل بمطابخ الثقافات، نتيجة لانفتاح الشعوب بعضها على بعض، وتماهي الخلفيات الثقافية حول العالم؛ لذلك مرَّت “فيتا” بالكثير من الشد والجذب حول أصلها، فهي تعد الجبن الأكثر استهلاكاً في اليونان، وأكثر المنتجات اليونانية تصديراً. ومع ذلك، فلا تزال اليونان تخوض معاركها؛ من أجل إبقاء “الفيتا” يونانية.

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة